اضطر عمّار الحكيم، رئيس التحالف الوطني العراقي (الشيعي)، إلى الحضور للبرلمان من أجل إيجاد تسوية سياسية تضمن تمرير قانون يشرّع وجود "الحشد الشعبي" الذي تقاتل في صفوفه ميليشيات مسلحة ذات توجهات مختلفة، منها الكثير الذي ينتمي إلى إيران، ويضمن هذا القانون أيضًا مساواة مقاتلي الحشد الشعبي بالقوات الأمنية العراقية في وزارتي الدفاع والداخلية.
قال أسامة النجيفي القيادي العراقي السني إن إقرار قانون الحشد الشعبي "يعتبر تجسيدًا لدكتاتورية الأغلبية (الشيعية)"
والحكيم، الذي يرأس الآن دوريًا ولمدّة عام واحد التحالف الوطني -وهو الذي يتشكّل من الأحزاب والكتل الشيعية في البرلمان العراقي- سبق وأن قدّمت كتلته "المواطن" في البرلمان مقترح قانون الحشد الشعبي من أجل إقراره، إلا أن انقسامًا أجّل تمرير هذا القانون طويلًا.
اقرأ/ي أيضًا: بعد أوباما..ترامب بشرة خير لبعض ساسة العراق
غير أن ظهيرة يوم السبت 26 تشرين الثاني/نوفمبر، شهدت تمرير قانون "الحشد الشعبي" بموافقة 208 نواب من أصل 328 نائب، بعد أن مرّ هذا القانون بـ"مفاوضات ماراثونية"، وفق تعبير رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري.
ويتشكّل "الحشد الشعبي" من مجموعة ميليشيات عراقيّة أُعيد تسليح وتقوية الكثير منها عقب سقوط نحو ثلث العراق بيد تنظيم "داعش" في حزيران/يونيو عام 2014، إلا أن هناك أيضًا ميليشيات جرى تشكيلها بعد أحداث سقوط نحو ثلث محافظات البلاد بشكل درامي، وتلقّى أغلبها تدريبًا وتسليحًا من إيران، الدولة التي تلعب دورًا رئيسًا في التأثير بالسياسة العراقية.
وساعدت فتوى المرجع الديني الأعلى للشيعة، علي السيستاني، الذي دعا إلى "الجهاد الكفائي" عبر الانخراط في صفوف "القوات الأمنية" بضخّ هذه الميليشيات بالمقاتلين بعد أن تم تصوير وجود هذه الميليشيات، من خلال الأحزاب والكثير من وسائل الإعلام، على أنّها المخلص الوحيد من تهديد تنظيم "داعش" الوشيك على بغداد ووسط وجنوب العراق.
ويعترف نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق المدعوم من إيران، أنه خطّط لتشكيل الحشد الشعبي قبيل سقوط الموصل، وعدّ أنه القوّة الأكثر تماسكًا لمواجهة "التهديدات" التي تواجه العراق، ولا بد من الإشارة إلى أن المالكي يضع العراق في محور الممانعة (الشيعي) بقيادة إيران مقابل المحور الذي تقوده السعودية (السني).
ويتشكّل الحشد الشعبي من أكثر من 70 فصيل مسلّح، وبعض عناصر هذه الفصائل سبق له وأن قاتل في سوريا إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
وتنتمي الكثير من ميليشيات الحشد الشعبي إلى الأحزاب السياسية، وبعضها الآخر ينوي خوض غمار السياسة في الانتخابات المحلية عام 2017، والبرلمانية عام 2018، بالرغم من أن قانون الأحزاب العراقي يمنع الأحزاب السياسية التي تحمل السلاح من خوض الانتخابات.
اقرأ/ي أيضًا: الحشد الشعبي..الميليشيا في مواجهة الدولة
ويبدو واضحًا أن قانون الحشد الشعبي، الذي يتكوّن من 285 كلمة فقط، قد شُرّع بشكل فضفاض من أجل إيجاد صيغة قانونية لتواجد الفصائل المسلحة في المعارك، لاسيما بعد أن تم اتهامها من قبل منظمات دولية، لأكثر من مرّة، بارتكاب مخالفات كبيرة في حقوق الإنسان، من ضمنها أعمال قتل، واعتقالات، وإخفاء قسري.
الخوف الأشد لدى الشارع العراقي هو مصير هذه القوات الكبيرة المسلحة(الحشد الشعبي)، والأدوار التي ستناط بها بعد الخلاص من "داعش"
وبالرغم من أن قانون الحشد الشعبي يجعله "يخضع للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي"، إلا أنه استثنى "شرط العمر والشهادة"، وهذا ما يزيد من مخاوف "تجنيد الأطفال" الذي سبق وأن أدانته منظمة هيومن رايتس ووتش في 30 آب/أغسطس هذا العام.
وأثار تمرير قانون الحشد الشعبي في البرلمان حفيظة الأحزاب "السنيّة" في البرلمان، وهو ما مهد لانفراط "التسوية التاريخية" التي يحاول التحالف الوطني إقرارها بمساعدة الأمم المتحدة، لإعادة تنظيم العملية السياسية في العراق بما يضمن التوازن في المناصب، والالتزام بالعملية السياسية التي أقيمت بعد سقوط نظام صدام حسين في نيسان/أبريل عام 2003.
وردّ أسامة النجيفي القيادي (السني)، ونائب رئيس الجمهورية ورئيس ائتلاف متحدون للإصلاح في البرلمان على إقرار قانون الحشد الشعبي بالقول إن "تشريع قانون الحشد الشعبي يعتبر تجسيدًا لدكتاتورية الأغلبية (الشيعية) ونسفًا للعملية السياسية بعد تجاهل التحالف الوطني لمقترحات اتحاد القوى العراقية وتمريره بالفئوية العددية".
وأشار النجيفي، الذي كان يرأس البرلمان العراقي، إلى أن "المكون السني سيرفض أية تسوية مقدمة من التحالف الوطني ما لم يعاد النظر بقانون الحشد الشعبي أو التعديل عليه"، لافتًا إلى أن "اتحاد القوى العراقية سيطعن في القانون لدى المحكمة الاتحادية".
وشرح رئيس البرلمان سليم الجبوري نقاط الخلاف بشأن قانون الحشد الشعبي، وقال في مؤتمر صحافي، إن "أبرز نقاط الخلاف بشأن قانون الحشد الشعبي تكمن في وجه الإشكال ببنية القوات المسلحة العراقية وتشكيلة الحشد ووظيفته وأعداده ومما يتكون وما هو دوره بعد عملية التحرير".
ويلزم قانون الحشد الشعبي بالمادة التاسعة من الدستور، وهي التي تشير إلى مراعاة "التوازن" في صفوف عناصر القوات المسلّحة وفق المكونات العراقية، غير أن الأحزاب السنية لطالما اتهمت القيادة العامة للقوات المسلّحة بعدم مراعاة التوازن، وتحدّثت عن شعورها بـ"التهميش".
ويبدو أن أغلب فصائل الحشد الشعبي ستستمر بضرب القوانين عرض الحائط، لا سيما وأنّها الآن تقوم بهذا الدور، فبالرغم من أن المادة الثامنة من الدستور العراقي تمنع "التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، إلا أن فصائل مثل النجباء، بقيادة أكرم الكعبي، تستمر بغسل أدمغة شبّان شيعة لإرسالهم للقتال في سوريا، وهذا فضلًا عن ترديد نوري المالكي القول "قادمون يا سوريا. قادمون يا يمن"، ويضاف إليه هادي العامري، القيادي في الحشد الشعبي، ورئيس منظمة بدر، الذي أبدى استعداده للقتال في سوريا في حال الخلاص من تنظيم "داعش" في العراق.
ويمنع البند الخامس من المادة الأولى في قانون الحشد الشعبي الانضمام إلى الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية، إلا أن هذا أيضًا يبدو ضربًا من الخيال، إذ إن الحكيم، الذي ذهب إلى إيجاد تسوية سياسية لإقرار القانون يمتلك فصيلين مسلحين في الحشد الشعبي.
ويخشى ائتلاف الوطنية، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، من أن إقرار قانون الحشد الشعبي، قد يؤدي إلى "تقسيم البلاد"،
وقال النائب عن الائتلاف كاظم الشمري أن امتناع ائتلاف الوطنية من التصويت جاء "حفاظًا على وحدة البلاد من المشاريع التقسيمية"، وقال أيضًا إن "موقفنا الرافض للتصويت على قانون الحشد الشعبي نابع من إيماننا بعدم جواز تعدد الأجهزة الأمنية"، وأوضح الشمري "عبرنا عن موقفنا هذا مع جميع الشركاء في العملية السياسية وكنا نتمنى الأخذ به وعدم الإصرار على تمرير القانون من دون موافقة كتل كبيرة ومهمة في مجلس النواب".
ووفقًا لأحمد الأسدي، الناطق باسم الحشد الشعبي، فإن عدد عناصر الحشد الشعبي يبلغ 141 ألف مقاتل، يتلقى نحو 110 آلاف مقاتل منهم رواتب من الحكومة العراقية.
والخوف الأشد لدى الشارع العراقي هو مصير هذه القوات الكبيرة المسلحة، والأدوار التي ستناط بها بعد الخلاص من تنظيم "داعش"، إذ يخشى المجتمع العراقي من أن يتحوّل الحشد الشعبي من "رديف" للقوات الأمنية، إلى قوّة فوق جميع القوات الأمنية تفرض أنماط تحدٍّ من حريّة المجتمع، فضلًا عن تحوّلها إلى حارس على "الأخلاق" كما يفعل الحرس الثوري الإيراني في إيران.
اقرأ/ي أيضًا: