توحي أجواء كتلة تيار "المستقبل" اللبنانية بالكثير من التصدع. الخلاف تشظى، بعد ترشيح رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، ميشال عون إلى سدّة الرئاسة من بيت الوسط، متماشيًا مع قرار دعم "حزب الله" له. وبهذا التشظي السياسي، الذي مني به التيار (وهذه ليست المرة الأولى)، يكون الحريري، قد سدد بحق نفسه ضربة قاسية، ومن بيته الداخلي.
ترشيح الحريري لعون يتماشى مع قرار "حزب الله" ويعترض عليه بعض نواب كتلة المستقبل
في الشكل، لا تزال ردود الأفعال "ضبابية". يخرج صوت من هنا، واعتراض من هناك، عبر وسائل الإعلام، أو من خلال الـ"سوشيال ميديا"، لكن في المضمون، تدل المواقف على شرخ، ربما قد يؤدي إلى تأسيس جبهتين داخليتين في "الصف الأزرق".
وتكثر التساؤلات حول إمكانية خروج بعض النواب من كتلة المستقبل، ومن قيادة التيار. وقد سبق وأن غادرها، النائب خالد الضاهر، الذي وللصدفة السياسية، يتوافق اليوم مع الحريري في ترشيحه ويؤيد مواقفه. وخيار الخروج من الكتلة، سيثمر ضعفًا في مكانة التيار السياسية، لا سيما أنه يخوض منذ الحرب السورية تحديات داخلية، وأيضًا تراجعًا في الدعم السعودي، الذي ينتظر المعترضون ما سيقوله الوفد السعودي بعد لقاء الحريري في بيروت.
أقرأ/ي أيضًا: هل انتحر الحريري سياسيًا؟
ويأتي اعتراض، رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، على رأس القائمة. وهو اعتراض، لن يكون في حكم تسجيل موقف، على قدر ما هو "تثبيت" لتساؤلات تختلج في صدره، وحان الوقت ليقولها دفعة واحدة. فليس في عادة السنيورة، الذي رافق مسيرة مؤسس التيار، الراحل رفيق الحريري، أن يعترض بشكل كامل على قرارت العائلة السياسية، أو أن يقول علانية ما يدور في رأسه.
اعتراض فؤاد السنيورة يثبت حالة الشرخ الحادة داخل البيت الداخلي للمستقبل
في أرشيفه مواقف داعمة لكل القرارات الحريرية، وتماشيًا معها حتى في أحلك الظروف. بالطبع لا يمكن تناسي قبوله التمديد للرئيس السابق اميل لحود، بعد ضغط النظام السوري على الحريري، لإعادة انتخابه. وما رافق تلك المرحلة من امتعاض، رضخ له كل نواب الكتلة يومها، كي "لا يحرجوا" الحريري الأب.
تفاقم الأزمة، يشير إلى توجهين يثيران كلامًا سياسيًا في الأوساط اللبنانية، وتبدو الأنظار متجهة إلى موعد لقاء الحريري بنواب كتلته القريب، وما سيرشح عنها من مواقف معلنة. لكن الأكيد، أن الخلاف بات أكثر من كونه، اعتراض. فالحديث عن تشكيل السنيورة "جبهة" داخلية، تمكنه من تأسيس أرضية يمكنها الضغط للتراجع عن ترشيح عون، بات ملموسًا. حيث تشير المصادر إلى تكثيفه "سلسلة اتصالات" لتشكيل جبهة معارضة، قد تكون قادرة على "حثّ الحريري" في الرجوع عن قرار دعمه لعون.
لكن حالة التموضع الجديدة، باتت تغري عددًا من نواب الكتلة، لا سيما أولئك الذين يرون أنهم لن يكونوا في "ليستة" الترشيحات القادمة في الانتخابات النيابية، أو أنهم سيكونون بصفة "المستبعدين" من دائرة الحريري. ويؤدي تموضعهم المستجد إلى كسب شعبية، لن تربحهم إياها حالة التضامن المفترضة مع قيادة التيار.
تضاف هذه الأزمة السياسية إلى سلسلة أزمات مالية يمر بها التيار الأزرق مع تراجع شعبيته
ومن الأسماء المعترضة اليوم، إلى جانب السنيورة، النواب: فريد مكاري، محمد قباني، عمار حوري، أحمد فتفت، سمير الجسر، وتلميح نواب آخرين بذلك أمثال: نضال طعمة، أمين وهبي، غازي يوسف، رياض رحال، ونبيل دو فريج، ولجوء نواب آخرين إلى الصمت. وقد بدأ مقربون من الحريري بإجراء اتصالات مع نوابه، من أجل الحدّ من التسرب الحاصل.
ويرى من يقفون اليوم إلى جانب قرار الحريري، أن "المعترضين ما كانوا ليحظوا بما هم عليه اليوم من حضور سياسي لولا دعم الحريري وماله"، مشيرين في الوقت عينه إلى أن القناعات التي يدافعون عنها، لا يمكن أن تبرر لهم وقوفهم بوجه من فتح لهم الباب إلى الناس ورشحهم وأوصلهم إلى البرلمان".
وفي الصف الآخر، ترى أوساط المعترضين أن من حقهم تصويب المرحلة. خصوصًا أن التيار مر بظروف سياسية صعبة، وهو اليوم، لديه خسارة شعبية هائلة، لا سيما بعد المشكلات المالية التي يعاني منها الحريري وبعد توقف المساعدات وتأخر دفع رواتب الموظفين في مؤسساته. ويوضح هؤلاء أن "الحريري هو من وضع نفسه في هذا المأزق".
اقرأ/ي أيضًا: