لا تكف تطورات قضية اختفاء ثم مقتل "جوليو ريجيني" الطالب الإيطالي في مصر، عن مفاجأة الجميع.
السلطة المصرية، لا مجال لديها للتراجع عن روايتها بخصوص تشكيل العصابة التي قتلت ريجيني، وإلا ستضطر للإجابة على سؤال: كيف ظهرت الحقيبة؟
فبعد ظهور جثة جوليو بعد اختفائه منذ يوم 25 كانون الثاني/يناير 2016، وعليها آثار تعذيب واضحة، اتجهت أصابع الاتهام للأجهزة الأمنية، قبل أن يقوم مؤيدو هذه الأجهزة باختراع سيناريوهات عديدة لمقتله، بداية من كونه مثليًا وليس انتهاءً بكونه جاسوسًا لأجهزة مخابراتية أجنبية.
وبعد أن فشلت كل السيناريوهات هذه في وقف اتهام الأجهزة الأمنية بمسؤوليتها عن الحدث، وذات صباح، أعلنت الداخلية المصرية أنها قامت بتصفية عصابة من خمسة أشخاص تخصصوا في سرقة الأجانب، وأنه من المحتمل أن يكونوا على علاقة بمقتل ريجيني. قبل أن تعلن، تعزيزًا لروايتها، أنها قد عثرت على حقيبة ريجيني وبها كل متعلقاته، عند شقيقة أحد المقتولين الخمسة.
اقرأ/ي أيضًا: من قتل "جوليو ريجيني" ..سؤال و7 إجابات
الرواية الأخيرة قوبلت بعواصف من السخرية لركاكتها، وفجرت أسئلة كثيرة حول لماذا استهدفت العصابة طالبًا أجنبيًا ليس لديه مال وفير، ولم تعلن عن طلب فدية للإفراج عنه، بل وحتى كيف تقول رواية الداخلية المصرية أن العصابة متخصصة في السرقة في منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، بينما الحادثة وقعت في مكان آخر بمنطقة الدقي بالجيزة، وأخيرًا، كيف أبقت العصابة على حقيبة الطالب، بكل متعلقاتها، دون سرقة أي شيء، ودون التخلص منها طول تلك الفترة، لتلافي الشبهات وأي تحقيقات متوقعة، خاصة أن مقتنيات الطالب بلا قيمة مادية تبرر الاحتفاظ بها؟
التشكيك السريع في الرواية، انتقل للجانب الإيطالي، الذي لم يستسغ الرواية، وبعد تشكيك من الصحف الإيطالية في الرواية، قام وزير الداخلية الإيطالي، أخيرًا، بإعلان أن "أن المحققين المصريين "راجعوا موقفهم" نتيجة إصرار إيطاليا في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني وتمديد التحقيق، بعد رفض روما تحقيقات للشرطة المصرية تقول إنه قتل بيد عصابة إجرامية".
تزامن التشكيك الإيطالي مع تراجع في وضوح التصريحات الرسمية، فـأعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء أبوبكر عبد الكريم أن الوزارة لم تقم بالربط بين مقتل الطالب الإيطالي، وبين العصابة، وأنه لا جديد سوى العثور على حقيبة ريجيني.
اقرأ/ي أيضًا: انتقام بروكسل..القهر والقهر المضاد
لكن يرى مراقبون أن العثور على الحقيبة، الذي صاحبه تراجع عن تبني رواية قتل العصابة لريجيني، يضع السلطات المصرية في موقف أكثر حرجًا من قبل. فإن كانت العصابة التي تم تصفية كل أفرادها، بحسب رواية الداخلية، ليست ضالعة في مقتل ريجيني، فكيف ظهرت الحقيبة فجأة في هذه القضية؟ وكيف ستبرر السلطات المصرية، وجود الحقيبة عند شقيقة أحد أفراد العصابة، إن كانت العصابة أصلًا لم تقتله.
العثور على حقيبة "ريجيني"، وبها كل متعلقات وبطاقات هوية الطالب الإيطالي، يعني إما أنها كانت على الداوم في حوزة أحد الأجهزة الأمنية، ولم يقم الجهاز بنشرها إلا بعد حبك سيناريو العصابة، وإما أن السلطة المصرية، لا مجال لديها للتراجع عن روايتها الأخيرة بخصوص التشكيل العصابي، حتى لا تورط نفسها في الإجابة على السؤال المستحيل: كيف ظهرت الحقيبة؟، لكنها حينها ستواجه نفس الأسئلة الأولى عن تهلهل رواية التشكيل العصابي وعدم اقتناع أي أحد به.
السلطة المصرية حاصرت نفسها، ومأزقها يبدو هذه المرة، بلا مخرج.
اقرأ/ي أيضًا:
السيسي والمثقفون..الرئيس يبحث عن رجاله
مفاوضات اليمن..تأجيل السلم في ترقب الوفاق