على ما يبدو فإنّ الشعب الإيراني يسير على طريق ثابت في انتخاب قيادته، تحت شعار أن مرة واحدة لا تكفي للرئيس، إذ لم يأت رئيس للجمهورية الإيرانية الإسلامية منذ 1985 إلّا وفاز بفترة رئاسية ثانية، لذلك استيقظ العالم اليوم على خبر فوز حسن روحاني المنتهية ولايته الأولى، بفترة رئاسة ثانية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي عُقدت أمس الجمعة، بحسب ما أعلن التليفزيون الرسمي الإيراني، لتكذب مرة أخرى نتائج استطلاعات الرأي التي قالت إن هناك مؤشرات لتراجع أصوات مؤيدي روحاني.
وقالت التقارير إنه من بين ما يربو عن 40 مليون ناخب إيراني أدلوا بأصواتهم في الانتخابات، حصد حسن روحاني على أكثر من 23.5 مليون صوت، وتحديدًا 23 مليون و549 ألف و616 صوت بنسبة 57% من الأصوات، مقابل 15 مليون و500 ألف صوت لأكبر منافسيه عن معسكر المحافظين إبراهيم رئيسي، الأمر الذي يعني فوزه بأكثر من 50%، التي يشترط الدستور الإيراني تخطّيها للفوز دون إجراء جولة تصويت فاصلة، بالرغم من أن تلك النسبة منخفضة بالمقارنة بنسبة فوزه في فترة رئاسته الأولى، إلا أنّها جاءت بتأييد كامل من قِبل السنة في إيران.
وبلغت إجمالي نسبة التصويت في الانتخابات 71%، محققة تفاعلًا كبيرًا "غير متوقع" بالنسبة لبعض المراقبين، حيث كان من المفترض أن تغلق أبواب مراكز الاقتراع في تمام الساعة العاشرة مساء أمس بتوقيت طهران، لكن مددت فترة التصويت لساعة أخرى بسبب كثرة المشاركة والإقبال على التصويت.
حصد روحاني 57% من الأصوات المشاركة في الانتخابات، أي أكثر من 23.5 مليون صوت
ويعود تأثير تلك الانتخابات على مستقبل الشعب الإيراني وقرارات شراكاته على كافة الأصعدة، حيث إن إيران من بين أهم اللاعبين الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط، مع تمددها في كل من العراق وسوريا، فضلًا عن لبنان، ودعمها لاستمرار حرب مستعرة في اليمن. وعليه فإن للرئيس المنتخب في إيران تأثيرًا كبيرًا على سياسات المنطقة، فضلًا عن التأثير الداخلي بسبب الصراع التقليدي بين المحافظين والإصلاحيين في إيران، أو المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وحسن روحاني.
كيف سارت الانتخابات؟
زعم علي نكزاد، رئيس حملة المرشح المحافظ ابراهيم رئيسي، وقوع عدة مخالفات قانونية في عملية التصويت، داعيًا السلطات إلى اتخاذ الاجراءات المناسبة تجاه ذلك، قائلًا إن عددًا من الأنشطة الدعائية قام بها مسؤولون ومؤيدون للحكومة الحالية، كان الغرض منها تعزيز موقف حسن روحاني في الانتخابات، واصفًا ذلك بـ"بالتصرفات اللا أخلاقية"، والتي "تسعى لانتهاك حقوق الشعب الإيراني". فيما قال أحد مساعديه إن حوالي 219 مخالفة قانونية تم تسجيلها، وأن سكان المناطق المؤيدة لرئيسي، فيما فيها مدينة ولادته "مشهد"، لم يستلموا عددًا كفيًا من بطاقات التصويت.
اقرأ/ي أيضًا: مشاكل إيران لا تنتهي.. عن الحجتية والانتخابات وأحمدي نجاد
رئيس الجهاز القضائي في طهران، غلام حسين إسماعيلي، شارك إبراهيم رئيسي نفس التشكيك في نزاهة الانتخابات، قائلًا إن المناطق المحيطة بطهران، شهدت العديد من المخالفات، وأن هناك تقارير كثيرة تتعلق ببيع وشراء أصوات ناخبين في مراكز اقتراع مختلفة، فضلًا عن أنّ أكثر من 100 شخص اعتقل لانتهاك قوانين الانتخابات، كما قال.
من جهة أُخرى، أشار علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى، إلى أنّ نسبة الإقبال على التصويت في تلك الانتخابات، ربما تكون الأعلى في إيران منذ 92 عامًا، نافيًا وجود أية تجاوزات تذكر. ومن جهتها شددت اللجنة المركزية للرقابة على الانتخابات الإيرانية، على أنّ عملية الاقتراع تجري إلكترونيًا في 9740 مركزًا للتصويت، "بدون مشاكل"، معارضَةً ما يزعمه أنصار رئيسي.
ذلك بالإضافة إلى ما أشار إليه رئيس جهاز الشرطة الإيرانية حسين اشتري، من أنه لم ترصد أي حوادث أمنية يمكن أن تعيق سير الانتخابات الإيرانية حتى انتهائها، بل إن أكثر من 20 ألف عنصر أمني من عناصر دوريات الشرطة المترجلة، وعلى الدراجات النارية، وفي السيارات أيضًا، قد انتشروا إلى جانب النقاط الأمنية الثابتة والمتحركة لضمان أمن تلك الانتخابات بشكلٍ لا يشوبه قلق.
حسن روحاني من جديد
يبلغ حسن روحاني من العمر 68 عامًا. متزوج ولديه 4 أبناء، وهو الرئيس السابع للجمهورية الإسلامية الإيرانية بولايته الثانية. رجل دين اشتهر عنه هدوء طباعه وقدراته الخطابية. وكان يحمل اسم "حسن فريدون" عند ولادته، ولكنه غيّره إلى حسن روحاني مع بداية ذيوع صيته السياسي في إيران وخارجها. وهو حائز على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة كاليدونيان بمدينة غلاسكو الإسكتلندية.
من أبرز إنجازات روحاني التوصل للاتفاق النووي عام 2015، إلا أن الإنجاز لم يكتمل مع تطور الأوضاع في سوريا ووصول ترامب إلى الحكم
وشغل روحاني بعد ذلك منصب سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي، واستمر فيه حوالي 16 عامًا متواصلة. بالتزامن مع ذلك، بدأ حياته المهنية في المجلس الإيراني مع بداية عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني، وأكمل عمله أيضًا في عهد الرئيس محمد خاتمي. بينما في فترة تعيينه في منصب "كبير المفاوضين النوويين في إيران"، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2003 وحتى آب/أغسطس 2005، كان قد بدأ فترة الاهتمام الدولي بتطوير البرنامج النووي الإيراني، وإثارة وتطوير ذلك البرنامج، بل الحصول على اعتمادات وقرارات "شديدة اللهجة والتأييد" من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ووصل حسن روحاني إلى سدة الحكم في إيران عام 2013، بعد تقدمه للترشّح بالعديد من وعود الإصلاح والتغيير. وربما إنجازه الأكثر تأثيرًا منذ بداية توليه ذلك المنصب، هو التوصل للاتفاق النووي عام 2015، والذي كان من شأنه نزع حدة التوتر لفترة وجيزة بين إيران والغرب، كما أدى إلى رفعٍ جزئي، أو مرحلي، لبعض العقوبات المفروضة على طهران، إلا أن الأمر اختلف بعد تطور الأوضاع في سوريا، ووصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم أن ذلك الاتفاق النووي الذي أبرمه روحاني، قد أتاح لبعض الشركات الأجنبية السماح بالعودة للتعامل مع ايران، كما ساهم في تحقيق معدل نمو بلغ 6.6% في طهران، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي، إلا أنه لم يكن له دور كبير في خفض معدلات البطالة التي تواجهها الدولة الإيرانية بكثافة، حيث تبلغ معدلات البطالة في إيران حاليًا ما يقرب من 12.5%. بالتالي يعتبر ذلك الموضوع مصيريًا وحيويًا، وعلى رأس أجندة روحاني القادمة، بل إنه محط أنظار معارضيه في الداخل والخارج أيضًا.
روحاني وخامنئي.. والصراع التقليدي
من جهة أُخرى، سيظل الصراع التقليدي بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران قائمًا، متمثلًا الآن فيما هو شائع من اختلاف وجهات النظر بين ما يمثله روحاني من جهة، وما ينطلق من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من أخرى، وإن كان الأمر محسومًا مسبقًا لصالح خامنئي المسيطر على الجيش الإيراني والحرس الثوري والقضاء ووسائل الإعلام الحكومية والهيئات الانتخابية، وهو ما يجعل من سلطات حسن روحاني محدودة مقارنة بخامنئي، وربما الأكثر تأثيرًا أيضًأ امتلاكه للشركات المملوكة للدولة التي تهيمن على الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي يجعل السيطرة الأكبر في كل تلك الأمور في يد خامنئي.
لعب معسكر حسن روحاني دورًا رئيسيًا في إبرام الاتفاق النووي التاريخي مع القوى الدولية من خلال إقناع المرشد الأعلى زعيم المحافظين، بقبول الاتفاق النووي على مضض. ويصنّف روحاني إلى جانب معسكر المعتدلين في إيران؛ الذين يدعمون انفتاح إيران على العالم الخارجي، كما أن له أربع سنوات أخرى في السلطة الجديدة، بالتالي ربما نرى تصعيدًا وتطويرًا مستمرين في الاتفاق النووي الذي وصف بـ"التاريخي".
اقرأ/ي أيضًا: هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا؟
وقد حمل حسن روحاني أيضًا راية معسكر الإصلاح في الأسابيع الأخيرة بمجموعة من الخطابات "النارية" بوصف متابعين، والتي تهاجم سجل حقوق الإنسان من قبل معارضيه. وكان روحاني يعرف من قبل بموقفه المعتدل المنتمي للمؤسسة القائمة أكثر من كونه إصلاحيًا متحمسًا، أو ثوريًا. لكن المرشد الأعلى في إيران يملك أقوى نفوذ سياسي على الإطلاق في النهاية، حيث تشمل صلاحياته تعيين رؤساء الجهاز القضائي والجيش ووسائل الإعلام الرئيسية، بالإضافة إلى ذلك توكل إليه أولوية الموافقة على صلاحية رئيس الجمهورية المنتخب لتسلّم مهام عمله.
وبحسب تقارير لصحف أمريكية، فإنه "على كل من وضع أملًا في أن يساهم الاتفاق النووي الأخير الذي عقده روحاني في زيادة قوة الإصلاحيين ونفوذهم في إيران، في مقابل مواجهة الاتجاه الديني المحافظ، عليه أن يعيد التفكير في ذلك، فذلك الاتفاق الذي أمل خامنئي في أن يحدث دفعة اقتصادية عن طريق إنهاء العقوبات الدولية لم يحقق النتائج المنتظرة، لتبدأ ردة الفعل القوية".
يبدو أن روحاني لا يزال يضع على رأس أولوياته البرنامج النووي الإيراني، وتطويره وإصلاحه
وفي حديثه عقب فوزه، قال روحاني: "نحن بحاجة إلى الدفاع عن الاتفاق النووي، وربما لا نكون قد حققنا كل ما نريده بسرعة، ولكن هناك ما هو إيجابي"، فعلى ما يبدو فإن روحاني لا يزال يضع على رأس اهتماماته البرنامج النووي الإيراني، كما يحمل مهام تطويره وإصلاحه، وهو ما يمثل استمرارًا لسياسات العداء الإقليمي الذي تمثّله السعودية، والعالمي الذي تمثّله الولايات المتحدة الأمريكية. بالإضافة إلى الانغماس في الصراعات المسلحة في سوريا والعراق واليمن، بما يحقق مصالحها الشخصية.
إجمالًا، فإذا كان حسن روحاني هو الرئيس الفعلي مرة أخرى أمام تعارض وجهات النظر مع المرشد الأعلى، يظل التساؤل هو هل يستطيع روحاني أن يفرض سياساته التي تختلف عن خامنئي في الوقت الذي يبدأ فيه خلافهما من إصرار الأخير على معارضة أصغر قرارات روحاني، والتي هي تدريس اللغة الإنجليزية، وصولًا إلى السياسات الخارجية والبرنامج النووي؟ هذا ما نترقبه خلال الفترة القادمة.
اقرأ/ي أيضًا: