هدأت لغة الرصاص بين أفغانستان وإيران على خلفية الاشتباكات النارية التي اندلعت السبت الماضي، وقتل فيها ثلاثة جنود على الأقل في الجانبين وعدد من الجرحى، لكن لغة التهديدات والتحذيرات لم تتوقف، فقد أصرّ الطرفان على روايتهما للأحداث وبعث كل منهما برسائل تهديد صريحة وضمنية مقتضاها أن لا تراجع عن المواقف وأن اندلاع نزاع مسلح يبقى أمرًا محتملًا، وفقًا لما ألمحت إليه تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي حذّر حركة طالبان، قائلًا: "لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا، خذوا كلامي على محمل الجدّ حتى لا تعاتبوا لاحقًا".
استطاعت كابل وطهران احتواء الأزمة قبل تفاقمها، عبر التوصل إلى هدنة
يذكر في هذا السياق أن إيران لا تعترف بسلطات طالبان في كامل، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان منذ أيام، كما يشار إلى أن النزاع المستجد يتعلق بالخلاف حول حصص البلدين المائية من نهر هلمند أو هيرمَند كما يطلق عليه الإيرانيون بالفارسية.
تسوية مؤقتة
استطاعت كابل وطهران احتواء الأزمة قبل تفاقمها، عبر التوصل إلى هدنة، حيث التقى ممثلون عن البلدين من قوات حرس الحدود "لدراسة ومناقشة أسباب الاشتباك"، وعلى إثر ذلك اللقاء أعلن الطرفان عن توصلهما إلى هدنة توقف بموجبها إطلاق النار.
وكان الناطق باسم وزارة الداخلية في حكومة أفغانستان عبد النافع تكور ،دوّن على تويتر حول الاشتباك الذي وقع في ولاية نمروز في جنوب غرب البلاد، قائلًا: "في الاشتباك، قتل شخص من كل جانب وأصيب أكثر"، دون تحديد أعداد الجرحى.
وبحسب مصادر إيرانية رسمية فإن الاشتباكات وقعت على طول الحدود الجنوبية الشرقية مع أفغانستان في أعقاب الخلاف على الموارد المائية. ويشار في هذا الصدد إلى أنّ الحدود بين إيران وأفغانستان تمتد بمسافة 945 كيلومترًا، حيث تبدأ الحدود من "مضيق ذو الفقار" حيث المثلث الحدودي بين إيران وأفغانستان وتركمانستان في الشمال وتستمر الحدود حيث المثلث الحدودي بين إيران وأفغانستان وباكستان في الجنوب.
اتهامات متبادلة
تقاذف الجانبان الإيراني والأفغاني الاتهامات بالمسؤولية عن التصعيد الأخير، حيث اتهمت وزارة الدفاع الأفغانية، الجنود الإيرانيين بأنهم هم من بادروا في إطلاق النار، وبحسب بيان الدفاع الأفغانية فإن "الإجراءات السلبية والبحث عن أعذار لإشعال الحرب ليست في مصلحة أي من الطرفين". ودفعت وزارة الدفاع الأفغانية بتعزيزات أمنية جديدة نحو الحدود مع إيران.
في المقابل، ألقت إيران باللائمة على القوات الأفغانية، التي بادرت، حسب الرواية الإيرانية، بإطلاق النار على مركز للشرطة الإيرانية مستخدمة "أسلحة خفيفة ومدفعية"، الأمر الذي استدعى من القوات الإيرانية الرد "بشكلٍ حاسم"، وفق نائب قائد قوى الأمن الداخلي قاسم رضائي.
وطالب رضائي، من وصفها "الهيئة الحاكمة الحالية في أفغانستان، بتحمل مسؤولية تحركاتها غير المدروسة التي تتعارض مع القانون الدولي".
وتتمسك الرواية الإيرانية بأنّ قواتها طبقت البروتوكولات الحدودية، إذ تم إطلاق "التحذير من الدرجة الأولى للقوات المهاجمة"، لكن تحذيرها لم يلق استجابة.
يشار إلى أن إيران لا تعترف بحكومة طالبان في أفغانستان. ومنذ وصول الأخيرة إلى الحكم تفاقمت الخلافات بينها وإيران، وكانت معظم التوترات مرتبطة بالنزاع على المياه، حيث تدّعي إيران أنّ سدًّا أفغانيًا على نهر هلمند في أفغانستان، يقيد تدفق المياه إلى بحيرة هامون التي تمتد عبر الحدود بين البلدين.
وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حذّر حركة طالبان الأسبوع الماضي، بشكل واضح عندما قال "لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا، خذوا كلامي على محمل الجدّ حتى لا تعاتبوا لاحقًا".
ويُعدّ ملف المياه في تلك المنطقة حيويا بالنسبة لإيران التي تشهد مناطق جنوب شرقها مستويات جفاف غير مسبوقة. ولذلك ظلّت طهران تشدد على ضرورة عدم اتخاذ "خطوات أحادية" من شأنها أن تخفض منسوب نهر هيرمند.
تقاذف الجانبان الإيراني والأفغاني الاتهامات بالمسؤولية عن التصعيد الأخير
في المقابل، تنفي حكومة طالبان التلاعب بمنسوب المياه والإضرار بالمصالح المائية الإيرانية، وفي هذا الصدد قال الناطق باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد، إن كابل "متمسكة بالإيفاء بالتزاماتها" مشيرًا إلى أن "منسوب المياه تراجع نتيجة الجفاف الشديد". يشار إلى أن سلطات أفغانستان لا تسمح للخبراء الإيرانيين بزيارة مجرى النهر، لمعاينة الواقع عن قرب.