23-يوليو-2017

تمثل أزمة حصار قطر دليلًا واضحًا على خطورة الهجمات الإلكترونية (بيرم ألتوغ/ الأناضول)

ارتكزت أزمة قطع العلاقات مع قطر على هجمة إلكترونية لفقت خلالها تصريحات على لسان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لتعلن على إثرها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات مع قطر، بعد حملة مُدبّرة بليل، إذ كُشف عن أنّ الواقف خلف اختراق وكالة الأنباء القطرية هي الإمارات. وعليه نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية مقالًا يُحذّر من خطورة تصاعد الهجمات الإلكترونية على ساحة العلاقات الدولية، ويدعوا إلى ضرورة مراقبتها وتنظيمها أمميًا، مثلها مثل الحروب العسكري والهجمات المسلحة. ننقل لكم في السطور التالية، المقال مترجمًا.


لا تعد الدسائس والمؤامرات والتجسس والتلاعب بالمعلومات أمرًا دخيلًا على الشؤون الدولية، وبالطبع ليست بعيدة عن أزمة قطع العلاقات مع قطر، والتي ارتكزت أساسًا على نشر معلومات مضللة، لكن ما يُميّز هذه الأزمة عن غيرها من الأزمات الدولية التقليدية هي الوسائل، أي انتشار الهجمات الإلكترونية والخطر المتزايد الذي تمثله ساحة الحرب الجديدة هذه.

الهجوم الذي استهدف وكالة الأنباء القطرية يأتي ضمن سلسلة من الهجمات الإلكترونية التي ترعاها دول، وتضاعفت خلال الأشهر الماضية

وفقًا للتقارير، فإن الشقاق الحالي الذي يعتبر الأسوأ بين قطر ودول الحصار، حدث بعد سلسلة من الهجمات الإلكترونية، يبدو أن الإمارات العربية المتحدة تقف وراءها، حيث استهدف الهجوم وكالة الأنباء القطرية (قنا) المملوكة للدولة. بعد اختراقهم للشبكة في نيسان/أبريل من هذا العام، نشر المخترقون تصريحات ملفقة على لسان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

اقرأ/ي أيضًا: الاستخبارات الأمريكية: الإمارات وراء اختراق وكالة الأنباء القطرية

تسببت هذه التصريحات المفبركة في زعزعة العلاقات بين قطر وجيرانها العرب ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، ففي الخامس من حزيران/يونيو أعلنت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر؛ بسبب زعمهم تورط قطر في تمويل الإرهاب ودعمه!

الهجوم الذي استهدف وكالة الأنباء القطرية هو الأخير في سلسلة من الهجمات الإلكترونية التي ترعاها أو تديرها الدول، والتي تضاعفت بشكل كبير في الـ12 شهرًا الماضية. وتنوعت هذه الهجمات من الهجوم الروسي على محطات الطاقة الأوكرانية، واختراق روسيا والصين للمكاتب الفيدرالية الأمريكية، إلى الهجوم الذي عُرف باسم "فيروس شمعون"، على البنية التحتية للحكومة السعودية. يبدو كذلك أن الراديو القطري ووكالة العالم الإخبارية الإيرانية وجدا نفسيهما في خضم النزاع الحالي، وأعلنا تعرضهما للهجوم هذا الأسبوع.

الهجمات الإلكترونية غير المادية (Non Kinetic Cyber attacks)، هي هجمات عدائية لا تسبب أضرارًا أو إصابات، مثل هجوم منع الخدمات التي يستهدف المواقع وخدمات الإنترنت، وتبدو وسيلة سياسية ملائمة، إذ تكلف كثيرًا من ناحية الموارد ولا تشكل خطرًا على المهاجمين، كما أنّ لديها فرص نجاح عالية.

صعوبة عزو هذه الهجمات لمصدر معين، والغموض الذي يكتنف القوانين الدولية التي تنطبق على العالم الافتراضي، والتكلفة المنخفضة للهجوم، والطبيعة الهشة الكامنة في أنظمة المعلومات؛ جميعها عوامل تكمن خلف تفضيل الدول استخدام الهجمات الإلكترونية بدلًا من الوسائل الهجومية الأخرى.

هذه النزعة ستستمر، وستفرض مزيدًا من التهديدات على الاستقرار الدولي، وهناك ثلاثة عوامل اقتصادية وتكنولوجية وسياسية تؤيد وجهة النظر هذه، فالقفزة الهائلة في قدرات الذكاء الصناعي، واستخدام تقنيات الذكاء الصناعي وتعلم الآلة في الهجوم والدفاع الإلكتروني، تشير إلى أن الهجمات الإلكترونية ستتصاعد من ناحية العدد والتأثير والتعقيد؛ ما يفرض تهديدًا بتزايد الصراعات والخلافات في مناطق مختلفة من العالم.

ويسير التقدم التكنولوجي جنبًا إلى جنب مع سوق الأدوات والمهارات الذي يتوسع باستمرار، ما يجعل أسلحة الهجمات الإلكترونية المعقدة متوفرة على الدوام مثل البرمجيات الخبيثة والثغرات في الأنظمة المستهدفة وما إلى ذلك، كما أنها توفر قدرات سايبرية قوية لأي فاعل (دولة أو ما دون الدولة) قادر على شرائها. ويفرض هذا الأمر تهديدًا على الاستقرار الدولي، مثلما يسرع من عملية تسليح الفضاء الإلكتروني، وقد يطلق سباق تسلح سايبري تتنافس فيه الدول مع بعضها ومع الفاعلين من غير الدول.

وتشير العوامل التكنولوجية والاقتصادية إلى أن الفضاء الإلكتروني يصبح مجالًا جديدًا للعلاقات الدولية، وبالتالي أصبح ساحة جديدة تفرض فيها الدولة سلطتها وإظهار قوتها وإمكانياتها. ويؤدي هذا الأمر إلى توترات وتصدعات تعرض الاستقرار الدولي وأمن مجتمعاتها للخطر.

من المفترض أن تكون أزمة حصار قطر بابًا لترشيد وتنظيم استخدام الهجمات الإلكترونية أمميًا تمامًا كتنظيم الحروب والهجمات المسلحة

هذه الأخطار ليست حتمية، فيمكن السيطرة عليها عبر نظام من القواعد الدولية يحدد ما هو مسموح به، وما هو ممنوع من نشاطات مرتبطة بالدول في الفضاء الإلكتروني، ويسمح باستجابة فعالة للدول على الهجمات الإلكترونية، ويرشد الدولة في ردها على هذه الهجمات عندما يكون الفاعل مجهولًا. إلا أن محاولة الأمم المتحدة لإنشاء نظام كهذا عبر مجموعة من الخبراء الدوليين بالأمم المتحدة كلفوا بتحديد إطار عام لتصرفات الدول في الفضاء الإلكتروني كانت قد فشلت قبل عدة أسابيع.

اقرأ/ي أيضًا: الداخلية القطرية تفضح تورط الإمارات في اختراق وكالة "قنا"

يجب أن تجذب أزمة حصار قطر الانتباه من جديد إلى أن الفاعلين السياسيين والمجتمعات المدنية في حاجة ملحة لاستئناف جهود الأمم المتحدة وتمويلها لتنظيم استخدام الدولة للهجمات الإلكترونية، فدون هذا النظام ستؤدي الهجمات الإلكترونية إلى تأجيج سباق التسلح السايبري، ما يفرض تهديدات خطيرة على استقرار الفضاء الإلكتروني، ويحوّل الاستقرار الدولي إلى رغبة بعيدة المنال. 

هذا درس محوري يجب أن نتعلمه من تجربة الأزمة القطرية، وعلينا أن نعيه الآن قبل أن تتحول المؤامرات إلى صراعات، ونجد أنفسنا مضطرين لتعلم الدرس بالطريقة الصعبة، ومواجهة العنف وبؤر الصراع النشطة، وخسائر الأرواح الناجمة عن ذلك في نهاية المطاف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 حرب التكنولوجيا الباردة

كيف يتواصل الجهاديون على الإنترنت؟