تخوض تونس نهائيات كأس العالم للمرة السادسة في تاريخها، كأحد المتأهلين الخمس عن القارة الأفريقية، وقد فرضت عليها القرعة التواجد في مجموعة صعبة تضم حاملة اللقب فرنسا والدنمارك وأستراليا.
لم يسبق لمنتخب تونس أن تجاوز دور المجموعات في مشاركاته السابقة، ويأمل أنصاره أن يظهر بشكل مشرف قد يستطيع من خلاله تحقيق المفاجأة وعبور الدور الأول، على حساب خصوم يتفوقون عليه بالإمكانيات والخبرة في المواعيد الكبرى.
تأهل تونس إلى مونديال قطر 2022 جاء عقب أداء متوازن في التصفيات ونتائج إيجابية وضعت "نسور قرطاج" على الطريق الصحيح نحو النهائيات العالمية منذ بداية منافسات دور المجموعات وصولًا إلى الدور الحاسم أمام مالي.
تأهل بدفع قوي
خاضت تونس التصفيات بداية من الدور الثاني، حيث لعبت في المجموعة الثانية إلى جانب غينيا الاستوائية، زامبيا، وموريتانيا، بتشكيلة تجمع بين عناصر الخبرة والشباب تحت قيادة منذر كبير الذي تم إقالته لاحقا بعد الخسارة من بوركينا فاسو في دور الثمانية لأمم أفريقيا وصدمة الخروج المخيب من البطولة القارية.
مع نهاية دور المجموعات جمعت تونس 13 نقطة واحتلت الصدارة بـ 4 انتصارات وتعادل وهزيمة، وحلت غينيا الاستوائية ثانيا بـ 11 نقطة، وزامبيا ثالثا بـ 7 نقاط، وموريتانيا رابعا بنقطتين فقط. وفي الدور النهائي والحاسم أوقعت القرعة المنتخب التونسي في مواجهة نظيره المالي الذي كان مرشحًا بجدارة لبلوغ النهائيات بعد نتائجه المميزة وتصدره المجموعة الخامسة بـ 5 انتصارات وتعادل وحيد وبدون أي خسارة وأي هدف في مرماه.
تونس حينها غيرت جهازها الفني الذي أصبح بقيادة جلال القادري ونجحت في العودة بنتيجة الفوز من العاصمة المالية باماكو بهدف سجله المدافع موسى سيسوكو بالخطأ في مرمى بلاده، قبل أن يُطرد في نفس المباراة ويُعطي المنتخب التونسي الأريحية في مواجهة العودة برادس، والتي انتهت بتعادلٍ سلبي أهل "نسور قرطاج" رسميا إلى مونديال قطر.
أول فوز عربي
في عام 1978 استضافت الأرجنتين نهائيات كأس العالم على أراضيها، بمشاركة تونس التي وقعت في المجموع الثانية رفقة ألمانيا الغربية حاملة اللقب والغنية عن التعريف، وبولندا بجيلها الذهبي، والمكسيك الخصم الذي لا يُستهان به.
أحدث منتخب تونس مفاجأة كبيرة حين فاز على نظيره المكسيكي بثلاثة أهداف لواحد في مباراة أطلق عليها التونسيون "ملحمة الأرجنتين" بفضل علي كعبي ونجيب غميض ومختار الذويب وطارق ذياب، لكنه خسر بهدف وحيد أمام بولندا، قبل أن يتعادل سلبيا مع ألمانيا الغربية في مباراة تاريخية أخرى ويحتل المركز الثالث في المجموعة.
رغم خروجه المُبكر من البطولة إلا أن منتخب تونس منح العرب أول انتصار لهم في تاريخ مشاركاتهم في كأس العالم، وهو ما عجزت عنه مصر في مونديال إيطاليا 1934 والمغرب في مونديال المكسيك 1970، كما دفع الأداء المميز للتونسيين في مونديال الأرجنتين الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" إلى منح القارة الإفريقية مقعدًا ثانيًا في النهائيات، بعد أن كان مخصصًا لها مقعدًا واحدًا فقط.
وبعد 20 عامًا من الغياب، نجحت تونس في الوصول إلى مونديال فرنسا 1998 واستهلت مشوارها في البطولة بخسارة أمام إنجلترا بهدفين دون مقابل على استاد "فيلودروم"، ثم جاءت الهزيمة أمام كولومبيا بهدفٍ وحيد، قبل أن تتعادل مع رومانيا بهدفٍ لمثله وتخرج من البطولة بنقطة واحدة.
تونس لم تُطل الغياب عن كأس العالم وبلغت مونديال كوريا الجنوبية واليابان في حضور ثاني على التوالي وثالث بالمجمل، غير أنها لم تستطع فعل أكثر من ما فعلته في فرنسا وودعت المنافسات من الدور الأول بعد هزيمة من روسيا (0ـ2)، وتعادل مع بلجيكا (1ـ1)، وخسارة ثانية أمام "الساموراي" (0ـ2).
في مشاركتها الرابعة في مونديال ألمانيا 2006، التقت تونس مع السعودية في مباراة مثيرة انتهت بالتعادل بهدفين لمثلهما، قبل أن تواجه إسبانيا وتقدم أمامها بداية مميزة مكنتها من التقدم بهدف سجله جوهر المناري غير أن خبرة "الماتادور" لعبت دورًا كبيرًا في قلب النتيجة، وفوزه بثلاثة أهداف لواحد في النهاية.
وقاتل منتخب "نسور قرطاج" بضراوة في مباراته الأخيرة أمام أوكرانيا على أمل تحقيق الفوز ومواصلة المشوار العالمي، لكن الحكم الباراغوياني كارلوس أماريا فضل قتل أحلام التونسيين حينها بركلة جزاء أثارت الكثير من الجدل، منحها لصالح أندريه شيفشينكو الذي نفذها بنجاح وأحرز منها هدف الفوز لبلاده في الدقيقة 70.
عقب فشلها في التأهل إلى مونديالي 2010 و2014، سجلت تونس حضورها الخامس عالميًا في مونديال روسيا 2018 تحت قيادة المدرب نبيل معلول، وواجه منتخبها في المباراة الأولى نظيره الإنجليزي في مباراة انتهت لصالح "الأسود الثلاثة" بهدفين لواحد، ثم جاءت الخسارة القاسية أمام بلجيكا بخمسة أهداف لاثنين.
ورغم خيبة الأمل وتأكد الخروج من البطولة، ظهر المنتخب التونسي الجولة الأخيرة من دور المجموعات بمستوى فني جيد أهدى به بلاده الفوز الثاني في نهائيات كأس العالم على حساب بنما بهدفين لهدف.
حلم الأولى
أثبت المنتخب التونسي تحت قيادة جلال القادري أنه يعرف كيف يحقق النتيجة التي يريدها في مواجهات قوية عديدة، الأمر الذي برهن عليه التونسيون في الدور النهائي من التصفيات الإفريقية أمام مالي وأيضًا خلال مشاركتهم في بطولة كأس العرب الأخيرة، التي وصلوا فيها إلى المباراة النهائية قبل الهزيمة أمام الجزائر بهدفين دون رد.
يعتمد القادري في أسلوب لعبه على الدفاع المنظم، وتكسير رتم اللعب ومنع الخصم من تسيير المباراة بأسلوبه، وهو ما أعطى المنتخب التونسي صلابة وقوة في الخط الخلفي، بدت نتائجه واضحة في التصفيات حيث لم تتلقى شباكه سوى هدفين فقط.
لدى المنتخب التونسي نضج كروي وتكتيكي جيد، نظرا لوجود أسماء اعتادت على اللعب مع بعضها البعض منذ فترة طويلة، أمثال يوسف المساكني وفرجاني ساسي المحترفين في الدوري القطري، ونجمي الأهلي والزمالك علي معلول وسيف الدين الجزيري، وكذلك نعيم السليتي لاعب الاتفاق السعودي.
في ضوء هذه المعطيات لا تبدو مهمة تجاوز دور المجموعات لأول مرة بالتاريخ بالنسبة لتونس أمرًا مستحيلًا، لكنه ذلك صعب للغاية، إذا ما نظرنا إلى منتخبين يمتلكان جودة هائلة وإمكانيات كبيرة، كحامل اللقب منتخب فرنسا، والمنتخب الدنماركي الذي وصل إلى نصف نهائي يورو 2020، ويُقدم مؤخرا عروضًا قوية بتشكيلة مميزة، يتقدمها المخضرم كريستان إيركسن نجم مانشستر يونايتد.