ولد تود هاينز عام 1961 في ولاية أوريغون الأمريكية، وبدأ صناعة الأفلام أثناء دراسته الفنون والفلسفة في جامعة براون. عرفه العالم مع إطلالته السينمائية الأولى بفيلم Poison الفائز بالجائزة الكبرى لمهرجان صندانس للأفلام المستقلة، ثم دشّن نفسه كأحد أبرز السينمائييين الأمريكيين المستقلين بفيلمه الطويل الثاني Safe الذي قدّم جوليان مور كبطلة سينمائية للمرة الأولى. في السنوات العشرين التالية أكّد تود هاينز على مكانته كسينمائي نادر يعمل وفقًا لما يعتقده ويقدّم في الوقت ذاته أعمالًا تحفظ لنفسها مكانها المناسب في كلاسيكيات السينما الأمريكية.
هنا حوار معه نُشر مؤخرًا في موقع "The Talks" عقب عرض فيلمه الجديد Wonderstruck في مهرجان لوكارنو السينمائي وحصوله على جائزة "باردو دو أونور" التي تمنح للمخرجين الكبار في السينما المعاصرة.
سيد تود هاينز، مالذي دفعك لصناعة الافلام؟
كنت محظوظًا بقدر كاف لمشاهدة الأفلام وقراءة الأدب والثقافة، ثم قيل لي "نعم، يمكنك فعل ذلك أيضًا". إنه ليس شيئًا متاحًا للجميع. لكل شخص عقبات فريدة من نوعها وحدود لتحقيق ذلك، ولكن أعتقد أنه يحدث بطريقة ما، يخبرك شخص بأن لديك الحق في التجربة. لقد جئت من بيئة وخلفية تجريبية لم تجعلني أفكر أو أرغب في خوض هذا النوع من العمل كمخرج سينمائي.
ماذا تريد من كل هذا؟
شعرت آنذك أنني أمتلك الإبداع الكافي لصناعة الأفلام التجريبية والتعليمية، فقد كان لدي العديد من الأمثلة الجيدة لأشخاص فعلوا ذلك. صناعة الأفلام لم تبد لي طموحًا عمليًا يناسب اهتماماتي في ذلك الوقت، لكن ما دفعني للعمل في هذا المجال في النهاية هو الظروف وبعض الأحداث التي تجد نفسك تواجهها كعقبات أو كتحديات.
تود هاينز: لقد توجهت في أفلامي لشخصيات تواجه العزلة والعقبات والحواجز، أولئك الذين اُستبعدوا من مجتمعاتهم بطرق مختلفة
كما في حالة فيلمك الأول "Poison"، ومقاربة نقص المناعة والإيدز؟
بالفعل، لقد خلق الكثير من الأزمات التي أجبرت الكثير من الفنانين والمخرجين والناشطين لاتخاذ موقف والتحدث عنه والقيام بشيء. فقد كان الأمر يتعلق بالحفاظ علي حياتنا وجعل قيمة لحياتنا، أن تقول: "حياتي تهم الحكومة"، وهذا أشعل لحظة ثقافية. ليس هذا دائمًا هو السبب وراء صنع الأفلام وممارسة الفن، ولكنه كان بالتأكيد في ذلك الوقت.
كان يشاركني أشخاص آخرون ممن شعروا بنفس الطريقة، والذين يعملون في صناعة الأفلام أيضًا، وهكذا اصطلح على تسمية الحركة بـ "سينما الكوير الجديدة". ربما ينظر الناس إلى هذا المصطلح بسخرية في أوقات مختلفة ولكن ثمة سبب لذلك الاسم.
تعني بسبب رد فعل الحكومة على النوع السينمائي في بدايته؟
في حالة "Poison"، كنت متأكدًا من كره البعض للفيلم، لكنه علق كذلك في نقاش حول تمويل الفنون، لأنه حصل على المنحة الوطنية العامة للفنون وحصل أيضًا على جائزة في مهرجان صندانس السينمائي . وهكذا وصل الأمر إلى العناوين الرئيسية للصحف، التي خرجت تقول: "فيلم مثلي الجنس يفوز بجائزة في مهرجان صندانس السينمائي دُفع لأجله من ضرائبك".
اقرأ/ي أيضًا: فيلم Detachment.. جرعة مكثّفة من الألم والكآبة
وجاء ذلك خلال فترة عدائية في التجربة الأمريكية تجاه الكويرية "Queerness"، أليس كذلك؟
صحيح، فقد جاء في أوج الذعر حول مرض نقص المناعة. ولذلك انساق الجمهوريون لهذا الكلام وأيضًا دون ويلدمون من جمعية العائلة الأمريكية أثار الشكوك حول سلسلة من قضايا الفنون العامة – مجموعة "نيا فور" معرض روبرت مابلثورب- وفي كل قضية تقريبًا كان الحضور المثلي في قلبها الأساسي.
كان يقول إن دافعي الضرائب الأمريكيين لا ينبغي أن يدفعوا لتمويل هذا النوع من الفنون لأنها "مواد مثيرة للجدل" لا ينبغي الترويج لها. وبالطبع يمكن تخيل الأمر في حالة فيلم من الممكن عرضه في صالات سينمائية بطول البلاد.
• لذلك كان الصدى أكبر؟
بالضبط، وهكذا جلب قدر كبير من الاهتمام حول موضوع "Poison" على الفور، والذي سعد به الجمهور والموزعون. عرفت أن هذا النقاش كان مهمًا، ولذلك كان عليّ الاستمرار في الظهور على شاشات التلفزيون ومناقشة الجمهوريين حول منح الفن والتمويل الفني. كانت مناقشة جيدة وسعدت بذلك، ولكنها لم تكن عن الفيلم. امتلك الفيلم الكثير ليقوله عن الإيدز ومثليي الجنس والأجساد المثلية وتصنيف البعض كغرباء عن مجتمعهم وما يعنيه هذا.. كان هذا حقًا السبب وراء إنجازي للفيلم .
العديد من أفلامك الأخرى، مثل "Safe" و"Far From Heaven"، تقارب موضوعات مماثلة مثل الوحدة والعزلة.
في اعتقادي، أنني توجهت إلي شخصيات تواجه العزلة والعقبات والحواجز، أولئك الذين استبعدوا من مجتمعاتهم بطرق مختلفة. ولكن في بعض الأحيان تلك العزلة هي الحل المريح والأمثل في حياة الطبقة المتوسطة، حيث لا تتوقع أن تجد العزلة.
ماذا عن أفلامك التي تناولت ثقافة البوب، مثل بيوغرافيا بوب ديلان "I’m Not There" أو "Velvet Goldmine" الذي يتحدث عن عصر الغلام الروك (Glam Rock). هل يمكنك القول إن هذه الأفلام تقع تحت تيمة مماثلة؟
تلك هي أفلام التحدي والجموح حقًا! وربما هذا بمثابة رفع علم العزلة قائلًا: "نحن مختلفون". حتى بوب ديلان، وهو شخص طالما حصل على المحبة والقبول، من الممكن أن يقول لا ويرفض الجمهور الذي خلقه ويخاطر بالعزلة لأنها المكان الذي تأتي منه التغذية الفنية. عليك أن تتعامل مع شعور النظر إلى العالم من خارجه إلى داخله. ربما هذا أمر ينطبق عليّ أيضًا، أن تكون نوعًا ما وحيدًا ومنعزلًا كي يأتيك الإلهام.
اقرأ/ي أيضًا: أفلام الرعب في السينما المصرية.. "جن وعفاريت" فقط!
هل هذا ما تشعر به في هوليوود؟
حسناً إن الأمر يتطلب قدرًا معينًا من الموارد لإنجاز فيلم، خصوصًا حين لا يكون من أفلام السلاسل أو ليس من إنتاج أحد الاستديوهات الكبرى. على سبيل المثال، فيلمي Wonderstruck تلاءم مع هذا الوضع البيني الغريب الذي تستطيع شركة "أمازون" فقط توفيره.
هل كنت قلقًا من العمل مع شركة إنتاج كبرى عندما كانت حياتك المهنية مستقلة في أغلبها؟
أعرف أنهم أرادوا الأفضل لفيلم Wonderstruck، فهم جزء من هذه الحقبة الجديدة ولكنهم أيضًا لديهم الإخلاص. في الوقت الراهن، وصايتهم نابعة من إيمانهم بصنع الفيلم ومستمدة من ذلك العالم المستقل لصانعي الأفلام. في الحقيقة، طاقم عملهم جميعهم أناس من عالم الفيلم المستقل، نعرفهم جيدًا. لذا فإن من يدير المشهد الحالي في "أمازون" هم فعلًا أشخاص أذكياء يمتلكون ثقافة فيلمية. وأنت لا تعرف كم من الوقت ستستغرقه هذه الأمور، ولكنه وقت مناسب كي تتواجد فيه. إنهم يريدون الحفاظ علي الجانب الخاص بالعرض في صالات السينما كجزء من هذه التجربة.
تود هاينز: ما دفعني للعمل في مجال صناعة الأفلام، في النهاية، هو الظروف وبعض الأحداث التي تجد نفسك تواجهها كعقبات أو كتحديات
إنه لمن المثير أن ترى البذور التي زرعتها عبر السنين في صناعة السينما المستقلة وقد أثّرت واسعًا في السينما الأمريكية.
أعتقد أن هناك أشياء يمكنك تحديد ما إذا كانت سيئة أم جيدة، وجميعنا أيضًا لدينا مشاعرنا لتخبرنا بذلك. إذا كنا نتحدث عن الحاضر، تستطيع رؤية الكثير من المخرجين المستقلين انتهى بهم الأمر إلى عالم الكابل والبث عبر الإنترنت والتلفزيون. أنا نفسي اسكتشفت قالب المسلسلات التلفزيونية من خلال شبكة "إتش بي أوه"، وآمل في مواصلة العمل على مشروعات مشابهة.
لكن هناك شعور وكأن المكان الوحيد الذي يمكنك من خلاله تقديم قصص أكثر قتامة تحتوي شخصيات رئيسية أكثر شرًا شريرة، هو قنوات الكابل وليس الشاشة الكبيرة. لدينا حاليًا مشهد أكثر تنافسية، حيث بالإمكان زيادة المعروض، لذلك أعتقد أنه متى وجدت الحيوية الإبداعية فهذا أمر جيد بالطيع. أنا محب للسينما ولا أريد لهذا أن ينتهي تمامًا.
اقرأ/ي أيضًا:
من عهد عبدالناصر للسادات ومبارك.. كيف تم تجسيد شخصية المعتقل بالسينما المصرية؟