الشذرات المترجمة الآتية كتبها الكاتب الروسي فارلام شالاموف خلال وجوده في معسكرات العمل.
لخمسة عشر عامًا كان الكاتب فارلام شالاموف محتجزًا في معسكرات العمل "الغولاغ" لمشاركته في "النشاطات التروتسكية المضادة للثورة". قاسى ستًا من تلك السنوات مستعبدًا في مناجم الذهب في كوليما، واحد من أبرد الأماكن وأشدها عدوانية على الأرض. وفيما كان ينتظر صدور الحكم، نشرت إحدى قصصه القصيرة في مجلة تدعى "الأدب المعاصر". أطلق سراحه في عام 1951، ومن عام 1954 إلى 1973 عمل على إنجاز "حكايات كوليما"، تحفة كتابات المنشقين عن الاتحاد السوفييتي التي ترجمت حديثًا إلى اللغة الإنجليزية وطبعت في نيويورك. يزعم شالاموف بأنه لم يتعلم شيئًا في كوليما، عدا كيفية دفع عربة محملة. لكن إحدى كتاباته المتشظية، مؤرخة في عام 1961، تخبرنا بالكثير.
- الهشاشة البالغة للثقافة الإنسانية والحضارة. يستحيل الإنسان وحشًا بعد ثلاثة أسابيع من العمل الشاق، والبرد، والجوع، والضرب.
- الوسيلة الرئيسية لإفساد الروح هي البرد. من المحتمل أن الناس في معسكرات آسيا الوسطى تحملوا أكثر، لأنها أدفأ هناك.
- أدركت أن الصداقة، الرفقة، لا تنشأ أبدًا في ظروف بالغة الصعوبة، مهددة للحياة. الصداقة تنشأ في ظروف صعبة لكن محتملة (في المستشفى، لكن ليس في وجه المنجم).
- أدركت أن الشعور الذي يحفظ الإنسان مدة أطول هو الحقد. إذا كان ثمة ما يكفي من لحم في جسم رجل جائع ليحقد، فكل شيء آخر لا أهمية له.
- أدركت أن "نصر" ستالين كان مرده قتله الأبرياء ـ منظمة بعشر الحجم كان بإمكانها اكتساح ستالين في غضون يومين.
- أدركت أن البشر كانوا بشرًا لأنهم كانوا أقوى جسديًا ويتشبثون بالحياة أكثر من أي حيوان آخر: لا حصان قادر على البقاء حيًّا إذا عمل في أقصى الشمال.
- رأيت أن المجموعة البشرية الوحيدة القادرة على الحفاظ على أدنى حد من الإنسانية في ظروف الجوع والإساءات، كانوا المؤمنين بالأديان، الطائفيين (أغلبهم تقريبًا)، وأغلب القساوسة.
- شغيلة الحزب والجيش كانوا أول من ينهار، ويحدث ذلك بسهولة.
- رأيت كيف أن أقوى حجة تفحم المثقف كانت مجرد صفعة بسيطة على الوجه.
- الناس العاديون يميزون رؤساءهم حسب شدة ضربهم، ومدى ابتهاج الرؤساء بذلك الضرب.
- الضرب يكاد يكون فعالًا تمامًا كأسلوب للنقاش (الأسلوب رقم ثلاثة).
- عرفت الحقيقة بشأن التحضيرات للمحاكمات السرية من سادة الحرفة.
- فهمت لماذا يسمع السجناء الأخبار السياسية (الاعتقالات، وما إلى ذلك) قبل أن يسمعها العالم الخارجي.
- اكتشفت أن "الإشاعة" في السجن (والمعسكر) ليست مجرد "إشاعة" أبدًا.
- أدركت أن الإنسان يمكن أن يعيش طويلًا على الحقد وحده.
- أدركت أنه يمكن للمرء أن يعيش على اللامبالاة.
- فهمت لماذا لا يعيش الناس على أمل، فلم يكن هناك أيّ أمل. ولا كان بإمكانهم البقاء أحياء من خلال الإرادة الحرة ـ أية إرادة حرة هناك؟ إنهم يعيشون على الغريزة، على شعور حفظ الذات، على نفس أساس الشجرة، الحجر، والحيوان.
- أنا فخور بأنني قررت بشكل صحيح منذ البداية، عام 1937، بأنني لن أكون مطلقًا رئيسًا للعمال إذا كانت حريتي ستقود إلى موت رجل آخر، إذا كانت حريتي ستخدم الرؤساء من خلال اضطهاد أناس آخرين، سجناء مثلي تمامًا.
- كل من قوتي الجسدية والروحية أضحتا أقوى مما كنت أعتقد في هذا الاختبار العظيم، وانا فخور بأنني لم أبع أحدًا مطلقًا، ولم أرسل أي أحد إلى حتفه أو إلى عقوبة أخرى، ولم أشِ بأي أحد.
- أنا فخور بأنني لم أكتب التماسًا رسميًا أبدًا حتى عام 1955.
- شاهدت ما يسمى "عفو بيريا" [رئيس الشرطة السرية في عهد ستالين] بين آونة وأخرى، وكان مشهدًا يستحق المشاهدة.
- رأيت أن النساء أكثر كرمًا وتضحية بالذات من الرجال: في كوليما لم تكن هناك حالة يتبع فيها الزوج زوجته. لكن الزوجات كن يأتين، العديد منهن (فاينا رابينوفتش، زوجة كريفوشاي).
- رأيت عائلات شمالية مدهشة (عمال عقود حرة وسجناء سابقين) مع رسائل "إلى الأزواج الشرعيين والزوجات"، وما إلى ذلك.
- رأيت أوائل "الروكفلرات"، مليونيرات العالم السفلي، وسمعت اعترافاتهم.
- رأيت رجالًا يمضون عقوبة الاسترقاق، إضافة إلى العديد من رجال "وحدات" د. ب ، إلخ، في "مخيم بيرلاغ".
- تعلمت أن المرء يمكنه قضاء وقت كثير ـ في المستشفى، في النقل ـ لكن فقط من خلال المخاطرة بحياتك، ونيل الضرب، تتحمل الحبس الانفرادي في الجليد.
- شهدت الحبس الانفرادي في الجليد، محشورًا في شق صخرة، وقضيت ليلة بنفسي هناك.
- الشغف بالقوة، لكي يمكنك القتل كما تشاء، شيء عظيم ـ من كبار المدراء إلى الحرس العاديين (سيروشابكا وأشباهه).
- عرفت إلحاح الروس بالإدانة والشكوى التي لا يمكن ضبطها.
- اكتشفت أن العالم لا ينبغي أن يقسم إلى أناس جيدين وسيئين، بل إلى جبناء وغير جبناء. خمسة وتسعون بالمئة من الجبناء قادرون على فعل أية خسة، خسة قاتلة، عند أدنى تهديد.
- أنا مقتنع بأن المعسكرات ـ جميعها ـ هي مدرسة سلبية؛ لا يمكنك حتى قضاء ساعة في إحداها دون أن تصبح منحرفًا. المعسكرات لا تقدم أبدًا، ولا يمكنها أن تقدم مطلقًا، أيَّ شيء إيجابي لأي أحد. تعمل المعسكرات على إفساد أخلاق أي شخص، السجناء وعمال العقود الحرة على حد سواء.
- لكل إقليم معسكراته الخاصة، عند كل موقع بناء. الملايين، عشرات الملايين من السجناء.
- لم يؤثر القمع على الطبقة العليا فقط بل على كل طبقة من طبقات المجتمع ـ في كل قرية، داخل كل مصنع، في كل عائلة كان ثمة إما أقارب أو أصدقاء تعرضوا للقمع.
- أعتبر أن أفضل فترة من حياتي هي الأشهر التي قضيتها في زنزانة بسجن "بوتيركي"، حيث استطعت تقوية روح الضعفاء، وحيث تحدث كل شخص بحرية.
- تعلمت أن "أخطط" لحياتي ليوم واحد مقدمًا، لا أكثر.
- أدركت أن اللصوص ليسوا من بني البشر.
- أدركت أنه ليس ثمة مجرمين في المعسكرات، فالأشخاص الذين إلى جانبك (والذين سيكونون إلى جانبك غدًا) كانوا ضمن حدود القانون وليس أولئك الذين انتهكوه.
- أدركت كم هو فظيع احترام الذات عند الفتى أو الشاب: من الأفضل أن تسرق بدلًا من أن تسأل. احترام الذات هذا والتفاخر هو ما جعل الأولاد يغطسون في القاع.
- في حياتي لم تلعب النساء دورًا رئيسيًا: المعسكر هو السبب.
- معرفة الناس لا طائل منها، لأنني غير قادر على تغيير موقفي تجاه أي وغد.
- الأشخاص الذين يمقتهم الجميع ـ من قبل الحراس، أو رفاقهم المساجين ـ هم الذين يكونون في أواخر الصفوف، أولئك الذين يتمهلون في الخلف، المرضى، الضعفاء، والذين لا يمكنهم الركض حينما تكون درجة الحرارة تحت الصفر.
- فهمت ما معنى السلطة وماذا يعني رجل يحمل بندقية.
- أدركت أن المقاييس قد تخلخلت وأن ذلك الاختلال هو أكثر الأنماط شيوعًا في المعسكرات.
- أدركت أن الانتقال من حالة السجين إلى حالة إنسان حر صعبة للغاية. مستحيلة تقريبًا دون فترة تكيّف طويلة.
- فهمت أن على الكاتب أن يكون غريبًا إزاء المواضيع التي يتعامل معها، وإذا كان يعرف مادته جيدًا فسيكتب بطريقة لا يفهمه بها أحد.
اقرأ/ي أيضًا: