يقدم هذا التقرير المترجم عن صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تفاصيل مهمة عن المسار الذي اتخذته إسرائيل، ساعية إلى محو كل ما يشير إلى النكبة، وعن العملية الممنهجة لإخفاء أي دليل عن المجزرة، من خلال حظر الاطلاع والتكتم على وثائق عديدة تخص ما جرى عام 1948.
يقع قبو مركز ياد ياري للبحوث والتوثيق في الطابق الأوّل تحت الأرض. وفي ذلك القبو الصغير المُؤمَّن جيّدًا توجد مجموعة صناديق تحتوي على وثائق سرّية، تخفيها إسرائيل وتتضمن أدلة عن جرائمها في النكبة
لا يقدم هذا التقرير على أهميته، جديدًا فيما يتعلق بكون المجزرة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق مئات آلاف الفلسطينيين، كانت قائمة على تصور شامل ومسبق، مخطط له، فهذا ما كان سبق وأشار إليه مؤرخون فلسطينيون عديدون، حتى قبل نشر ما انتهى إليه المؤرخون الإسرائيليون الجدد. لكن أهمية هذا النص أنه يوضح تاريخًا من النقاش الإسرائيلي الصاخب بشأن مستقبل الوثائق المتعلقة بالنكبة، وحق المؤرخين والبحاثة في الوصول إليها.
اقرأ/ي أيضًا: نظرة جديدة لفلسطين قبل النكبة: الاقتصاد والمجتمع
تندرج هذه المادة، ضمن مساهمات عديدة وحوارات ينشغل بها جزء من المجتمع العلمي الإسرائيلي، ولا بد من التنويه أنها لا تتعلق، كما سيلاحظ القارئ، بالضحايا الفلسطينيين أنفسهم، ولا حتى بمآلات المجزرة، وبمحاسبة القائمين عليها، وإنما بالحق في المعرفة، أو في الوصول إلى الوثائق، في دولة ترى في نفسها أنها الكيان الوحيد "المتحضر" في الشرق الأوسط. ما يعني أنه نقاش داخلي، لكنه ينطوي على كشف زوايا مهمة للجمهور العربي.
ينقل "ألترا صوت" هذا التحقيق إلى العربية بلغته، حرصًا على إيصال هذا النقاش الإسرائيلي كما هو إلى القراء العرب. وهي لغة يبدو واضحًا ميلها إلى إنكار المجزرة، حتى في سياق الاعتراف بها. ولعل مصطلحات مثل "هجرة" بدلًا من تهجير، وحرب الاستقلال بدل المجزرة، بالإضافة إلى التعامل مع ما حدث كخطأ، لا يمس شرعية الدولة جميعها، وسبب قيامها، هي كلها دلالة واضحة على طبيعة هذا الجدل في إسرائيل هذه الأيام.
وقعت المؤرّخة تامارا نوفيك تحت تأثير الصدمة، قبل أربع سنوات، حينما عثرت على وثيقة في ملفّ يوسف فاشتيز داخل الدائرة العربية لحزب مابام اليساري ضمن أرشيف مركز ياد ياري الثقافي في غفعات حفيفا. بدأت الوثيقة التي بدا أنها تصف أحداث وقعت خلال حرب 48 بـ: "هناك في صفصاف (قرية فلسطينية مدمّرة بالقرب من صفد)؛ قَبضوا على 52 رجلاً، وقَيّدوهم بعضهم ببعض، وحفروا لهم حفرة ثمّ أطلقوا النار عليهم. كان 10 منهم لا زالوا ينتفضون. وجاءتهم امرأة تتوسّل الرحمة. وعُثر على جثث 6 رجال مسنّين. كان هناك 61 جثّة. 3 حالات اغتصاب، شرق مدينة صفد، منهم فتاة في الرابعة عشر من عمرها. 4 رجال قتلوا بالرصاص، وقَطعوا أصابع أحدهم بسكين ليسرقوا منه خاتمه". ويمضي الكاتب في وصف المجازر الأخرى والنهب والإساءات التي ارتكبتها القوّات الإسرائيلية في "حرب الاستقلال" الإسرائيلية.
قالت الدكتورة نوفيك لصحيفة هآرتس: "لا توجد أسماء في الوثيقة ولا يُعرف من يقف وراءها.. كما تتوقّف الحكاية فجأة في المنتصف. وجدتُها شديدة الإرباك. كنت أدرك أن العثور على وثيقة كتلك من شأنه جعلي مسؤولةً عن توضيح ما حدث".
