يعتبر عبد الله علي إبراهيم أستاذ التاريخ الأفريقي بجامعة ميسوري الأمريكية من أهم الكتاب والباحثين السودانيين، فهو ابن اليسار القديم بلا منازع، رغم أن مساهماته الثقافية والفكرية تعدت ذلك الحيز الأيديولوجي، إذ إنه منشغل كذلك بالنقد الأدبي ومباحث الفولكلور، أما التاريخ وعلوم الاجتماع فحاضرة بكثافة ضمن أدواته المعرفية. إنه مثقف عضوي لو جازت استعارة مفهوم غرامشي حول الفاعلية في "كراسات السجن".
يعتبر عبد الله علي إبراهيم من أهم الكتاب والباحثين السودانيين، ذلك أن مساهماته الثقافية والفكرية تعدت ذلك الحيز الأيديولوجي
يتناول هذا الحوار الذي أجراه "ألترا صوت" بعض المحطات المهمة في حياته وراهن السودان وثوراته، وفي البال عمق الفكرة الذي يوسم بها، وحجة مطواعة على لسانه يلقم بها مساجليه متى استدعى مقام المعترك، وفي الخاطر أيضًا ما يتبدى لخصومه من تناقضات الشخصية السودانية فيه؛ صورة ابن اليسار الذي قنع بالعيش جوار وول ستريت، كما أنه يتبنى بدخيلة ناضجة ثقافات المركز في آن، وهي إشكالية مزمنة في سؤال الهوية السودانية، عطفًا على حوارات متصلة حول "الأفروعروبية" و"تحالف الهاربين"، و"الإرهاق الخلاق"، فماذا يقول؟
- ابتداءً، ألا يبدو أن ثمة مفارقة أن يلقي ماركسي عنيد مثلك عصا ترحاله في قلب الرأسمالية العالمية ويمشي مطرقًا لعقود متصلة في شارع وول ستريت؟
ألم يتأخر هذا السؤال نحو 40 عامًا؟ أخرج لي عيبي خلال هذه المدة حتى يصح السؤال.
- أنا فقط أتحدث عن المفارقة والتصالح مع غربتي المكان والثقافة؟
دعني أستعر عبارة سودانية بتصرف للإسقاط فقط، "لولا المربى تربة قُعادنا مع الأمريكان ولا هو غُربة"، أي أنني مكره على هذه الغربة.
اقرأ/ي أيضًا: برهان غليون: الرهان دائمًا على الشعب
- كيف تنظر للتحولات السياسية والثقافية في المجتمع الغربي وهل انتصر أيديولوجيًا بمنطق النهايات التاريخية الفوكويامية؟
القول بانتصار الرأسمالية في نهاية التاريخ وهم.
- كيف انتهيت لهذه الخلاصة؟
أنظر إلى عودة الروح الاشتراكية إلى مسرح السياسة الأمريكية على يد بيرني ساندرز ومنافسته القوية هيلري كلينتون ليكون مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات 2016. ويدور ليومنا الحديث عن جناح اشتراكي أو يساري في الحزب الديمقراطي يؤمن بالعلاج كحق والتعليم الجامعي كحق، وأستغرب أن أسماء بيرني وألكساندريا كورتيز وإليزابيث وارن مما لا تجد لها ذكرًا في أدب يسارنا، بينما الأخيرة ترشحت لتنافس في انتخابات الرئاسة عن الحزب الديمقراطي لسنة 2020 ببرنامج للعدل الاجتماعي شابت من هوله رؤوس رأسمالية عجفاء.
- لم أقرأ لك نقدًا واضحًا وصريحًا حول شخصية وتجربة دونالد ترامب المثيرة للجدل؟
أنا غير معني كثيرًا بدقائق السياسة الأمريكية إلا فيما اتصل بقضايانا العربية والأفريقية والإسلامية.
- بشكل آخر، ما هو أخطر ما استوقفك في شخصية ترامب؟
أخطر ما في دونالد ترمب أنه استصحب الطبقة العاملة البيضاء الأمريكية في مشروع قومي فاجر، والعرق دساس في الطبقة العاملة. فقد لعبت الطبقة العاملة البيضاء في جنوب أفريقيا دور الشرير في تراجيديا الأبارتهايد، وأسمع أن الديمقراطيين يحاولون استدراك هذا بتجسير الفجوة مع هذا القطاع الأبيض، إذ كانوا هجروه بالتركيز على مسألة الهوية (قضايا النوع والأقليات) أو ما يعرف بالسياسة الثقافية، وأداروا ظهرهم لقضايا الطبقة، وها هي ذات القضايا تطاردهم كشبح الآن.
عبدالله علي إبراهيم: أرى أستاذنا عبد الخالق محجوب في كل زاوية من هذه الثورة، هو أستاذ علم الاحتجاج، وهو أستاذ علم الأمل في التغيير
- حسنًا. ماهي النهاية المحتملة الملائمة لعولمة الكوكب وسط فجوة طبقية وتآمر مريع على التجربة الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
أضع مثل حراكنا السوداني الآن كأفق للديمقراطية ليتفكر فيه من قنع ظاهرًا وباطنًا في مستقبل ديمقراطي في مثل بلادنا. فتجد أوروبا الغربية تتعاقد مع حكومتنا بل مع "قوات الدعم السريع" لتجفيف مد الهجرة إليها من شرق أفريقيا. وهذه معالجة سطحية لأن هجرة ضحايا النظم الرأسمالية المتوحشة في مثل بلادنا إلى الغرب لن تتوقف.
- لماذا برايك لن تتوقف، أو كيف يمكن أن تتوقف؟
هذه نظم تفرز مثل أولئك الضحايا على مدار الساعة، ولا حل مستدام لأوروبا سوى دعم مثل حراكنا وغيره لكيلا يحتاج شبابنا المعزز في وطنه للهجرة عنها. نريد أوروبا قبلة سياحة لهم لا سوقًا لبيع قوة عملهم، وأعتقد أن اهتمام أمريكا بما يجري في فنزويلا ربما رجع إلى أن فنزويلا صارت طاردة لشبابها، أي أن هؤلاء الشباب سيتجهون إلى أمريكا طلبًا للجوء السياسي أو الاقتصادي بما يفاقم من قوافل المهاجرين إلى أمريكا من بلاد لاتينية أمريكية أخرى، ناهيك عن تبجحها بالاشتراكية التي تستفز مثل ترامب، بينما لا اشتراكية فنزويلية في الحقيقة.
- تبدو قضية الهجرة معضلة كبيرة ومستمرة ألا تعتقد ذلك؟
من الصدف الطيبة أن يصدر إعلان أوروبي قبل أيام في ميونيخ لتعزيز الديمقراطية الممحونة لا في مثل بلادنا فحسب بل في بلاد ديمقراطية عتيقة، ويمكن لناشطينا توظيف هذه الوثيقة لكشف تناقض أوروبا، فهي تدعم نظام السودان لأجل تجفيف قوافل الهجرة إليها كما ذكرنا، بينما تصدر المواثيق المهللة للديمقراطية، فأوروبا (تضرب وتداوي) .
- في معرض حديثك عن "البرجوازية الصغيرة"، حشدت لها كل الأوصاف السيئة، مثل الذبذبة والتهريج والعجلة والمغامرة التي يعقبها التهافت واليأس والزهادة في القضية، لماذا هذه القسوة والتبخيس؟
ليس هذا التبخيس لها من عندي.
- من أين استقيته إذًا؟
استقيته من تجربة الثوريين معها، ثم انظر خسة البرجوازية الصغيرة اليسارية في الحكم في ظل جعفر النميري وخسة قسمها اليميني في الدولة والمجتمع خلال عهد البشير، هذه قسوة مستحقة. أهانوا السودانيين وأفسدوا كل معنى رفيع، انظر أيضًا محنة الإسلام مثلًا في عهد الأخيرين.
- غالب بحوثك تقريبًا ارتكز حول مفهوم التاريخ الثقافي والاجتماعي والدراسات الحقلية الطويلة، فما الذي أغراك بالبقاء طويلًا في هذا المحفل؟ وهل كان خصمًا للتجرية السياسية لعبد الله كأن يصبح زعيم حزب أو وزيرًا أو رئيسًا على سبيل المثال؟
قلت حين ترشحت لرئاسة الجمهورية في 2010 إنني أريد تثقيف السياسة. فشغلي الثقافي ليس خصمًا لنزوعي السياسي. خلافًا لذلك هو السياسة بطريق آخر، وأعتقد أنه طريق ذكي ومطلوب.
- ما الذي أردت أن تقوله بالضبط في أطروحتك العجيبة "الإرهاق الخلاق"؟
لماذا هي عجيبة؟
- دعني أسألك نفس السؤال. ما الذي أردت قوله في تلك الأطروحة؟
أردت القول إن بلادنا تعاني من أزمة وطنية عامة استنفدت فيها معينها من الأيدولوجيات حتى قال أليكس دي وال، الأكاديمي والناشط الحقوقي الإنجليزي، إن جثث تلك الأيدلوجيات تتراكم فوق بعضها تراكمًا يحجب عن التطلع للمستقبل، وهذا جانب الإرهاق. ودعيت إلى مصالحة وطنية تاريخية تستصحب هذه الإرهاق وتجعله خلاقًا.
- بمناسبة الرئاسة؛ أنت ترشحت من قبل لمنصب رئيس الجمهورية في انتخابات العام 2010، فكيف كانت التجربة باختصار، وهل قنعت بلقب مرشح رئاسي، أي بمعنى أن اللقب هو كل ما كنت تبحث عنه؟
هذا سؤال لئيم. لم ينفعني لقب مرشح في شيء، ولم أوظفه لفائدة حتى أنني غالبًا لا أقول عن نفسي إنني مرشح رئاسي لأنني لم أستكمل عدة المرشح حتى، أقول بدلًا عن ذلك "الآمل" في الرئاسة، وكانت التجربة بشعة من جهة الحكومة وهذا مفهوم، أما المعارضة "الفيهم اتعرفت".
- كثير من القراءات تنحى إلى توسع الربيع الأفريقي لإزاحة دكتاتورية ما بعد ثورات التحرر، فبأي عدسة تقرأ المشهد الأفريقي وتحديدًا التجربة الأثيوبية؟
لا يحتكر العرب الربيع للديمقراطية، وقد تزامنت مع حراكنا وثبة موفقة في جمهورية الكونغو. ناهيك عن موجة ثالثة للديمقراطية في التسعينات. ومع كثرة المزاعم أننا أفريقيون لا عرب يظل جهلنا بأفريقيا هو سبب مقارنة ثوراتنا بالربيع العربي.
- بالنسبة لأثيوبيا التي أكثرنا من الاحتفاء بنموذجها مؤخرًا ماذا تقول؟
لنا نقطة ضعف تجاه أثيوبيا، هي دائمًا الأحسن مقارنة بنا، وهي ليست كذلك. الخلافات العرقية فيها كامنة ودساسة، فكلما ظننا أن أثيوبيا قد اهتدت إلى وفاق قومي انفجرت أمام ناظرينا. وعلى خلاف منهم فمسألة العرق وسياساته عندنا على المكشوف وأحسنا فهمها، وخسرنا فيها، بلا دسدسة، وتنضج على نار هادئة وساخنة معًا، نحن مؤكد الأفضل.
- ما هي احتمالية قيام ثورة سودانية على غِرار ما حدث في تشرين الأول/أكتوبر 1964 ونيسان/أبريل 1985؟
هي قائمة ليومنا، الله يغطي على السودان وشعبه النبيل، وثورة كانون الأول/ديسمبر هي الشوق الثالث (والأخير إن شاء الله) لوطن مختلف سماه شاعرنا التجاني يوسف بشير في العشرينات من القرن الماضي "الوجود المغاير".
- ثمة اتهام للحزب الشيوعي السوداني بأنه يقود حركة الاحتجاجات في الشارع السوداني من وراء حجاب تجمع المهنيين، قبل ذلك دعني أسألك هل هي ثورة أم احتجاجات؟
أبدأ بالقول إنها ثورة، والفاصل بينهما متوهم. الحزب الشيوعي السوداني تطير عيشتو. هو شيطان الثورة المضادة يتعوذون منه عمل ما عمل، إنه سبب المستبدين للجبن عن مواجهة حقائق نذالتهم السياسية.
عبد الله علي إبراهيم: أخطر ما في دونالد ترامب استصحاب الطبقة العاملة البيضاء الأمريكية في مشروع قومي فاجر
- ما هي المكاسب حتى الآن السياسية والثقافية من انتفاضة كانون الأول/ديسمبر الجارية؟
الأمل، وعودة الروح. لقد رزئنا في الأمل للتغيير في ظل نظام عمل بالفعل ليسلمها عيسى "كما يرددون"، مدججًا بجنود من كل شاكلة وصنف، وكذلك في ظل معارضة رسمية للنظام أخلت ساحة النضال المدني إلا قولًا.
- ألا ترى أن مظهر وحضور الجيش السوداني في المعادلة السياسية لافت للنظر، بجانب إعلان حالة الطوارئ؟
بالطوارئ أدخل البشير يده في جحر عقرب، فهو يريد من الجيش أن "يصعد كل قرد إلى جبلو" كما قال في عطبرة. جاءنا عاريًا من لباسه المدني وحيله لامتصاص غضب الشارع بآليات ذلك اللباس، وهو اللباس الذي قال إنه جعله سياسيًا يناقش ويساوم مما أفسد عسكريته الأولى. وهذا رده على شعب خرج له متحزمًا فلقاه بالطوارئ التي هي مغامرة غير محسوبة، ولا أرى لنا مخرجًا سوى أن نواصل حزمنا فكفانا المهازل.
- عندما سُئل الراحل عبد الخالق محجوب عما قدمه للسودان أجاب بذكاء "الوعي بقدر ما استطعت"، فما الذي تبقى من عبد الخالق من أثر بعد أربعة عقود مضت تقريبًا على غيابه؟
أرى أستاذنا عبد الخالق محجوب في كل زاوية من هذه الثورة وشوق، هو أستاذ علم الاحتجاج، وهو أستاذ علم الأمل في التغيير.
- كتاباتك عن عراب الحركة الإسلامية السودانية في السودان حسن الترابي بعد رحيله أظهرت كما لو أنك مفتون بشخصيته كاره لتجربته الإنقاذية، فكيف يستقيم ذلك؟
أبادر بالقول إنني كتبت عنه قبل رحيله بسنوات، بل جلست إليه الساعات الطوال أستمع لما يقول عن نفسه، فترى كيف أجهض رجل مثله مشروعه بنفسه جزافًا. لم يحتمل أذى الخصم السياسي، ولم يعرض عن السفهاء صابرًا مصابرًا محتسبًا كأي داعية مسلم، وارتكب انقلابًا نقض به غزله.
- كيف حدث ذلك؟ أرجو الاستفاضة أكثر
مثلًا: شقي الرجل ليتفق له فقه إسلامي لاهوتي لتحرير المرأة، ولم تشق المرأة في ظل دولة انقلابه مثل ما شقيت من قبل. أراد أن يحرر المرأة على فريضة الإسلام لكيلا يختطفها الشيوعيون كما رآهم يفعلون. ويكفيك أن ترى أي مظاهرة على أيامنا لترى ثورة المرأة على الإسلاميين في الحكم. كان مشروعه وطنيًا حداثيًا مما ربما انتفعت به الأمة كمورد فكري لو صبر واحتسب.
- كيف تتخيل نهاية الصراع الحاد بين الحركات الإسلامية واليسار عمومًا وفي السودان على وجه الخصوص؟
إلى حل. لن تظل بلادنا أسيرة سياسات الجامعات وخصومات شبابها، هناك معارف عن أصل هذا الخلاف في ثنائية التعليم الاستعمارية و"مشروعه الحداثي"، جاء الوقت للوقوف عندها والانتفاع منها لتجسير الهوة القائمة في مجتمع ديمقراطي مفتوح النبل.
- إلى أي مدى يمكن أن تجسر هذه الدعوة الفجوات بين اليمين واليسار وفقًا لتصورك هذا؟
كانت الدعوة لتجسير هذه الفجوة بينهما هي مشروعي في الممارسة والكتابة، وكنت قريبًا من الإسلاميين وشبابهم لعقود ثلاثة ووقفت على انكسار خاطرهم من مجازفتهم بالإسلام. وأصدرت كتابًا بالإنجليزية سميت فيه مثل صراع الإسلاميين واليساريين "هذيان مانوي"، والعبارة من فرانز فانون.
- ألا تعتقد أن الطبقة الوسطى أيًا كانت أو من يمثلها زاهدة في إسقاط الحكومة المركزية رغم تضرر مصالحها مؤخرًا، وما هي أبرز مخاوف هذه الطبقة من التغيير ؟
أرى اجتهادات ما في توصيف هذه الطبقة لم أتوافر عليها بعد، ولا نملك خارطة طبقية للسودان في ظل هذا النظام مما كان متوقعًا من مثل الحزب الشيوعي مثلًا، وقد سمعت من بعض أعضائه من قال إن هذا النظام قضى على الطبقة العاملة قضاء مبرمًا، ولا أعرف إن كان مثل هذا القول يصح. ووجدتهم يحاسبون الطبقة التي أثرت في ظل النظام أخلاقيًا بقولهم "رأسمالية طفيلية". سمعت من قال بأن الحكومة قضت على طبقة الأفندية، فإذا كنا بصدد التحليل الطبقي فلنحسنه ولا نتخطفه.
- بدا كما لو أن ثمة صراع أجيال وقطيعة نفسية مع القوى السياسية التقليدية تجلى أكثر مع هذه الهبة، فكيف تقيم حراك الشباب السوداني في الشارع حاليًا مع رفضهم للصادق المهدي والميرغني؟
للأسف هذه القطيعة لا معنى لها. ونشأ للشباب منظرون متطوعون بلا دعوة ولا معرفة ربما يكيدون للأحزاب كيدًا. وكان المرحوم نقد قال مثل هذا الكلام لمنصور خالد حين انبرى يُنَظر لانقلاب أيار/مايو بوضع الجيش كالقلب الثوري لقوى الحداثة.
عبدالله علي إبراهيم: للبشير خبرة في نقل السلطة للشباب الخطأ، للشباب المدجج في قوى الدعم السريع والأمن وما يسمى بكتائب الظل
- في السياق عينه، جاءت دعوة مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني صلاح قوش بضرورة فتح شارع النيل ومحلات الشيشة، وتعهد البشير بنقل السُلطة للشباب، ماذا يعني ذلك؟
فكرة قوش عن ثورة الشباب. إنه فهم بعضها وهو التضييق على عنصر الترفيه فيها باسم عقدية دينية، لأن الشباب سن للمتع. أما عن نقل البشير السلطة للشباب فقد صارت هذه لازمة عنده، قال ذلك قبل سنتين أو نحوه بعد تغييرات ساذجة في المؤتمر الوطني. وهو في الحق ينقل السلطة للشباب المدجج في قوى الدعم السريع والأمن وما يسمى بكتائب الظل وغيرها، له خبرة في نقل السلطة للشباب الخطأ.
- من هو المسؤول في السودان عن طرح فكرة المواطنة، وهل نحن مواطنون أم أننا أمة وسط هذه التقاطعات الإثنية والجهوية؟
المسؤول هو الدستور، دستور 2005 الموجود جاء بالفكرة ناصعة، نحن أمة وتحديها أن تتحول من مستعمرة يقطنها رعايا إلى أمة يسكنها مواطنون فيما أسميته "إعادة التفاوض في الوطن". ولا أعرف في أفريقيا والعالم العربي من قطع أشواطًا مميزة في هذا السبيل، وقد تبقت الختمة التي ظلت تؤجلها قوى مثل الحاكمة الآن بعزتها العرقية والعسكرية.
- ألا يؤرقك سؤال الهوية، نحن عرب أم أفارقة، مع تمظهرات الشعبوية العالمية والأفريقانية أيضًا؟
لا يؤرقني، الأمة تحتملنا عربًا وأفارقة متى انشغلنا في معاشنا انشغالًا جديًا، وليس في (القطر- الوطن مفتش هويات). العبارة الأخيرة من أدب السكة حديد.
عبد الله علي إبراهيم: نحن أمة وتحديها أن تتحول من مستعمرة يقطنها رعايا إلى أمة يسكنها مواطنون فيما أسميته إعادة التفاوض في الوطن
- إذا كانت الشيوعية كفكر عالمي لا تنفع معنا، والبعث بفكره الإقليمي لا ينفع معنا، والإسلام السياسي كتجربة سياسية لا تبدأ بمنهجية تراعي ظروف التعدد والتناقض في واقعنا، فما هو المشروع السياسي الأمثل لبلد مثل السودان؟
الديمقراطية لكي نقيم نقاشًا مفتوحًا معززًا بالحرية حول العقائد ما سلف وما يستجد.
اقرأ/ي أيضًا: عصام محمد عابد الجابري: هكذا عاش أبي!
- كيف تنظر للمستقبل، وقبل ذلك دعني أسألك هل أنت متفائل أم متشائم، أرجوك لا تقل لي إنك متشائل؟
لم يبرحني التفاؤل بالوطن ومستقبل كادحيه، نذرت نفسي لهذه القضية عمرًا. ولكن أراوح بين ما ينتابني من يأس وأمل بكلمة غرامشي "تشاؤم الفكر وتفاؤل العزيمة"، فمتى ادلهم الفكر في كهوف الهزيمة ملتُ على العزيمة.