سمع دوي انفجار في الجانب الغربي من محافظة كركوك يوم الأول من تمّوز/يوليو الجاري، أسفر عن إصابة 21 شخصًا، وكان معظمهم من القوات الأمنية. كان الانفجار عبارة عن هجوم مزدوج بقاذفة صاروخية وسيارة مفخخة قرب مخازن صناديق الاقتراع التابعة لمفوضية الانتخابات بحسب المصادر.
لم تستقر الأوضاع الأمنية في كركوك منذ إعلان سيطرة الحكومة الاتحادية عليها في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2017، عقب استفتاء إقليم كردستان
تراجع الأمن في كركوك.. هل هو سياسي؟
لم تستقر الأوضاع الأمنية في كركوك منذ إعلان سيطرة الحكومة الاتحادية عليها في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2017، عقب استفتاء إقليم كردستان في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2017. قبل ذلك، كانت القوّات التابعة للأكراد هي المتحكّمة في المدينة وأمنها. وقد تسبّبت سيطرة الحكومة الاتحادية العراقية على كركوك وإخراج القوّات الكردية منها باضطرابات في المدينة، لكن الحكومة العراقية تحرّكت وفق صلاحيتها، خاصّة بعدما أصر مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، على إجراء استفتاء الانفصال عن العراق رغم المعارضة الدولية والإقليمية.
وقد أعلن حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق في فترة الاستفتاء، أن حكومته ستفرض "حكم العراق" على كل مناطق الإقليم. وعلى الرغم من أن محافظ كركوك الكردي نجم الدين كريم ردّ بأنه لن يسمح لأي قوّة بالدخول إلى كركوك، إلا القوّات العراقية دخلت وبسطت سيطرتها على المدينة باعتبارها مدينة عراقية، وتلاشى الحلم الكردي في قيام دولة مستقلة، وكذلك نجحت الحكومة العراقية في فرض سيطرتها على الإقليم بما في ذلك مطاراته ووارداته النفطية.
اقرأ/ي أيضًا: ترحيل قسري لنازحين عرب في كركوك يُهدد بكارثة
وما انفك المسؤولون والنواب الكرد بعد ذلك، يصرحون أن "لا استقرار ولا أمان في كركوك دون عودة البيشمركة (القوات الكردية)". ومع أن هذه التصريحات جاءت كنوع من الضغط، أو طلبًا للتفاوض مع الحكومة الاتحادية، لكنها أعطت تصورًا واضحًا عن الأمن في العراق، ومتغيراته بحسب الإرادة السياسية وظروفها.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 عن تحرير قضاء الحويجة من داعش، آخر معاقل التنظيم في شمال كركوك، لكن داعش يعاود هجماته بين فترة وأخرى على المدينة، وتكاد تكون كركوك من أكثر المدن التي تعرّضت إلى هجمات داعش بعد إعلان النصر في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2017. وكانت أكثر الهجمات التي تركت استياءً شعبيًا هي التي حدثت في 19 شباط/ فبراير الماضي، عندما نصب داعش كمينًا لمركبة تابعة لفصائل الحشد الشعبي في الحويجة، التي من المفترض أن تكون قد حررت، ما أدى إلى مقتل 17 عنصرًا منه.
ولا يقتصر الأمر على المناطق الوعرة في كركوك والتي يختفي فيها تنظيم داعش، إنما حتى في الطريق الرابط بين بغداد وكركوك، الذي شهد حوادث خطف وقتل كثيرة، آخرها في الأسبوع الماضي عندما اختطف التنظيم 8 أشخاص، لكنه أظهر 6 منهم في مقطع فيديو يساوم فيه لإطلاق سراح نساء مجندات معه يقبعن داخل السجون العراقية، إلى أن عثرت القوات العراقية على جثثهم قبل ثلاثة أيام على قارعة الطريق في كركوك.
لكن الحادثة الأغرب في المدينة، هي إقدام مسلحين في 27 شباط/فبراير الماضي على الهجوم على مقر لـ"الجبهة التركمانية" بقذيفة صاروخية، ما أدى إلى خسائر بشرية ومادية، وهي الحادثة التي لم تتهم فيها الجبهة التركمانية داعش، إنما اتهمت ما أسمته بـ"جهات مغرضة" في الوقوف وراء الهجوم. بعدها اغتال مسلحون مجهولون، مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، مسؤول الجبهة في الحي العسكري وسط مدينة كركوك، علاء الدين الصالحي.
انتخابات كركوك
أعلنت نتائج انتخابات كركوك في 15 أيار/ مايو، وكان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني حصل على المركز الأول، يليه التحالف العربي في المركز الثاني، ثم الجبهة التركمانية في المركز الثالث، بحسب النتائج التي أعلنت عنها المفوضية.
لكن هذه النتائج كانت غير مقنعة للأحزاب والكيانات المشاركة في العملية الانتخابية، ووصلت الأمور إلى أن تعلن مفوضية الانتخابات العراقية في 17 أيار/ مايو الماضي، أن عددًا من موظفيها في محافظة كركوك "بحكم الرهائن وتعرضوا للتهديد بالقتل من جهات سياسية"، ثم أشارت في البيان إلى تعرض عضو مجلس المفوضين، سعيد كاكائي، لتهديد بالقتل هو وعائلته، من قبل إحدى الجهات السياسية.
وحتى الآن، فإن الحديث الأكبر عن التزوير في العراق يجري بخصوص كركوك، حتى أن النائب التركماني عن المحافظة، حسن توران، اتهم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بـ"تزوير نتائج الانتخابات البرلمانية".
اقرأ/ي أيضًا: بعد داعش وكركوك.. المليشيات الشيعية تستحوذ على القرار السيادي في العراق
وليس التركمان فقط، وإنما عرب كركوك أيضًا، من يتهمون الأحزاب الكردية بتزوير الانتخابات، فقد دعا محافظ كركوك راكان سعيد الجبوري الرئاسات العراقية الثلاث للتدخل العاجل، ونقل صناديق الاقتراع إلى بغداد في أسرع وقت، واعتماد العد والفرز اليدوي بعدما تأكد وجود خلل في عملية الاقتراع، وأن النتائج كانت غير منطقية، بحسب تعبيره.
الحديث الأكبر عن التزوير في انتخابات العراق يجري بخصوص كركوك
ووصل التصعيد إلى أن تظاهر الآلاف في كركوك اعتراضًا على ما وصفوه بعمليات "تحايل وتزوير" في الانتخابات البرلمانية، متهمين أحزابًا كردية بتحويل أصوات الناخبين لصالحها.
ومنذ إعلان النتائج لم تستقر كركوك، وتتوالى الحوادث فيها، فداعش من جهة يشن هجماته بين حين وحين، ومن جهة أخرى يقوم مسلحون مجهولون بهجمات متفرقة يصفها مراقبون بأنها "سياسية"، كان آخرها الهجوم على مركز اقتراع ومحاولة حرق الأصوات فيه.
ولم ترجع القوى السياسية في كركوك الانفجار والهجوم الذي حدث قرب صناديق الاقتراع، إلى داعش. فقد اعتبر أعضاء مجلس النواب العرب، عن كركوك، أمس الأحد، أن الهجوم على المفوضية جاء لإخفاء "جريمة التزوير" وطمس حقيقتها. فيما اتفقت الجبهة التركمانية العراقية مع هذا الرأي وقالت إن " استهداف مخازن صناديق الاقتراع في محافظة كركوك بتفجير انتحاري، محاولة لخلط الأوراق ومنح فرصة للمزورين لإخفاء أدوات جريمتهم".
وعلى الرغم من أن الوثائق والمعطيات تشير إلى أن هناك تزويرًا واضحًا في كركوك، غير أنه لا يمكن استبعاد أن يكون داعش وراء هذه الهجمات التي تتخذ شكلًا سياسيًا، لتطوير الخلافات بين المكونات في كركوك.
تعيش في كركوك مكونات كثيرة وهي خليط من الكرد والعرب والتركمان وأديان وطوائف أخرى، وهي من أكثر المناطق العراقية تنوعًا
وتعيش في هذه المحافظة مكونات كثيرة وهي خليط من الكرد والعرب والتركمان وأديان وطوائف أخرى، وهي من أكثر المناطق العراقية تنوعًا، ما قد يكون سببًا في عدم الاستقرار في الفترة القادمة، نتيجة الصراع بين المكونات المختلفة على حيازة النفوذ والسيطرة على المدينة، مع عدم سيطرة الحكومة العراقية على الوضع هناك، الذي يزخر بالدماء والخلافات والمشاكل المستمرة بين مراكز القوى في المحافظة.
اقرأ/ي أيضًا:
العراق.. طفل بزيّ ميسي يفشل بتفجير نفسه
تقدير موقف: استفتاء كردستان العراق.. تداعياته ومستقبل الأزمة