استولت القوّات الإسرائيلية على قرية صفصاف في الجليل الأعلى ضمن عملية حيرام نهاية عام 1948. وأقيمت كفار حوشين على أنقاضها. كما قُدّمت اتّهامات على مرّ السنين تفيد أن اللواء السابع ارتكب جرائم حرب في القرية. وهذه الاتّهامات مدعومة بالوثيقة التي عثرت عليها نوفاك، ولم تكن معروفة للباحثين من قبل. كما بالإمكان تضمُّنها دليلًا إضافيًا على أن كبار الضبّاط الإسرائيليين كانوا على علم بما يجري في تلك الفترة. قرّرت نوفيك التشاور مع مؤرّخين آخرين حول الوثيقة. فأخبرها بيني موريس، الذي تعدّ كتبه نصوصًا أساسية في دراسة النكبة (كما يصف البعض الهجرة الجماعية للفلسطينيين من البلاد خلال حرب 48)، عن مصادفته لوثائق مماثلة في الماضي. وكان يشير بذلك إلى الملاحظات التي أدلى بها عضو اللجنة المركزية في مابام أهارون كوهين على خلفية إفادة قدّمها يسرائل جليلي، رئيس الأركان السابق لميليشيا الهاغانا في تشرين الثاني/نوفمبر 1948. ذكرت ملاحظات كوهين التي نشرها موريس: "في صفصاف 52 رجلاً مربوطين بالحبال. أُلقيوا في حفرة ورميوا بالرصاص. قُتل 10 أشخاص. ونساء توسّلن الرحمة. كانت هناك 3 حالات اغتصاب. فتاة في الرابعة عشر من عمرها اُغتصبت. وقتل 4 آخرون. خواتم اُنتزعت بالسكاكين".
تشير حاشية موريس (في كتابه الأساسي "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947-1949") إلى أن تلك الوثيقة وجدت أيضًا في أرشيف ياد ياري. لكن عندما عادت نوفيك لفحص الوثيقة، فوجئت بأنها ما عادت موجودة! تقول نوفيك: "قلت في البداية ربّما لم يكن موريس دقيقًا في حاشيته، وربّما أخطأ.. وأخذ الأمر منّي وقتًا للتفكير في إمكانية اختفاء المستند ببساطة"، وعندما سَألتْ المسؤولين عن مكان الوثيقة، قيل لها إنها حُفظت وراء أبواب مغلقة في ياد ياري بأمر من وزارة الدفاع. فمنذ بداية العقد الماضي، كانت فرق وزارة الدفاع تجوب الأرشيف الإسرائيلي وتزيل الوثائق التاريخية. لكنها لم تكن وحسب الأوراق المتعلّقة بمشروع إسرائيل النووي أو العلاقات الخارجية للبلاد، إذ أُخفيت أيضًا مئات الوثائق كجزء من جهد ممنهج لإخفاء أدلّة النكبة وأثرها.
اُكتشفت تلك الظاهرة لأول مرة من قبل معهد أكفوت لأبحاث الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. ووفقًا لتقرير صادر عن المعهد، فالعملية تتزعّمها Malmab، إدارة الأمن السرية التابعة لوزارة الدفاع، وأنشطتها وميزانيتها سرّية. يؤكّد التقرير على أن Malmab أزالت الوثائق التاريخية بطرق غير مشروعة وبلا أيّ سلطة، كما أغلق، في بعض الحالات على الأقل، على وثائق سبق وأن وافقت الرقابة العسكرية على نشرها من قبل. بل إن بعض الوثائق الموضوعة في الخزائن سبق ونشرت للجمهور. وجد تحقيق صحيفة "هآرتس"، أن "Malmab" أخفت شهادةً لجنرالات جيش الدفاع الإسرائيلي حول قتل المدنيين وهدم القرى، فضلًا عن توثيق طرد البدو خلال العقد الأوّل من قيام الدولة. كما كشفت المحادثات التي أجرتها صحيفة هآرتس مع مديري الأرشيفات العامّة والخاصّة على حد سواء، عن تعامل موظّفي إدارة الأمن مع الأرشيفات كما لو كانت ممتلكاتهم، بل هدّدوا في بعض الحالات المدراء أنفسهم.
اقرأ/ي أيضًا: جزيرة فاضل..هنا يرقد حلم العودة إلى فلسطين
كتب أحد الضباط في شاي (وحدة استخبارات عصابات الهاجاناه الصهيونية المنظّمة) واحدة من أبرز الوثائق وأفضلها حول أصل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. إذ يناقش فيها أسباب إفراغ البلاد من معظم سكّانها العرب، مع الخوض في ظروف كلّ قرية. وجُمّع كلامه في أواخر حزيران/يونيو 1948، تحت عنوان "هجرة عرب فلسطين". كانت تلك الوثيقة حجر الأساس لمقال نشره بيني موريس عام 1986. وبعد ظهور المقال، أُزيل المستند من الأرشيف واستحال على الباحثين الوصول إليه. قام فريق Malmab، بعد سنوات، بإعادة فحص الوثيقة، وأمر أن تظلّ سرّية. ولم يعرفوا أن باحثين من Akevot سيجدون، بعد بضع سنوات، نسخة من النص ويستخدمونه أمام أعين الرقابة العسكرية، التي سمحت بنشره دون قيد أو شرط.
تبدأ الوثيقة المؤلفة من 25 صفحة، بمقدّمة تؤكّد بلا خجل على إخلاء القرى العربية. ووفقًا للمؤلّف، فإن شهر نيسان/أبريل "شهد زيادة في الهجرة"، في حين أن مايو "بورك بعمليات الإخلاء القصوى". ثم يتناول التقرير "أسباب الهجرة العربية". وفقًا للرواية الإسرائيلية المتداولة على مرّ السنين، تقع مسؤولية الهجرة من إسرائيل على عاتق السياسيين العرب الذين شجعوا السكّان على المغادرة. لكن، وفقًا للوثيقة، غادر 70% من العرب نتيجة العمليات العسكرية اليهودية. كما صنّف مؤلّف النصّ الذي لم يكشف عن اسمه، أسباب رحيل العرب بحسب أهمّيتها. وتمثّل السبب الأوّل بـ:"أفعال يهودية عدائية مباشرة ضدّ أماكن الاستيطان العربية". أمّا السبب الثاني، فتمثّل بتأثير تلك الأفعال على القرى المجاورة. وجاء في المرتبة الثالثة من حيث الأهمّية "عمليات الانفصاليين"، ولا سيّما جماعات إرجون وليحي السرّية. أمّا السبب الرابع، فتمثّل بالأوامر الصادرة عن المؤسّسات العربية و"العصابات" (هكذا تشير الوثيقة إلى كل الجماعات العربية المقاتلة)، أمّا السبب الخامس فتمثّل بـ"حملات الإشاعات اليهودية لحثّ السكّان العرب على الفرار"، والسبب السادس، كان "إنذارات الإخلاء النهائية".
يؤكّد المؤلّف على أن "العمليات العدائية كانت بلا شكٍّ السبب الرئيسي في انتقال السكّان"، بالإضافة إلى "أن مكبّرات الصوت باللغة العربية أثبتت فعاليتها في تلك المناسبات عندما وُظّفت بالشكل الصحيح"، كما يلاحظ التقرير، فيما يتعلّق بعمليات أرجون وليحي، أن "الكثيرين في قرى وسط الجليل بدأوا بالفرار إثر اختطاف أعيان قرية الشيخ مؤنس. وتعلّم العرب أن التوصل إلى اتفاق مع الهاغاناه ليس كافٍ وأن هناك يهودًا آخرين (أي الميليشيات الانفصالية) لا بدّ أن يحذروا منها". كما يشير المؤلّف إلى أن الإنذارات النهائية للمغادرة استخدمت خاصّةً في وسط الجليل، وأقلّ من ذلك في منطقة جبل جلبوع. و"جاءت تلك الإنذارات بالإخلاء، كما لو كانت "نصائح من أصدقاء"، بعد تحضيرات على أرض الواقع، من خلال ارتكاب أفعال عدائية في المنطقة". ويصف ملحق بالوثيقة الأسباب وراء إخلاء عشرات المواقع العربية: عين زيتون/"تدميرنا للقرية"؛ القيطية/ "مضايقات وتهديدات"؛ الطيرة/"نصيحة يهودية ودّية"؛ سمسم/"إنذارنا النهائي"؛ بئر سالم/"الهجوم على دار الأيتام"؛ زرنوقا/"الفتح والطرد...".
فتيل ناقص
أجرى مركز إسحاق رابين، في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، سلسلة من المقابلات مع شخصيات عامّة وعسكرية سابقة، كجزء من مشروع يهدف إلى توثيق نشاطهم في خدمة الدولة. إلّا أن ذراع Malmab الطويل استحوذ على تلك المقابلات أيضًا. وقامت صحيفة هآرتس، بعد حصولها على النصوص الأصلية للعديد من المقابلات، بمقارنتها بالإصدارات المتاحة الآن للعامّة، بعد الإعلان عن تصنيف مجموعة كبيرة منها كملفات سرّية! وشمل هذا، على سبيل المثال، أجزاء من شهادة الجنرال أرييه شاليف حول طرد سكّان قرية "صبرا" عبر الحدود. لكن الجمل التالية حذفت لاحقًا من المقابلة: "كانت هناك مشكلة شديدة الخطورة في غور الأردن. إذ كان هناك لاجئون يريدون العودة إلى الغور، إلى المثلث (تجمّع المدن والقرى العربية شرق إسرائيل). قمنا بطردهم، وقابلتهم من أجل إقناعهم بنسيان فكرة العودة. أملك أوراق ترتبط بالموضوع".
قرّرت Malmab أيضًا إخفاء الجزء التالي من مقابلة أجراها المؤرخ بوعز ليف توف مع الجنرال إلاد بليد:
ليف توف(ل.ت): "هل نتحدّث عن سكّان بينهم نساء وأطفال؟".
إلاد بليد(إ.ب): "نعم، الكل، جميعهم".
ل.ت: "ألا تميّز بينهم؟".
إ.ب: "المسألة شديدة البساطة، حرب بين شعبين، لقد خرجوا من منازلهم".
ل.ت: "إذا كانت المنازل لا تزال موجودة، ألديهم مكان للعودة إليه؟".
إ.ب: "ليسوا جيوشًا بعد، بل عصابات. ونحن عصابات أيضًا. نخرج من المنازل ونعود إليها، يخرجون من المنازل ويعودون إليها، تلك إمّا منازلهم أو منازلنا".
ل.ت: "أتنتاب الهواجس الجيل الأخير؟".
إ.ب: "نعم، فاليوم عندما أجلس على كرسي هنا وأفكر فيما حدث، تتبادر شتّى أنواع الأفكار إلى ذهني".
ل.ت: "ألم يكن الأمر كذلك وقتها؟"
إ.ب: "ركّز معي سأخبرك بشيء شديدة البشاعة والقسوة، عن الغارة الكبيرة في قرية سعسع (قرية فلسطينية في الجليل الأعلى). كان الهدف الفعلي ردعهم، وإخبارهم: "أيها الأصدقاء الأعزّاء، بإمكان البلماح (قوات التدخّل الهاجانية) الوصول إلى أي مكان، لذا أنتم لستم محصّنين. لكن ما الذي فعلناه؟ فجّر فصيلي 20 منزلاً بكل ما فيها".
ل.ت: "بينما الناس نيام هناك؟"
إ.ب: "أفترض ذلك، ما حدث هناك، أنّنا جئنا، ودخلنا القرية، وزرعنا قنبلة بجانب كل منزل، ثمّ نُفخ في البوق، إذ لم يكن لدينا أجهزة راديو، وكانت تلك إشارة المغادرة. ركضنا في الاتّجاه المعاكس، وظلّ خبيرو التفجيرات، مع معدّاتهم البدائية، ثم أشعلوا الفتيل أو سحبوا الصاعق، فسوَّت كل المنازل بالأرض وما عاد لها أثر".
اقرأ/ي أيضًا: 5 كتب أساسية عن القضية الفلسطينية
مقطع آخر من حديث الدكتور ليف توف مع اللواء أفراهام تامير، أرادت وزارة الدفاع الاحتفاظ به بعيدًا عن الجمهور:
أفراهام تامير(أ.ت): "كنتُ تحت قيادة الجنرال تسفي تسور، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي فيما بعد، وكانت لدي علاقات عمل ممتازة به. ومنحني حرّية العمل-بلا طلب- وحدث أن كنت مسؤولًا عن خطّ عمل الفريق والعمليات خلال التطورين الناجمين عن سياسات رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون. كان أحد التطوّرات عندما وصلت التقارير حول مسيرات اللاجئين من الأردن إلى القرى المهجورة، فما كان من بن غوريون إلّا أن وضع سياسة توجب علينا هدم القرى حتى لا يعود لهم أي مكان للعودة إليه. أي جميع القرى العربية، ومعظمها داخل المنطقة التي تغطّيها القيادة المركزية".
ليف توف(ل.ت): "والقرى التي كانت لا تزال قائمة؟"
أ.ت: "تلك التي لم يسكنها الإسرائيليون بعد. حيث كانت هناك أماكن استقرّ فيها الإسرائيليون، مثل قرية زكريا وأماكن غيرها. لكن معظمها كانت لا تزال قرى مهجورة".
ل.ت: "تلك التي ظلّت؟"
أ.ت: "كان ضروريًا عدم وجود مكان لهم يعودون إليه، لذا حشدتُ كل الكتائب الهندسية التابعة للقيادة المركزية، وخلال 48 ساعة سَوَّيت كل تلك القرى بالأرض. وبذلك ما عاد هناك مكان لهم يعودون إليه".
ل.ت: "بلا أيّ تردّد؟".
تامير: "بلا أيّ تردّد. كانت تلك السياسة المُتّبعة. حشدتُ القوّات وخطّطت للمسألة ثمّ نفّذتها".
الصناديق في الأقبية
يقع قبو مركز ياد ياري للبحوث والتوثيق في الطابق الأوّل تحت الأرض. وفي ذلك القبو الصغير المُؤمَّن جيّدًا توجد مجموعة صناديق تحتوي على وثائق سرّية، كما يضمّ الأرشيف مواد حركة هاشومير هاتزاير وحركة كيبوتس ومابام وميرتس، وهيئات أخرى كهيئة السلام الآن. مدير الأرشيف هو دودو أميتاي كما يشغل منصب رئيس رابطة إرشيفات إسرائيل. قام موظّفو Malmab بزيارة الأرشيف بين عامي 2009 و2011 بانتظام كما يذكر أميتاي. ويخبرنا فريق الأرشيف أن فريق إدارة الأمن (متقاعدون من وزارة الدفاع بدون خبرة في إدارة الأرشيفات) يأتي مرّتين أو ثلاث مرّات أسبوعيًا. ويبحث عن مستندات وفقًا لكلمات مفتاحية كـ"النووي" و"الأمن" و"الرقابة"، كما خصّصوا وقتًا طويلًا لحرب الاستقلال ومصير القرى العربية قبل عام 1948.
يقول أميتاي: "قدّموا لنا ملخّصًا في النهاية قائلين فيه إنهم عثروا على عشرات المستندات الحسّاسة.. نحن لا نفصل الملفات عادةً، لذا وجدت عشرات الملفّات بأكملها طريقها نحو القبو وأُزيلت من الفهرس العامّ، ويحتوي الملف الواحد أحيانًا على أكثر من 100 وثيقة". يناقش أحد الملفّات المُغلق عليها، الحكومة العسكرية التي أحكمت السيطرة على حياة المواطنين العرب في إسرائيل من 1948 حتى 1966. كما حُفظت الوثائق لسنوات في نفس القبو، ويتعذّر على العلماء الوصول إليها. ومؤخّرًا، في أعقاب طلب الوصول إلى الملف الذي قدّمه البروفيسور غادي الغازي، المؤرّخ من جامعة تل أبيب، فحص أميتاي الملف بنفسه وقرّر عدم وجود ما يمنع الكشف عنه، رغم رأي Malmab. ووفقًا للغازي، بالإمكان وجود أسباب عدّة لقرار Malmab بالإبقاء على الملف سرّيًا. أحد تلك الأسباب متعلّق بملحق سرّي يحوي تقرير لجنة تابعَت عمل الحكومة العسكرية. ويتناول التقرير بشكل شبه كامل معارك ملكية الأراضي بين الدولة والمواطنين العرب، وبالكاد يمس الأمور الأمنية.
أمّا السبب المحتمل الآخر فيتمثّل في تقرير 1958 الصادر عن اللجنة الوزارية التي أشرفت على الحكومة العسكرية. ففي أحد الملاحق السرّية للتقرير، يوضّح العقيد ميشيل شهام، وهو ضابط كبير في الحكومة العسكرية، أن أحد أسباب عدم إنهاء جهاز الأحكام العرفية، كان الحاجة إلى تقييد وصول المواطنين العرب إلى سوق العمل ومنع إعادة ترميم القرى المدمّرة. أما السبب المحتمل الثالث، فمرتبط بشهادة تاريخية حول طرد البدو. ففي عشيّة تأسيس إسرائيل كان هناك حوالي 100000 بدوي يعيش في النقب. وانخفض عددهم بعد ثلاث سنوات إلى 13000. وفي السنوات خلال حرب الاستقلال والتي تلتها، نُفّذت عدّة عمليات طرد جنوب البلاد. وفي إحدى الحالات، أفاد مراقبو الأمم المتّحدة أن إسرائيل طردت 400 بدوي من قبيلة العزازمة ووثّقوا شهادات حول إحراق خيام. وتصف الرسالة الموجودة في الملفّ السرّي طردًا مشابهًا نُفّذ أواخر عام 1956، وفقًا لما قاله الجيولوجي أفراهام بارنز:
"قمنا بجولة في رامون قبل شهر، فأتى بدو منطقة المُحلا مع قطعانهم وعائلاتهم إلينا وطلبوا منا تقاسم الخبز معهم. أجبتهم أن لدينا الكثير من العمل ولا وقت لدينا. وفي زيارتنا هذا الأسبوع، توجّهنا إلى المُحلا مرّة أخرى. وبدلاً من البدو وقطعانهم، خيّم صمت مميت هناك، مع عشرات جثث الجمال المتناثرة في المنطقة. وعلمنا أن الجيش الإسرائيلي قام قبل ثلاثة أيّام "بخداع" البدو، والقضاء على قطعانهم؛ الجمال رميًا بالرصاص، والأغنام بإلقاء القنابل اليدوية. وقُتل أحد البدو بعدما بدأ الشكوى من أفعالهم، وهرب الباقون".
وتستمرّ الشهادة: "أُمروا قبل أسبوعين بالبقاء في المكان الذي كانوا فيه في ذلك الوقت، ثمّ أُمروا بالمغادرة بعد ذلك، ولتسريع العملية ذُبح 500 رأس ماشية... تمّ الطرد على أكمل وجه". وتستمر الرسالة في اقتباس ما قاله أحد الجنود لبارنز، وفقًا لشهادته: "لن يرحلوا إلا إذا قضينا على قطعانهم. دنَت منّا فتاة صغيرة في السادسة عشر من عمرها. كان على عنقها قلادة خرز من الثعابين النحاسية. مزّقنا القلادة وأخذ كل واحد منا خرزة كتذكار". أُرسلت الرسالة في الأصل إلى عضو الكنيست ياكوف أوري من ماباي، الذي أرسلها بدوره إلى وزير التنمية مردخاي بنتوف. كتب أوري لبنتوف "رسالته صدمتني". وعمّم الأخير الرسالة بين جميع وزراء الحكومة، كتب فيها: "في رأيي أن ليس بإمكان الحكومة تجاهل الحقائق المذكورة في الرسالة ببساطة". كما طلب بنتوف من خبراء الأمن التحقّق من مصداقية الرسالة في ضوء محتوياتها المروّعة، وأكّدوا له أن محتوياتها تتّفق مع الحقيقة عمومًا.
التذرّع بالمعلومات حول النشاط النووي
نفّذت Malmab أول توغّلاتها الأرشيفية، خلال فترة تولّي المؤرخ توفيا فريلنغ منصب كبير مسؤولي الأرشيف الإسرائيلي من 2001 إلى 2004. وما بدأ كعملية لمنع تسريب الأسرار النووية، تحوّل بمرور الوقت، إلى مشروع رقابة واسع النطاق. يقول البروفيسور فريلنغ: "كان ذلك أحد أسباب استقالتي بعد ثلاث سنوات"، ويضيف:"إن السرّية الموضوعة على وثيقة حول هجرة العرب عام 1948، مثال صارخ على ما كنت خائفًا منه. فنظام الأرشفة والتخزين ليس ذراعًا للعلاقات العامّة للدولة. وإذا كان هناك ما لا يعجبك، حسنًا، تلك هي الحياة. فالمجتمع السليم هو ذاك الذي يتعلّم من أخطائه".
لا يقدم تقرير هآرتس على أهميته، جديدًا فيما يتعلق بكون المجزرة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق مئات آلاف الفلسطينيين، كانت قائمة على تصور شامل ومسبق، مخطط له، فهذا ما كان سبق وأشار إليه مؤرخون فلسطينيون عديدون
لكن لماذا سمح فرلينغ لوزارة الدفاع بالوصول إلى الأرشيف؟ السبب، كما يقول، كان نيّة منح الجمهور إمكانية الوصول إلى المواد الأرشيفية عبر الإنترنت. وفي المناقشات التي دارت حول الآثار المترتبة على رقمنة المواد المؤرشفة، أعربت وزراة الدفاع عن قلقها من إمكانية انتشار الإشارات في الوثائق حول "موضوعات معينة" عن طريق الخطأ. وكانت تلك الموضوعات، بلا شكّ، مشروع إسرائيل النووي. ويصرّ فرلينغ على أن التفويض الوحيد الممنوح لـMalmab كان البحث في المستندات المرتبطة بمعلومات حول النشاط النووي. لكن نشاط Malmab ليس إلّا مثالًا واحدًا على مشكلة أوسع، إذ يلاحظ فريلينغ: "أن الطابع السرّي لأقدم المستندات في أرشيفات الشاباك والموساد انتهى عام 1998. ولسنوات، لم تحترم هاتان المؤسستان رئيس الأرشيف. وعندما توَلّيت المهمّة، طلبوا تمديد سرّية جميع المواد من 50 إلى 70 عامًا، وذلك مثير للسخرية، فمعظم المواد لا بدّ أن تكون مفتوحة للباحثين".
مُدّدت فترة السرّية إلى 70 سنة عام 2010؛ وفي فبراير الماضي مُدّدت مرّة أخرى إلى 90 سنة، رغم معارضة المجلس الأعلى للمحفوظات. يقول فريلينغ: "قد تفرض الدولة السرّية على بعض وثائقها.. لكن السؤال هو ما إذا كانت مسألة السرّية مجرّد نوع من التغطية. أمسى الأمر في عديد الحالات نوعًا من الكوميديا الساخرة". ولا بدّ من الطعن في السرّية المفروضة من وزارة الدفاع بحسب دودو أميتاي من مركز ياد ياري. كما يخبرنا أميتاي، أن إحدى الوثائق المنقولة إلى القبو في عهده، كانت عبارة عن أمرٍ صادر من جنرالٍ في جيش الدفاع الإسرائيلي، إلى قوّاته، يطلب منهم فيها الامتناع عن الاغتصاب والنهب خلال الهدنة في حرب الاستقلال. أميتاي عازم الآن على تفحّص المستندات المودعة في القبو، خاصّةً المستندات المتعلّقة بعام 1948، ونَشر كل ما أمكن منها للباحثين. ويضيف: "سنفعل ذلك بحذر ومسؤولية، لكنّنا ندرك أن على إسرائيل تعلّم كيفية التعامل مع الجوانب المزعجة في تاريخها".
اقرأ/ي أيضًا: سايكس-بيكو.. حفل تشييع بعد قرن
ما عاد موظفو الوزارة يزورون مركز ياد ياري، لكنهم في المقابل يواصلون الاطلاع على الوثائق في ياد تابينكين، مركز الأبحاث والتوثيق التابع لحركة كيبوتس. توصّل المدير أهارون أزاتي إلى اتفاق مع فرق Malmab لا تنقل المستندات بموجبه إلى القبو إلّا إذا رأى مبرّرات وجيهة لذلك. لكن Malmab أعادة الكرّة في ياد تابينكين، بتوسيع عمليات البحث إلى ما هو أوسع من نطاق المشروع النووي، ليشمل المقابلات التي أجراها موظفو المحفوظات مع أعضاء سابقين في "بالماح"، بل وتفحّص المواد حول تاريخ المستوطنات في الأراضي المحتلة. كما أبدى Malmab، على سبيل المثال، اهتمامًا بكتاب "عقد من التكتّم: سياسة الاستيطان 1967-1977"، الذي نشره مركز ياد تابينكين عام 1992، وكتبه يهيل أدموني، مدير دائرة الوكالة اليهودية للاستيطان، خلال العقد الذي كتب حوله الكتاب. ويذكر الكتاب خطّة توطين اللاجئين الفلسطينيين في غور الأردن، واقتلاع 1540 عائلة بدوية من منطقة رفح في قطاع غزة عام 1972، وعملية إغلاق جيش الدفاع الإسرائيلي لآبار المياه. ويقول أزاتي: "نتحرّك بوتيرة عالية نحو التضييق والتشدّد. رغم أننا في عصر الانفتاح والشفافية، لكن يبدو أن هناك قوى تسير في الاتجاه المعاكس".
سرّية غير مصرّح بها
كتبت المستشار القانوني لأرشيف الدولة، المحامية نعومي الدوبي، قبل عام رأيًا بعنوان "الملفات في الأرشيف العام مغلق عليها بلا تصريح رسمي". ووفقًا لها، فإن سياسات الوصول إلى الأرشيفات العامة اختصاص حصري لمدير كلّ معهد. ورغم رأي الدوبي، ففي الغالبية العظمى من الحالات، لم يثر الأراشفة الذين واجهوا قرارات غير معقولة من قبل Malmab أيّ اعتراضات، حتى عام 2014، عندما وصل موظفو وزارة الدفاع إلى أرشيف معهد هاري ترومان للأبحاث في الجامعة العبرية. وأثار رفض مدير المعهد آنذاك مناحم بلوندهايم لطلبهم بفحص الأرشيف دهشتهم، ذلك الأرشيف الذي يحوي مجموعة ملفّات الوزير السابق والدبلوماسي آبا إيبان واللواء شلومو غازيت. يقور بلوندهايم: "أخبرتهم أن الوثائق المعنية عمرها عدّة عقود، ولم أكن أتخيل وجود مشكلة أمنية تستدعي تقييد وصول الباحثين إليها، وردًّا على ذلك، قالوا: 'فلنقل أن هناك شهادة هنا تفيد أن الآبار سُمّمت في حرب الاستقلال؟'، فأجبتهم:'لا بدّ من تقديم أولئك الأشخاص إلى المحاكمة'". أدّى رفض بلوندهايم إلى عقد اجتماع جمعه بمسؤول كبير في الوزارة، وكان ما واجهه هذه المرّة مختلفًا، إذ وجّهت إليه تهديدات مباشرة. وتوصّل الجانبان في النهاية إلى تسوية.
لم يتفاجأ بيني موريس من نشاط Malmab. إذ يقول: "كنت على علم بذلك، لكن ليس بشكل رسمي، ولم يخبرني أحد بذلك، بل أدركته عندما اكتشفت أن المستندات التي رأيتها في الماضي ما عادت متاحة للاطلاع الآن. كانت هناك وثائق من أرشيف جيش الدفاع الإسرائيلي، كنت قد استخدمتها في مقال عن دير ياسين، وهي الآن مغلقٌ عليها. وعندما عدت إلى الأرشيف، لم يعد يُسمح لي برؤية النصّ الأصلي، لذلك أشرت في حاشية المقال إلى أن أرشيف الدولة رفض طلب وصولي إلى الوثائق التي كنت نشرتها قبل 15 عامًا!".
قضية Malmab ليست إلّا مثالًا واحدًا للمعركة الجارية من أجل الوصول إلى الأرشيف الإسرائيلي. ووفقًا للمدير التنفيذي لمعهد أكفوت، فإن ليور يافني (أرشيف جيش الدفاع الإسرائيلي وأكبر أرشيف في إسرائيل) محكم الإغلاق والسرّية بشكل شبه كامل، فمواده المفتوحة أمام الباحثين لا تشكّل إلا 1%. أمّا أرشيف الشاباك الذي يحوي مواد ذات أهمية عظيمة فمغلق تمامًا". ويشير تقرير كتبه يعقوب لوزويك، كبير أمناء أرشيف الدولة السابق عند تقاعده، إلى قبضة مؤسسة الدفاع على المواد الأرشيفية في البلاد. كما طرح المدافعون عن عملية إخفاء الملفات في الطرف الآخر عدّة حجج، إذ يلاحظ لوزويك: "أن الكشف عن الحقائق يمكن أن يوفّر لأعدائنا فرصة تقديم ضربة قوية لنا؛ وإضعاف تصميم أصدقائنا؛ وإثارة السكان العرب ضدّ الدولة؛ وإضعاف حجج الدولة في محاكم القانون؛ وإمكانية تأويل ما كُشف عنه على أنه جرائم حرب إسرائيلية". ومع ذلك، يقول: "لا بدّ من رفض كل تلك الحجج. تلك محاولة لإخفاء جزء من الحقيقة التاريخية؛ من أجل صناعة نسخة أكثر ملاءمة".
ما رأي Malmab؟
كان يهيل حوريف حارس أسرار المؤسسة الأمنية لأكثر من عقدين. كما ترأّس إدارة الأمن في وزارة الدفاع من 1986 حتى 2007، وظلّ خارج دائرة الضوء بطبيعة الحال. أمّا الآن، فوافق بحسب تقديراته، على التحدّث بصراحة إلى صحيفة هآرتس حول مشروع الأرشيف. يقول حوريف: "لا أتذكّر متى بدأ الأمر، لكنني أعرف أنني من بدأ ذلك. وإن لم أكن مخطئًا، فالأمر بدأ عندما أراد الناس نشر مستندات من الأرشيف. فكان علينا تشكيل فرق للتحقّق من جميع المواد المُخرجة". من المحادثات مع مديري الأرشيف، يبدو واضحًا أن قدرًا كبيرًا من الوثائق المفروض عليها السرّية تتعلّق بحرب الاستقلال. فهل إخفاء أحداث 1948 كان جزءًا من خطّة Malmab؟، يجيب حوريف: "ما معنى 'جزء من الخطّة'؟ يُتحقّق من الموضوع على أساس حساب ما إذا كان بإمكان الملفّات إلحاق الضرر بمؤسّسة الدفاع وعلاقات إسرائيل الخارجية. تلك هي المعايير، وأعتقد أنها لا تزال متّصلة بواقعنا. إذ لم يكن هناك سلام منذ عام 1948. وربما أكون مخطئًا، لكن على حد علمي، لم يحلّ النزاع العربي الإسرائيلي بعد. لذا، نعم، قد تظل هناك مواضيع إشكالية".
أمّا عندما سئل عن الكيفية التي قد تكون بها تلك الوثائق إشكالية، تحدّث عن "إمكانية إثارة المواطنين العرب في البلاد ضدّ الدولة. فلا بدّ إذًا الاطلاع على كلّ وثيقة واتّخاذ قرار مناسب بشأن كل قضية على أساس حيثياتها". لو لم تكن أحداث 1948 معروفة، لكان بإمكاننا الجدال حول ما إذا كان هذا النهج هو النهج الصحيح. لكن الأمر ليس كذلك. إذ ظهرت العديد من الشهادات والدراسات حول تاريخ مشكلة اللاجئين. فما الهدف إذًا من إخفاء الأمور؟ يجيب حوريف: "السؤال حول إمكانية تشكيلها ضررًا أم لا شديد الحساسية. كما لم يُنشر كل شيء حول قضية اللاجئين، فكل أنواع الروايات هناك. لا أستطيع الحكم مباشرةً على ما إذا كانت بعض الروايات تستحقّ السرية التامة، لكن بعض الموضوعات لا بدّ من مناقشتها قبل اتخاذ أي قرار يتعلّق فيما يجب نشره".
فرضت وزارة الدفاع الطابع السرّي على وثائق مفصّلة تعرض أسباب ترحيل اللاجئين. كما كتب بيني موريس عن الوثائق، فما المنطق في إبقائها مخفية؟ يجيب حوريف: "لا أتذكر الوثائق التي تشير إليها، ولكن إذا نقلت منها ولم تكن الوثيقة نفسها موجودة، أي حيث يقول موريس إنها موجودة، فما يقوله ضعيف حينئذ. ولو قال لي 'لدي المستند' فلا يمكنني الجدال حينها. لكن إذا قال الكلام مكتوب هناك، فربّما يكون ذلك صحيحًا وربّما خاطئًا. وعندما تكون الوثيقة موجودة فعلًا ومغلقٌ عليها في الأرشيف، فسأقول تلك حماقة. وإذا استشهد أحدهم بها، فهناك بون شاسع بين صحّة الأدلة التي استشهد بها، كما بين الليل والنهار".
اقرأ/ي أيضًا: كيف تجسس الإسرائيليون علينا في المقاهي؟
لاحظ أننا نتحدّث هنا عن الباحث الأهمّ والأبرز في قضية اللاجئين الفلسطينيين من حيث الاستشهاد به. ويردّ حوريف: كلمة 'باحث' التي تقولها لا تؤثّر فيَّ أبدًا. أعرف أشخاصًا في الأوساط الأكاديمية لا ينطقون إلّا بالهراء حول موضوعات أعرفها من ألفها إلى يائها. تضعف قوّة الأعمال المنشورة عندما تفرض الدولة السرّية على الوثائق، لأنها لا تعود تملك وثائق تدعم ما بداخلها"، ويتابع حوريف: "لو كتب أحدهم أن حصانًا ما أسود، ولم يكن ذلك الحصان خارج الحظيرة، حينها ليس بالإمكان إثبات أن الحصان أسود حقًّا". لكن هناك آراء قانونية تفيد أن نشاط Malmab في الأرشيف غير قانوني ولا مصرّح به. وكان ردّ حوريف على ذلك: "إذا علمت أن الأرشيف يحوي موادًا سرّية، فأنا مخوّل بإخبار الشرطة، من أجل ذهابها هناك ومصادرة المواد. كما بإمكاني الاستفادة من المحاكم. لا أحتاج إذن الأرشيف. فإذا كانت هناك مواد سرّية، فلدي صلاحية التصرّف. ركّز معي، هناك سياسات ما. فالمستندات لا يغلق عليها بلا سبب. ورغم كل ذلك، لا أقول لك أن كل ما يُغلق عليه له ما يبرّره 100%".
ما بدأ كعملية لمنع تسريب الأسرار النووية، تحوّل بمرور الوقت في إسرائيل، إلى مشروع رقابة واسع النطاق على الأرشيف والأدلة المتعلقة بالجرائم الصهيونية إبان النكبة
أمّا وزارة الدفاع فرفضت الإجابة على أسئلة محدّدة تتعلّق بنتائج هذا التقرير التحريري، وردّت الردّ التالي: "يعمل مدير الأمن في مؤسّسة الدفاع بحكم مسؤوليته المرتبطة بحماية أسرار الدولة وممتلكاتها الأمنية. ولا يقدّم Malmab تفاصيل حول طريقة نشاطه أو مهامه".