تفاجأ العالم، أول أمس، بشاب عشريني يقوم بإطلاق النار على السفير الروسي بتركيا ويرديه قتيلًا، ثم إذا به يكبر ويقول: "نحن من بايع محمدًا على الجهاد ما حيينا ساعة"، ويبرر فعله بأنه انتقام لما يحدث في حلب وسوريا، وصمم على عدم الخروج من القاعة إلا جثة هامدة، لنعرف بعدها أن هذا الشاب ضابط تركي يعمل بقوات مكافحة الشغب ويدعى "مولود مرت"، وبينما لم تعلن الحكومة التركية بشكل رسمي نظريتها عن الحادث، وشكلت مع موسكو لجنة تحقيق مشتركة، إلا أن المعلقين على الحادث انقسموا بين نظريات مختلفة حول خلفية وانتماء الضابط مولود.
رأى محللون أن اغتيال السفير الروسي قد يكون عملًا فرديًا، وأن الضابط التركي تأثر بالأخبار المكثفة حول الانتهاكات التي تحدث في حلب
اقرأ/ي أيضًا: إعلان موسكو..عزل الأزمة السورية خارجيَا
1 ـ حركة فتح الله كولن
أنصار هذا الرأي يتهمون منظمة الكيان الموازي التابعة لرجل الدين الهارب فتح الله كولن بتخطيط هذا العمل، وذلك لإحراج تركيا على الصعيد الدولي، وإظهارها في صورة الدولة الفاشلة الضعيفة التي لا تستطيع توفير الأمن للسفراء الضيوف عليها، وإفساد العلاقات المتعافية قريبًا بينها وبين روسيا، والتي كانت قد توترت بعد إسقاط تركيا لطائرة روسية على إثر انتهاكها للمجال الجوي التركي، كما قالت تركيا، وظلت العلاقات التركية الروسية متوترة إلى أن بدأت في التحسن بعد فشل الانقلاب، الذي يتم اتهام الحركة بتنظيمه، في تركيا.
مناصرو هذا الرأي برروه بالتغلغل الرهيب لمنظمة كولن في كافة مفاصل الدولة التركية، والذي ظهر في عدد الموظفين الذين تم فصلهم بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، كما قالوا بوجود مصلحة للحركة، التي تعاني من حملة أمنية شديدة عليها بعد فشل الانقلاب، في أن ترى النظام التركي وهو يترنح وغير موثوق به.
بينما آخرون، وصفوا محاولات اتهام حركة كولن بالضلوع في عملية اغتيال السفير بالاتهام المضحك، خصوصًا أن الحركة أصبحت الشماعة التي يعلق عليها النظام التركي كل أخطائه، مثلما يفعل النظام المصري مع جماعة الإخوان، وأن تكرار الاتهامات للحركة، جعل من الصعب تصديق أي اتهام توجهه الحكومة التركية لها.
2 ـ داعش أو القاعدة
البعض يرى أن تنظيم داعش قد يكون هو من جند هذا الشاب لاغتيال السفير الروسي، ويستدلون على هذا بالكلام الذي قاله الشاب بعد إطلاقه النار على السفير، أي التكبير وجملة نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد"، لكن بيت الشعر هذا ليس داعشيًا ولا قاعديًا بل بيت شعر قديم يقال إن "الأنصار" قالوه أثناء غزوة الخندق، وهو بيت معروف، ولا يمكن الاستدلال به إلا على تدين الضابط، لا أكثر ولا أقل.
كما يبدو احتمال تورط داعش مستبعدًا لخلفية القاتل نفسه، كضابط مكافحة شغب، بجوار أنه لم يهتف لـ"تنظيم الدولة" ولم يسع لقتل أي آخرين خلافًا لنهج وأفكار داعش، واكتفى بقتل السفير فقط، يضاف إلى ذلك ذكر الضابط لما يحدث في حلب، التي كانت تحت سيطرة فصائل معارضة وفصائل إسلامية ليس من بينها بالتأكيد تنظيم داعش، ولو كان الرجل داعشيًا لكان ذكر الموصل والرقة بشكل أولى.
يرى محللون أن اغتيال السفير قد يزيد من شهية روسيا لمواصلة دعمها للأسد، بينما يرى آخرون أن الحادث قد يجعلها تفكر في ثمن دعمها له
يبقى احتمال انتماء الرجل لجبهة النصرة (فتح الشام) أو تنظيم القاعدة، لكنه يظل احتمالًا ضعيفًا كسابقه، فالنصرة والقاعدة ليس من مصلحتهم توريط أنفسهم في خلاف مع تركيا ذات النفوذ القوي في الحرب السورية، كما أن أي تورط للنصرة خارج سوريا، سيكون مخالفًا للخطاب الذي تتبناه الجبهة بأنها لا تهدف إلى أي شيء خارج سوريا، وأي دليل عكس ذلك، سيعني أنها ستكون هدفًا للحرب ضد الإرهاب، بنفس الدرجة التي يتم بها استهداف تنظيم داعش، وهو ما سيورطها بشكل أكيد في حرب مع بقية الفصائل السورية، التي سترى في ذلك توريطًا لها كلها في محرقة لا تنتهي، وهي، أي فصائل المعارضة، التي مارست ضغطًا على جبهة النصرة من البداية، لتعلن فك ارتباطها مع القاعدة، وتُغير اسم الحركة، وهو ما فعله الجولاني بالفعل عندما أعلن فك الارتباط مع القاعدة، وغير اسم الحركة لتصبح "جبهة فتح الشام".
اقرأ/ي أيضًا: بعد ملحمة تاريخية.."الثورة السورية" تودع حلب
3 ـ عمل فردي
قطاع آخر من المحللين، رأى في الحادث عملًا فرديًا صرفًا، وأن الضابط التركي تأثر بالأخبار المكثفة حول الانتهاكات التي تحدث في حلب، والتي يندد بها بشكل صريح النظام التركي نفسه، وكل ذلك دون أن تتحرك دول العالم لفعل أي شيء لوقف القتل في سوريا.
ويعزز من هذا الرأي، أن المنفذ لم يصرح في صرخاته بعد الاغتيال باسم أي تنظيم، بينما لو كان منتميًا بشكل عقائدي لأي فصيل مسلح، لم يكن يفوت فرصة تاريخية مثل هذه لإبراز اسم التنظيم، ويبدو أن امتصاص موسكو للضربة، وتصريحات مسؤوليها عن أهمية الحفاظ على العلاقات مع تركيا بعد الحادث، تدفع إلى الاعتقاد أن موسكو نفسها تميل لهذا الرأي.
أخيرًا، تميل أغلب الآراء إلى رؤية أن الاغتيال يضر بتركيا بالقدر نفسه الذي أضر بروسيا، وهو ما صرح به الطرفان بالفعل، خصوصًا أن الدولتين مصممتان على المضي في تحسين علاقتها والتعاون في الحرب السورية، التي تشاركان فيها عمليًا، إحداهما بدعم المعارضة المسلحة، والأخرى بدعم النظام، ويمثل كلًا منهما للآخر، الطرف الوحيد الممكن التفاوض معه على حل ما ينهي الحرب، في ظل عدم ثقتهم ببقية الأطراف الداخلية والخارجية المتورطة في الأزمة السورية.
وفي حين رأى محللون أن الحدث قد يزيد من شهية روسيا لمواصلة دعمها للأسد بشكل أقوى، يرى آخرون أن الحادث قد يجعل روسيا تعيد التفكير في الثمن الذي قد تدفعه باستمرارها في دعم حل عسكري للحرب، وأنها قد ترث موضع الولايات المتحدة، كهدف لعمليات انتقامية في العالم كله، وأنها لذلك ولأسباب أخرى قد تدفع في اتجاه إنهاء الحرب بشكل أسرع، وهو ربما ظهر في حرصها على عدم تعطيل الاغتيال للاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، للتباحث حول الحرب السورية.
اقرأ/ي أيضًا:
من أجل حلب..عودة الاحتجاجات السورية في أوروبا
حلب وتدمر..حسابات داعش ومعسكر الأسد