حلمتُ بأشياءَ كثيرةٍ تجمعنا
أكثرَ من تناوبنا على قراءةِ كتاب "كلّنا شعراء سود"
على سرير الحُب
أكثرَ من مساعدتكَ لي في تجهيز طاولة الطعام
وطيِّ الثياب في الخزانة
أكثرَ من وجود فرشاتَيْ أسناننا متجاورتين بخزانةٍ واحدة في الحمّام
حيث فهمتُ لحظتها أننا سنبقى معًا للأبد.
حلمتُ مرّةً
أنَّني أُمّك
امرأة ريفية بسيطة
من قريةٍ نائية على خرائط العالم تدعى "العنّازة"
تستيقظُ قبل بزوغ الفجر
لتعملَ رفقةَ شجرات الزيتون على تجبيرِ كسور الأرض وقلبها معًا
هناك في تلك القرية يمكن للنساء المحطمات
أن يتّخذن من شجر الزيتون عائلة
أو أملًا لهُ هيئة
بيتٍ بمدفأة حطب قديمة.
ولحظة تصيرُ الأشياءُ بلا جدوى
كلعبة قمارٍ لا تنتهي
تُدندنُ بأسىً خافتٍ
عن زوج ماتَ مبكرًا
فيما أنت تخبّط بقدميك جدران رحمها متعجّلًا القدوم.
هناك في القرية الساحليّة البعيدة
تتحوّلُ شجرةُ الزيتون لأخت،
أو أملٍ بلا قدمين
تحضنُ ضعَفها وتلمسُ بأغصانها بطنَها المنتفخَ بكَ
فتتشرّبُ بشرتُك رائحةَ الزيتون
هذه الرائحةُ الّتي سوف أشمُّها كلّما ضممتني
ويصبح لكَ قلبُ بستان زيتون
البستان الذي اتّخذتهُ بيتًا لي
بعد أربعين عاماً من ولادتكَ.
أجل حلمتُ مرّاتٍ عدّة أن أكون أمّكَ
أعدُّ لكَ طعامَ الفطور
أقلمُّ أظافركَ الطويلة
أدفئ قدميك الباردتين بحرارة جسدي في ليالي الشتاء الباردة
أوقظكَ من نومكَ الصباحي بالشتائم
وتنقيط قطرات الماء على وجهك
أشتمكَ وألعنكَ
حين تكسرُ الحياة ظهريَ
ويمرّغني الفقرُ أبعدَ من الوحلِ والطين
أبعد من الفقدان
ألعنُ الحياةَ والأبناءَ والأزواج الذين يموتون باكرًا
وأضمّكَ لصدري في آخرِ النهار الطويل
أسردُ لك فيهِ عن غدٍ يكون لك فيه
امرأة
تعدُّ لتعبكَ كأسَ الشاي وهي تبتسمُ بحنانٍ
للخزانة التي تضعانِ فيها أشياءَكما معًا
عدّةَ الحلاقة
فرشاةَ الأسنان
مصفّفَ الشعر
و... حطامَكما القديم.
اقرأ/ي أيضًا: