بعدما صنع المعجزة السيئة بفوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أصبح دونالد ترامب شاغلًا وهاجسًا للكثيرين في أنحاء العالم المختلفة، نظرًا لما تعنيه الولايات المتحدة في معادلة التوازنات والعلاقات الدولية. يمكنك أن تقول ما تشاء عن ترامب ولكنه يظل شخصية "أكبر من الحياة" بالتعبير الأمريكي.
برز ترامب خلال الجولة الانتخابية بين المرشحين الجمهوريين، ثم بعد ذلك عزّز حضوره بعد الفوز بترشيح الحزب الجمهوري له لمنافسة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وكان طوال تلك الجولات يؤكد يومًا بعد يوم على حقيقة انحيازاته وطبائعه كشخص متنفذ وفاشي يتباهى بجهله.
"سأبني جدارًا، وسيكون هذا الجدار هائلًا"، يقول ترامب في إحدى خطبه أمام مناصريه داعيًا لوقف الهجرة من المكسيك إلى الولايات المتحدة
"سأبني جدارًا، وسيكون هذه الجدار هائلًا"، يقول ترامب في إحدى خطبه أمام مناصريه داعيًا إلى وقف الهجرة من المكسيك إلى الولايات المتحدة. وعلى مدى الأشهر اللاحقة تبين من سياسات وخطب ترامب أنها بعيدة للغاية عن المعسكر الديمقراطي -والإنساني من الأساس- وتميل كثيرًا إلى دكتاتوريي الماضي الفاشيين، حيث التحريض على كراهية الأجانب وتأكيد الانعزال الداخلي وكراهية الأجانب وقبل كل ذلك اعتماد الخوف كمبدأ أساسي للحكم.
اقرأ/ي أيضًا: أليسيا فيكاندر: الألم الذي يمكنك احتماله يتغيّر
هنا 5 أفلام تعبّر عن حقيقة الروح "الترامبيّة"، أفلام مليئة بالأوليجاركيين والطغاة والمستبدين، وكذلك جرعة معتبرة من الحماقة المختلطة بالمنافسة الحامية القاسية والفكاهة المتقلّبة. تعكس هذه الأفلام جوانب من أيديولوجية القطب العقاري الذي صار رئيسًا لأكبر دولة في العالم وتخبرنا بعض الأشياء عما يمكن أن تصير عليه هذه الدولة في عهده.
أصداء دونالد ترامب موجودة بوفرة في فيلم المخرج التشيلي بابلو لارين، الذي يقدم بورتريها متوهجًا لمريض نفسي في منتصف عمره مهووس بالشخصية التي لعبها الممثل جون ترافولتا في فيلم "حمى ليلة السبت"، وهو توني مانيرو الشاب الطائش الذي يهوى رقص الديسكو ويسعى من خلالها لنسيان ظروف حياته الكئيبة.
تدور أحداث الفيلم في تشيلي أثناء حكم الدكتاتورية العسكرية للجنرال أوغستو بينوشيه، ويقوم لارين بعرض أجواء الحكم الشمولي والكليشيهات المرتبطة به مضافا إليها شعورًا بارزًا بـ"الترامبية". ومثل ترامب، يؤمن بطل الفيلم راؤول بيرالتا (ألفريدو كاسترو) بقدرته على أن يحقق أسطورته الذاتية ويصبح نسخة مشابهة من فتى البلاي بوي الذي تتمحور حوله فانتازياه العميقة، ولكن في الواقع هو شخص مجنون ويعاني اختلالًا باديًا وعاجز وعدواني يهاجم الآخرين بوحشية قلب بارد.
في مشهد مبكر من الفيلم، يقوم بيرالتا بمساعدة سيدة عجوز تمت سرقتها للتو، لا لشيء إلا ليضربها لاحقًا حتى تموت بين يديه، كي يأخذ حصتها من الدقائق في أحد البرامج المتلفزة. يبدو بيرالتا أيضا مدفوعًا بتحقيق الشهرة والعيش تحت الأضواء، فأمنيته الكبرى هي الفوز بمسابقة تحاكي أسلوب توني مانيرو في برنامج تلفزيوني مزعج على إحدى القنوات المحلية (شيء ليس ببعيد عن المناظرات بين مرشحي الرئاسة الأمريكية). وفي الأخير، فإن عنف بيرالتا هو أحد أعراض ثقافة أوسع تقوم على استخدام القسوة من أجل التحكم والسيطرة، واعتماد الاضطهاد وجنون العظمة الذي يجتاح عالم تلك الشخصية التي تشبه ترامب، وعالمها الذي يشبه برامج تلفزيون الواقع التي أتى منها ترامب.
ربما لا يكون هناك في السياسة المعاصرة مناظرًا لترامب أفضل من رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني، وهو أوليجاركي وغول إعلامي وزير نساء بنى إمبراطوريته على أساس التسخير والاستغلال التلفزيوني. ومثلما يُرينا المخرج إريك جانديني بوضوح؛ إيطاليا بيرلسكوني تبدو نسخة مستقبلية من أمريكا ترامب، حيت تتحول الدولة إلى ساحة للمنافسة القاسية، وتأليب الناس العاديين ضد الناس العاديين، وفتيات الاستعراض العاريات، وأحلام الثروة السريعة والشهرة المشبوهة.
وبينما يكشف المخرج بيرلسكوني كشخص مختال مصاب بجنون العظمة ومتمركز حول ذاته، تبدو ابتسامته اللامعة كعلامة تجارية دالة عليه شبيهة بابتسامة ترامب وتعمل كـ "واجهة لنظام مثالي من السياسة والترفيه التلفزيوني"، كما يقول جانديني في تعليقه الذي يصاحب مشاهد الفيلم. يستعرض الفيلم تلك "الأمة المستثارة" من خلال شخصيات متعددة: مدرب كاراتيه شاب يطمح للفوز بإحدى مسابقات المواهب على غرار "أمريكان آيدول"، ووكيل تلفزيوني ثري لا يخجل من إظهار إعجابه بموسوليني، ومصور باباراتزي يصبح من مشاهير صحافة التابلويد على طريقته الخاصة. يقول هذا المصور منتقدًا وضع بلاده: "الشيء المهم هو أن تكتسب السلطة وبعدها تفعل ما يحلو لك". هل يبدو ذلك مألوفًا؟
Human Remains – الولايات المتحدة
هل يستطيع دونالد ترامب الوصول إلى نفس مستوى العار الإنساني الذي داهمنا به الطغاة الذين يستعرضهم المخرج جاي روزنبلات في فيلمه المؤرق والمزعج للغاية "بقايا إنسانية"؟ نأمل ألا يحدث ذلك بعد أن أتيحت له الفرصة كي ينضم إليهم من الباب الضيق.
ولكن فيلم روزنبلات هذا الذي لا يتعدى زمنه النصف ساعة والمكون من لقطات أرشيفية ومقاطع فيديو منزلية وسردًا روائيًا على طريقة المذكرات الشخصية، ويصوّر لنا الحياة العادية لأدولف هتلر وبينيتو موسوليني وجوزيف ستالين وفرانشيسكو فرانكو وماو تسي تونغ؛ هذا الفيلم هو مثال حيوي على فكرة "تفاهة الشر" التي أخبرتنا عنها حنّا آرندت.
هتلر كان مولعًا بموسيقى فاغنر وأحبَّ الشيكولاتة والأفلام الإباحية، في حين كان ماو مدخنًا شرهًا مع شهية جنسية مفتوحة دومًا. لا يقدّم روزنبلات أحكامًا قاطعة بل يهدف إلى الكشف عن النواقص البشرية وغرابة أطوار هؤلاء الطغاة. لماذا؟ ربما لدفن هؤلاء الرجال كما توحي الصور المتكررة لحفّاري القبور في الفيلم؟ أو ربما لإزالة الغموض من حولهم وبالتالي تجريدهم من قوتهم؟. لا يقدم رونبلات إجابات سهلة، ولكن إذا كان للمرء أن يقوم بالتجربة وتطبيق ذلك المستوى من الفحص التفكيكي على حضور دونالد ترامب في الميديا؛ فربما، مثل طغاة روزنبلات، يظهر أقل تأثيرًا إلى حد كبير مما كشفته لنا نتائج الانتخابات الأمريكية.
Memories of Murder – كوريا الجنوبية
للوهلة الأولى يبدو الفيلم البارع للمخرج الكوري بونغ جون هو شريط بوليسي عن رجال شرطة يتعقبون قاتلًا متسلسلًا في ريف كوريا الجنوبية المليء بالحكايات الغربية، ولكن ليس عليك الانتظار طويلًا لاكتشاف آثار الدكتاتورية العسكرية تشون دو هوان التي تطبع الفيلم بملامح مخيفة. تدور أحداث الفيلم في عام 1986، بعد 6 سنوات من استيلاء تشون على السلطة في انقلاب عسكري وقيامه بدسترة العنف الممنهج ومخيمات "إعادة التأهيل".
اقرأ/ي أيضًا: "علي ونينو": روميو وجولييت في أذربيجان
ولكن أين دونالد ترامب من كل هذا؟ يستدعي الفيلم ترامب في شخصياته الرئيسية، وهما ضابطا شرطة -أو تحرّيان- متلعثمان من هذا النوع الذي يكتسب محبة الجمهور مع كل إخفاق لمهمتهم في القبض على القاتل المتسلسل، ولكن هناك أيضًا جانب شرير لدى هذا الثنائي المحبوب. يلجأ الضابطان في التحقيقات إلى التعذيب والقوة المفرطة وانتزاع اعترافات كاذبة من المشتبه بهم، والتي تؤدي بدورها إلى مسار مضلل تأخذه تحقيقاتهم. في هذا الصدد لا يبتعد ترامب كثيرًا عن دعمه لأساليب التعذيب من أجل انتزاع الاعترافات من المتهمين، وربما أحد أبرز تلك التصريحات الذي يعود إلى يونيو/حزيران الماضي في إحدى خطبه في ولاية أوهايو حين قال: "هل أنا أوافق على الإيهام بالغرق؟ يمكنك التراهن مع مؤخرتك على أنني سأفعل ذلك".
أيستطيع ترامب الوصول لنفس العار الإنساني الذي داهمنا به الطغاة الذين يستعرضهم المخرج روزنبلات بفيلمه المؤرق "بقايا إنسانية"؟
وبينما يتم دفع حكاية "ذكريات قاتل" في مسارات انعطافية وملتوية تستدعى بشاعة الحالة الرئيسية في الفيلم الأمريكي "زودياك" لديفيد فينشر؛ يستمر بونغ في تذكيرنا بالعنف المرعي من قبل النظام الحاكم في تلك الفترة والذي يضيف إلى حصيلة الدم المراق. في أحد المشاهد الحادة بالفيلم، نرى أحد أفراد الشرطة يقمع مظاهرة طلابية ويأخذ وقته ليسحب إحدى المتظاهرات من شعورها ويقوم بركلها في البطن قبل أن يأخذها بعيدًا. ربما كان ذلك مستوى سطحي من العنف بالنسبة لدول العالم الثالث التي نعيش فيها، ولكن مثل تلك الأمور لا تقبلها الدول المحترمة في الغرب، أو على الأقل هذا ما يروّجونه إلى مسامعنا.
The Way I Spent the End of the World - رومانيا
ثمة حكاية تحذيرية لمحبي ومؤيدي ترامب نجدها في دراما النضوج (Coming of age) هذه التي تدور أحداثها في بوخارست عام 1989.
ثمة حكاية تحذيرية لمحبي ومؤيدي ترامب نجدها في دراما النضوج (Coming of age) هذه التي تدور أحداثها في بوخارست عام 1989
طيلة 15 عامًا، حكم الدكتاتور الشيوعى نيكولاي تشاوشيسكو رومانيا بالترهيب والإفقار وتقييد الحريات والأفكار، وكان ذلك مقبولًا من أغلبية الشعب الروماني، باستثناء الجيل الأصغر سنًا.
"أريد خطوطًا مستقيمة"، يصرخ مدير المدرسة في الفيلم داعيًا تلاميذه الصغار إلى أن يتبعوا الأوامر ويكونوا "مواطنين صالحين". ولكن المخرج كاتالين ميتولشكو يجد عددًا قليلاً من المتمردين في خضم تلك الطريقة الاستبدادية للحياة، من بينهم إيفا، ابنة السبعة عشر عامًا. وعلى الرغم من تسلّط والدة إيفا ومحاولتها كبح جماح ابنتها، تقرر إيفا السباحة إلى الحرية عبر نهر الدانوب، فيما يخطط أخوها ذو السبعة أعوام لاغتيال الدكتاتور الذي يحكم البلاد. مع نهاية الفيلم يتم الإطاحة بتشاوشيسكو، وهنا يمكن للمتفرجين أن يشهدوا الإثارة التي من الممكن حدوثها حين تتم الإطاحة بالرئيس دونالد ترامب بعد أن يكون دمّر ما يمكنه تدميره من حرّيات
اقرأ/ي أيضًا:
وخز الجروح القديمة في فيلم "متاهة الأكاذيب"
"حريق في البحر".. جزيرة لأحلام معطلة
"ميموزا".. صوفية إسبانية على أرض مغربية