تضاربت التصريحات الواردة من فصائل المعارضة المحاصرة داخل الشطر الشرقي في مدينة حلب، يوم أمس الثلاثاء، بين إعلانها الموافقة على المقترح الروسي بخروجها منها، أو قبول مجموعة الخروج، وإصرار أخرى على الصمود حتى النهاية من جهة، وبين نفي وتأكيد سيطرة النظام على حي "الشعار" من جهة أخرى، فيما لا يزال ينتظر المحاصرون داخل الشطر الشرقي لمدينة حلب، أولى بوادر تصريحات، قائد غرفة عمليات فتح حلب، ياسر عبد الرحيم، الذي أكد فيها أن "مفاجآت من العيار الثقيل" متوقعة خلال الأيام القادمة.
باتت المعارضة السورية بخسارتها لأحياء عديدة، آخرها أحياء "حلب القديمة"، محاصرة داخل مجموعة من الأحياء الصغيرة في المدينة
وأحكمت قوات النظام والميليشيات الأجنبية الممولة إيرانيًا، بدعم روسي جوي وبري، أمس الثلاثاء، سيطرتها على حييّ "الشعار" و"المواصلات"، أحد أهم الأحياء التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، داخل الشطر الشرقي المحاصر في مدينة حلب، لتصبح المساحة المتواجدة داخلها ما يقارب 25%، عما كانت تتواجد فيه سابقًا.
اقرأ/ي أيضًا: حلب..معركة الأرض المحروقة
وباتت المعارضة السورية بخسارتها للأحياء السابقة، ومعها أحياء "حلب القديمة"، محاصرة داخل مجموعة من الأحياء الصغيرة، لا يمكنها التحرك داخلها بالشكل المطلوب، في الوقت الذي تزداد الرقعة الجغرافية التي استعاد النظام وحلفاؤه السيطرة عليها، خلال الأيام الماضية، وسط عدم وجود أي انفراج دولي على صعيد الدول الغربية الفاعلة في الشأن السوري.
وكان مندوبا روسيا والصين، قد أجهضا قبل أيام مشروع القرار الذي صاغته مصر، نيوزيلندا، وإسبانيا، المرتبط بإعلان هدنة إنسانية لمدة سبعة أيام، قابلة للتمديد، قبل أن تستخدم الحليفتان حق النقض "الفيتو"، بحجة أن فصائل المعارضة تريد إعادة تنظيم صفوفها، ألحقها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مهددًا أنه سيتم التعامل مع الفصائل التي ترفض الانسحاب على أنها "إرهابية".
ورغم التصريحات الدولية، التي وصلت حد مهاجمة روسيا على تدخلها العنيف في حلب، ودعواتها جميع الأطراف للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى الأحياء المحاصرة، جدد النظام السوري وموسكو رفضهما لأي هدنة مع المعارضة، مشترطين انسحابها من كامل المدينة، في تجاهل للهدنة السابقة التي فُرضت على المعارضة، عندما كان يتهاوى النظام تحت مرمى نيرانها.
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير لا تزال فصائل المعارضة ترفض الانسحاب من حلب، في الوقت الذي نقلت وكالة "سمارت" المحلية، على لسان مصدر عسكري، أن جبهة "فتح الشام"، وحركة "نور الدين الزنكي"، ترفضان الانسحاب من داخل الشطر الشرقي، مشددًا على "تفاوت في الآراء" حول قرار الانسحاب من عدمه، رغم تأكيد رئيس "المكتب السياسي" لتجمع "فاستقم كما أُمرت"، زكريا ملاحفجي، لأكثر من مرة بأن فصائل المعارضة اتفقت على عدم الخروج، والمقاومة حتى النهاية.
وتنتظر فصائل المعارضة، التي تشهد صفوفها انهيارات متوالية في الشطر الشرقي لحلب، أن تصل إليها صواريخ مضادة للطائرات، تستطيع من خلالها قلب موازين القوى، والصمود لفترة أطول، بعد موافقة مجلس النواب الأمريكي، على قرار يتيح لإدارة الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، تسليمها هذا النوع من السلاح، بحسب "واشنطن بوست".
تبدو فصائل المعارضة في خسارتها لمواقعها في حلب، أنها قد تلقت ضربة قاسية، بعد أن كانت تعتمد عليها كورقة ضغط في المفاوضات السياسية
اقرأ/ي أيضًا: جحيم حلب..على نار المفاوضات الروسية
إلا أنه من المرجح، أن تعلن فصائل المعارضة موافقتها على المقترح الروسي المرتبط بانسحابها من المدينة، قبل وصول مضادات الطيران إليها، لسببين، الأول له علاقة بتصريحات دونالد ترامب، عن إيقاف تزويد المعارضة بالسلاح، والثاني ما نقلته "واشنطن بوست"، عن أن قرار تزويدها بالسلاح سيكون "رمزيًا"، أي من الممكن ألا يستطيع إحداث ذلك المأمول على الأرض، بقدر ما سيكون إنقاذًا لسياسة الولايات المتحدة المضطربة في سوريا، أمام الرأي العام الدولي.
وصار واقعيًا أن النظام السوري، تفصله أيام قليلة، قبل أن يخرج للرأي العالمي، معلنًا استعادته السيطرة على المدينة، التي استنزفته بشريًا وماديًا، لفترة طويلة، ولم يستطع استعادتها، إلا بعد حشده لآلاف المقاتلين، ودعم روسي وإيراني غير محدود.
ويأتي السيناريو الأكثر احتمالًا، للمرحلة التي تلي تدعيم النظام السوري وحلفائه لتواجدهم في الشطر الشرقي المحاصر لمدينة حلب، وانسحاب مقاتلي المعارضة إلى الريف، غالبًا الحلبي، أن يبدأ نظام الأسد عمليات تسوية في المدن والقرى المحيطة، أو القريبة من حلب، يشابه ما يحصل حاليًا في ريف دمشق، بعد نجاح سياسة الحصار، وخرق المعاهدات الدولية بعدم السماح للمساعدات الإنسانية بالدخول إليها.
وتجاهلت روسيا جميع الانتقادات القاسية التي وجهت إليها، لعرقلتها دخول المساعدات الإنسانية إلى الأحياء المحاصرة منذ تموز/يوليو الفائت، ووصلت حدتها لاتهامها بـ"جرائم حرب"، إلا أنها تصر على تقديم الدعم العسكري للنظام السوري، في ظل اتفاقيات يتم الإعلان عنها بفترات زمنية متفاوتة.
وتبدو فصائل المعارضة في خسارتها لمواقعها في الشطر الشرقي المحاصر، أنها تلقت ضربة قاسية، بعد أن كانت تعتمد عليها كورقة ضغط في طاولة المفاوضات السياسية، وسط تقارب روسي-تركي، على رؤية مشتركة للحل السياسي في سوريا، لم تتضح معالمه بعد، إلا أن المعارضة يمكنها الاستفادة من تواجد رئيس الحكومة التركية، بن علي يلدرم، بقبولها الانسحاب من المدينة.
وفي حال أقرت فصائل المعارضة الانسحاب من حلب، فإنه من المرجح أن تتم بشكل يشابه ما حصل في ريف دمشق الغربي، أن يخرج مقاتلو المعارضة مع عوائلهم، وسلاحهم الخفيف إلى ريف حلب، وهو الطريق التي أعلنت روسيا عن تأمينه مرارًا. وسيشكل الانسحاب المتوقع تنفيذه خلال الأيام القليلة القادمة، انقسامًا حادًا داخل مناطق سيطرة المعارضة بين الفصائل، وذلك بالاستناد لمجريات الاقتتال الداخلي فيما بينها في الشطر الشرقي، أثناء محاولتهم صد تقدم قوات النظام وحلفائه.
وإذا لم تقم الفصائل بمبادرة توحد جديدة، فإنها لن تتوقف عن تلقي الضربات الموجعة، من قبل النظام السوري وحلفائه، التي أثبتها عبر خطة الحصار، والتجويع، وسياسة الأرض المحروقة، لتجد نفسها توافق على الانسحاب إلى مناطق شمال سوريا، وهو ما يحتم عليها إعادة تنظيم صفوفها، وتشكيل جسم واحد، يعيد لها مكانتها الدولية، أو الداخلية التي بدأت تفقدها على أقل تقدير.
اقرأ/ي أيضًا: