لا أحد يعرف بالضبط ما الذي دفع رئيس أركان الجيش التونسي السابق الجنرال رشيد عمّار للخروج عن صمته الطويل وإلقاء "قنبلة سياسية" من العيار الثقيل قد تكشف بعض الحقائق الغامضة حول ليلة هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
رشيد عمار: "عُرض عليّ تسلم السلطة، وقِيل لي إذا لم تستلم أنت السلطة فإن حركة النهضة الإسلامية ستتسلمها
"رجل المرحلة" الذي رفض ذات يوم أوامر بن علي بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وفضل، بالمقابل، الوقوف إلى جانب الثورة التونسية وحماية المتظاهرين من بطش قوات الأمن، أكد قبل أيام في حوار تلفزيوني أنه رفض طلب رئيس الوزراء محمد الغنوشي ووزيري الدفاع أحمد فريعة والداخلية رضا قريرة تسلم الجيش السلطة (بعد هروب بن علي في الرابع عشر من كانون الثاني/يناير 2011) خوفًا من وصول حركة النهضة الإسلامية إليها، مشيرًا إلى أنه فضل الديمقراطية على الانقلاب العسكري.
وأضاف عمار "عُرض عليّ تسلم السلطة، وقِيل لي إذا لم تستلم أنت السلطة فإن حركة النهضة الإسلامية ستتسلمها، فقلت: أُحب أن يكون بلدي ديمقراطيًا وفيه الحريات، ولننجز الانتخابات، وتأتي النهضة أو غيرها".
قنبلة عمار أعادت تحريك المشهد السياسي الراكد والملبّد بخلافات الحزب الحاكم، نداء تونس، المستمرة منذ أشهر، حيث سارع رموز نظام بن علي إلى تفنيد تصريحات عمار، وأكد محمد الغنوشي وأحمد فريعة أن المجلس الأعلى للأمن القومي عقد اجتماعًا عاجلًا في الرابع عشر من كانون الثاني/يناير 2011، إثر هروب بن علي، ضم الغنوشي وعمار ووزيري الداخلية والدفاع وأبرز القيادات الأمنية في البلاد.
وأكدا أن الاجتماع المذكور ناقش نقطتين فقط، تتعلق الأولى بكيفية تطبيق أحكام الدستور والمرور من الفصل 56 إلى 57 لملء الفراغ في رئاسة الجمهورية، وإقناع رئيس البرلمان فؤاد المبزع بتولي رئاسة الجمهورية حسب مقتضيات الدستور، فيما تتعلق النقطة الثانية بدراسة الوضع الأمني بعد رحيل بن علي وكيفية إرجاع الأمن وتوفير الحاجيات المعيشية الضرورية للتونسيين في تلك الظروف.
الغنوشي أعاد التأكيد بأن الاجتماع لم يطرح مطلقًا مطالبة الجيش باستلام السلطة، متسائلًا عن "الخلفيات" التي دفعت برشيد عمار لتقديم معلومات خاطئة، ومن له مصلحة من إثارة مثل هذه المغالطات، فيما قال أحمد فريعة إن عمار "ربما اختلطت عليه الأمور خاصة بعد مرور خمس سنوات".
الأمين العام السابق لحركة "النهضة" حمادي الجبالي، رئيس أول حكومة تونسية منتخبة بعد الثورة، أكد صحة تصريحات عمار، مشيرًا إلى أنه بعد إعلان نتائج انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2011 التي فازت فيها حركة النهضة، قام مسؤولون (لم يحددهم) بإجراء اتصالات مع قادة الجيش لتحذيرهم من مخاطر فوز النهضة، إلا أن الجيش رفض التدخل في الانتخابات.
كما أشار في تصريحات صحفية إلى أن ثمة تفاصيل أخرى تتعلق برفض قوى أجنبية كثيرة نتائج الانتخابات، مؤكدًا وجود حملة قوية ضد الجنرال عمار بسبب شهادته ورفضه استيلاء الجيش على السلطة بعد الثورة.
أمين عام الحركة الحالي علي العريّض دعا إلى التثبّت من تصريحات عمار "من خلال التحقيق والكشف الدقيق وتوثيقه خدمة للأجيال القادمة وحتى لا يبقى جزء ممّا عاشته تونس غامضًا".
وأضاف خلال ندوة صحفية في العاصمة التونسية "جزء من تاريخ تونس مازال غامضًا ويجب التدقيق في بعض المعطيات"، معتبرًا أنّ "التاريخ ليس ملكًا لبعض الأشخاص وعلى المؤرّخين والمختصّين أن يتكفلوا بذلك".
يُذكر أن عمار الذي أصبح بعد الثورة رئيس أركان القوات المسلحة (الجيوش الثلاثة)، رفض استغلال نفوذه للسيطرة على السلطة في ظل الفراغ السياسي في البلاد، رغم تصاعد الأصوات المطالبة بشغله لمنصب رئيس الجمهورية في تلك الفترة، ليقرر لاحقًا تقديم استقالته بشكل مفاجىء في حزيران/يونيو الماضي، مفضلًا عدم الحديث عن فترة ما زالت مجهولة في تاريخ تونس.
وكان سفير تونس السابق لدى اليونسكو الدكتور المازري الحداد اتهم، في حديث إذاعي، عمار بتلقي أوامر من المخابرات الأمريكية، مشيرًا إلى أنه ساهم في تهريب قناصة بن علي إلى خارج البلاد.
ورد عمار بقوله إن الحداد يجهل الحقيقة و"سيأتي اليوم الذي سيعرف فيه هو وغيره أن رشيد عمار هو الذي حال دون أي تدخل خارجي في تونس".
اقرأ/ي أيضًا: