تعد تجربة دانيال دي لويس التي قضاها في السينما العالمية من أهم التجارب المصنفة إلى جانب أسماء مهمة في الفن السابع مثل أنطوني هوبيكنز، توم هانكس، جاك نيكلسون، صامويل جاكسون وغيرهم الكثير من الممثلين الذين جسدوا الشاشة المستطيلة شخصيات عظيمة مع مخرجين وصفوا بالعباقرة لتقديمهم أعمالًا بقيت حتى اليوم تثير الجدل في النقاشات السينمائية.
يُعرف عن دانيال دي لويس أنه ولد لعائلة فنية، فوالده سيسيل دي لويس أحد الشعراء البريطانيين البارزين في ثلاثينيات القرن المنصرم
وعلى أن دانيال دي لويس الذي قدم ما يقرب 20 فيلمًا خلال مسيرته الفنية التي دامت لـ40 عامًا مقارنًة بنجوم من أبناء جيله، تصدر اسمه أول أمس الثلاثاء عناوين الصحافة العالمية بإعلانه اعتزال التمثيل بشكل نهائي في بيان مقتضب.
وكيلة أعمال الممثل البريطاني – الأيرلندي ليسلي دارت أرجعت السبب بأنه "قرار شخصي"، وأنه "لن يصرح هو أو وكلاؤه بأي تعليق آخر حول هذا الموضوع"، ليضع حدًا بذلك على ما يبدو لملاحقة الأسباب التي دفعته لاتخاذ مثل هذا القرار.
الطفل الخشن
يُعرف عن دي لويس (29 نيسان/ أبريل 1957) أنه ولد لعائلة فنية، فوالده سيسيل دي لويس أحد الشعراء البريطانيين البارزين في ثلاثينات القرن المنصرم، ووالدته هي الممثلة جيل بالكون التي تنتمي لعائلة يهودية مهاجرة، وشقيقته الكبرى تامسين دي لويس مخرجة أفلام وثائقية، أما زوجته فهي الكاتبة والمخرجة ريبيكا ميلر ابنة آرثر ميلر أحد أهم الكتاب الأمريكيين.
عاش دي لويس طفولة خشنة ومتمردة ضمن محيطه دفعته للقيام ببعض السرقات من المحال التجارية، وتصف الصحافة الغربية طفولته بأنها كانت تحمل جانبًا عدوانيًا دفعت والده بعد أن ضاق من تصرفاته بإرساله إلى مدرسة "سفينوكس" في مقاطعة "كنت" البريطانية، ثم انتقل بعدها لمعهد "بريستول أولدفيك" كي يدرس التمثيل فيها، ليقدم بعدها أولى أعماله السينمائية "Sunday Bloody Sunday/ الأحد الدامي" عام 1971، حيثُ لعب دور طفل يحطم السيارات.
اقرأ/ي أيضًا: 4 من أجمل أفلام السينما الإيطالية على الإطلاق
وبالإضافة لدراسته التمثيل، اشتغل دانيال دي لويس على تطوير مهاراته في النحت على الخشب، وصيد الأسماك، وهي من الهوايات المحببة لديه، وانقطع عن العمل السينمائي لثلاثة أعوام تقريبًا عاد إليها عام 1992 ببطولة فيلم " The Last Of The Mohicans"، ما دفع النقاد للقول عنه خلال الفترة التي توقف فيها العمل بالسينما إنه "شبه متقاعد".
وعند الحديث عن مسيرة دانيال دي لويس في التمثيل، لا يمكن تجاهل اعتزاله المسرح نهائيًا في عام 1989 عندما كان مشاركًا في مسرحية "هاملت" للإنكليزي ويليام شكسبير، أثناء تقديم عروض المسرحية بسبب ظهور شبح والده المتوفى عام 1972. يقول عن الأسباب التي دفعته لاتخاذ القرار "ربما رأيت شبح والدي كل ليلة"، ويضيف "إذا كنت تعمل في مسرحية مثل هاملت يمكنك أن تكتشف كل شيء من خلال تجربتك الخاصة".
على الرغم من أن دانيال دي لويس لم يقدم إلا ما يقرب 20 فيلمًا خلال مسيرته السينمائية، فأنه استطاع أن يترك أثرًا مهمًا
ومثل انقطاعه بين أعوام 1989 - 1992 عن المشاركة في الأعمال السينمائية، توقف دانيال دي لويس مرًة ثانية من جديد بعد تقديمه دور (داني فلين) في فيلم "The Boxer" مع المخرج جيم شيردان عام 1997 لينقطع بعدها عن السينما حتى عام 2002 عندما عاد بشخصية (بيل الجزار) في فيلم "Gangs of New York" مع المخرج مارتن سكورسيزي.
وقد أشارت بعض التقارير الصحافية أن دانيال دي لويس خلال هذه الفترة التي انقطع فيها عن السينما كان يعمل على صناعة الأحذية في إيطاليا، بينما نقلت عنه صحيفة "الغارديان" البريطانية على لسانه أنه لم يكن يريد المشاركة في الأعمال السينمائية، وأراد أن يبتعد بعض الوقت عن كل شيء لأنه "بحاجة إلى ذلك في كثير من الأحيان".
أدوار استثنائية.. ثلاثة جوائز أوسكار
على الرغم من أن دانيال دي لويس لم يقدم إلا ما يقرب 20 فيلمًا خلال مسيرته السينمائية، فأنه استطاع أن يترك أثرًا مهمًا فيها من خلال اشتغاله على الأدوار المسندة إليه بحسب كافة التقارير التي قالت إنه يقوم بتقمص شخصيته حتى ينتهي من تصويرها.
وكانت بدايات تقمصه للشخصيات المسندة إليه عام 1988 عندما قدم دانيال دي لويس دور الطبيب التشيكي (توماس) صاحب العلاقات الجنسية المتعددة في فيلم "The Unbearable Lightness of Being/ خفة الكائن التي لا تحتمل" المقتبس عن رواية ميلان كونديرا، إذ قام قبل فترة التصوير بتعلم اللغة التشيكية، واندمج بالشخصية التي يؤديها حتى وصل لمرحلة أخفى فيها شخصيته الحقيقية.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Tickling Giants".. عن باسم يوسف وجلد السلطة الغليظ
بعدها كان فيلم "My Left Foot" عام 1989 الذي حصل فيه على جائزتي الأوسكار والبافتا لأفضل ممثل، في هذا الدور أدى دانيال دي لويس شخصية الأيرلندي كريستي براون المصاب بشلل دماغي، ويستخدم قدمه اليسرى للرسم والكتابة، عمل على زيارة الأطباء المختصين بمعالجة الحالات الخاصة، وتعلم دي لويس الكتابة والرسم بقدمه اليسرى، حتى أنه بقي طوال فترة التصوير جالسًا على الكرسي المتحرك.
وفي فيلم "In The Name of Father" ظهر دانيال دي لويس بدور أحد الأيرلندين المتهمين بتفجيرات لندن، أمضى وقتًا كثيرًا داخل زنزانة منفردة، وطالب فريق العمل بتوجيه الشتائم إليه حتى عندما يكون التصوير متوقفًا، واستعان بثلاثة محققين حقيقيين كي يتقن دوره، أما دور (بيل الجزار) فقد تعلم دانيال دي لويس من الجزارين كيف يقطع الجثث، وكيف يرمي السكاكين من العاملين في السيرك، ونال على هذا الدور جائزة البافتا للمرة الثانية.
بالإضافة لدراسته التمثيل، اشتغل دي لويس على تطوير مهاراته في النحت على الخشب، وصيد الأسماك، وهي من الهوايات المحببة لديه
أما دوره في فيلم "There Will Be Blood" عام 2007 فقد حصد عليه جوائز الأوسكار، غولدن غلوب، والبافتا، بعد أن قدم شخصية (دانيال بلين فيو) مهندس البترول الباحث عن النفط مطلع العشرينات من القرن المنصرم، وكانت أخر جوائز الأوسكار لدي لويس عام 2012 عن دوره في شخصية الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن، وقالت التقارير الصحافية عن كواليس العمل إن دانيال دي لويس طلب من كامل فريق العمل أن ينادوه بـ"سيدي الرئيس".
ومن المتوقع أن يعرض في الربع الأخير للعام الجاري أخر الأعمال التي شارك دانيال دي لويس في بطولتها "Phantom Thread" مع المخرج بول توماس أندرسون بدور (تشارلز جيمس)، الذي يتحدث عن عالم الأزياء والموضة في لندن منتصف القرن الفائت بين فئات المجتمع الراقي والأسرة الملكية، حيث تقدر ميزانيته بنحو 35 مليون دولار أمريكي حسب ما ذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية.
اقرأ/ي أيضًا: