بيرني ساندرز، سيناتور فيرمونت أو الوجه البارز لليسار الأمريكي، يعلن ترشحه من جديد لخوض رئاسيات 2020، بالولايات المتحدة الأمريكية. جاء هذا في رسالة بعثها لمناصريه، مرفوقة بمقطع فيديو يوضح فيه النوايا الانتخابية لطموحه السياسي المأمول.
قد تعطي لوهلة حالة ترامب المتأرجحة، وهفواته المتكررة، وكذا شبه العزلة التي يعيشها داخل حزبه، نظرة استباقية على من سيحكم البيت الأبيض في الولاية القادمة
يأتي قرار ساندرز في لحظة ذات خصوصية، يتأرجح فيها الشارع الأمريكي بين التمجيد، والسخط العام من سياسات الرئيس المحافظ، دونالد ترامب، الذي ارتقى على حين مفاجأة عرش الولايات المتحدة، ويواجه اليوم انحدارًا لشعبيته، فاقدًا نسبة كبيرة من مقاعده في مجلس الشيوخ، زاده تصدع مكتبه وحولًا.
اقرأ/ي أيضًا: يسار ساندرز ويسار سيريزا.. بلا تشبيه!
فما الجديد الذي يطرحه إعلان ترشح ساندرز داخل الساحة السياسية الأمريكية؟ وعلى أي أساس ينبني هذا الطموح؟ وأي منافسة تترصد سيناتور فيرمونت في مساره لتحقيق الحلم؟
سأخوض الانتخابات من جديد
"في 2016 بدأنا ثورتنا السياسية، أما الآن فقد حان وقت إتمامها وتحقيق ما نناضل له"، يصرح السيناتور بيرني ساندرز في خطاب بثه يوم الأربعاء، أعلن فيه بشكل رسمي خوضه السباق الرئاسي لسنة 2020. افتتح ساندرز ذات الخطاب بدعوة عامة، لكافة الجماهير الشعبية في أمريكا، كي تدعمه في جمع مليون توقيع، ما يخول لحملته الترشح رسميًا حسب قوانين البلاد. مضيفًا أنه، وعودة إلى حملته الأولى، كان الكل وقتها يرى في مشروعه طرحًا راديكاليًا متطرفًا، أما الآن بعد المأساة الترامبية، عرف الشعب الأمريكي حاجته في تصور كالذي يحمله إليهم من جديد.
من ترامب الذي يصفه السيناتور الأمريكي كونه أسوء رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، واسمًا إياه بالكاذب، المحتال، الميزوجيني، العنصري، المعادي للأجانب، والرجل الذي يقود "الديموقراطية الأمريكية" نحو حكم الرجل الواحد، ومن هذه الصفات، تنطلق الحاجة، كما يعبر عنها ساندرز، لرجل يوحد الشعب الأمريكي ولا يفرقه.
في المقابل لا ترتكز هذه الحملة فقط على إسقاط العبث الترامبي، يقر ساندرز، ولا على كسب رهان الترشح الحزبي، ولا على الظفر بمقعد رئاسي، بل لتحويل البلد إلى دولة تقوم على العدالة، عدالة اقتصادية واجتماعية وإثنية. وذلك بالسيطرة على المؤسسات التي بدورها تتحكم في واقع الأمريكيين، وتعمل على تأبيد واقع اللامساواة الذي يعيشه الشعب الأمريكي، والمقصود: وول ستريت، وشركات التأمين الصحية، والصناعات الطبية والعسكرية والنفطية. وفي هذا السياق يدعو المتحدث إلى مضاعفة الجهود لإنهاء الفوارق الطبقية، العنصرية والتمييز الجنسي والديني، وذلك بخلق حكومة تخدم الجميع لا المصالح الضيقة للنخب المالية. موضحًا مرتكزات تصوره الاقتصادي والاجتماعي، في الرفع من الأجور للطبقة العمالية، وتعميم التغطية الصحية على الطبقات الدنيا من المجتمع، بالمقابل إرغام الشركات الكبرى على دفع ضرائب أكثر.
الطريقة الوحيدة لكسب هذه الرهانات، يختم ساندرز خطابه، هي خلق حكومة واقتصاد يخدمان الجميع، وذلك بقيادة حركة شعبية تحقق الممكن، فـ"حتى إذا كانوا يمتلكون المال والسلطة، فنحن نمتلك قوة الشعب".
ترامب في وضع عصيب
قد تعطي لوهلة حالة ترامب المتأرجحة، وهفواته المتكررة، وكذا شبه العزلة التي يعيشها داخل حزبه قبل أن تكون داخل الساحة السياسية الأمريكية، نظرة استباقية على من سيحكم البيت الأبيض في الولاية القادمة. يستحيل الجزم في هكذا قول، بيد أن المؤشرات الأخيرة تحيل إلى انفلات الوضع الداخلي من يد الرئيس الأمريكي.
في سنة 2018 عبر الحزب الفيل عنق الزجاجة، في انتخابات نصفية اعتبرت بمثابة استفتاء على شخص الرئيس، حيث فقد فيها الجمهوريون قبضتهم على مجلس النواب، بينما تأكدت أغلبيتهم في الغرفة الثانية بشكل متواضع. صحيح، أن من عادة نتائج الانتخابات النصفية الأمريكية أن تأتي ضد الحزب الحاكم، غير أن ما يؤكد استشكال الوضعية السياسية في العهدة الترامبية، هو الجدل الذي نشب وسط الكتلة الحاكمة، في وقت تعامل الرئيس الأمريكي مع ذات الوضع بمنطق "معنا أو ضدنا"، حيث يتساوى الضدان في نظره سواء كانوا جمهوريين أو ديموقراطيين.
ولم تنته عند هذا الحد "سنة الأحلام الخطيرة" للرئيس الأمريكي، بل زادت خطورة مع صعود معارضة له من داخل حلقته المقربة، أي إدارته التي تعالت أصوات رفضها، وحتى التآمر ضده، من أجل ثنيه عن قراراته الاندفاعية.
رهانات ساندرز الانتخابية
من هكذا معطيات قد يظهر أن الوضع متاح لعودة الديموقراطيين، خصوصًا بعد صعود نجم ساندرز في الانتخابات السابقة، وضياع الترشيح الحزبي من بين يديه، بذات التراجيدية التي ضاعت من بين يدي هيلاري كلينتون سابقة أن تكون أول رئيسة امرأة للولايات المتحدة، ما حوله إلى شبه بطل مأساوي، منتظر لتخليص الشعب.
لكن الطريق أمام ساندرز ليس بذات اليسر، في مقابل كونه الوجه الأبرز في مواجهة التقليد الاقتصادي الانتخابي سنة 2016، والذي تمثل حينها في الدعم الذي تلقته منافسته هيلاري كلينتون. فإنه اليوم يسابق وجوهًا عديدة من نفس طينته، بعضهم كان من فريق الانتخابات الماضية، وجزء أكبر من ذات الفريق وقع لترشيح منافسين آخرين. ويواجه، بذات الكيفية، منافسة شرسة تمثل التيار الآخر داخل الحزب الديموقراطي.
من سيطيح بترامب؟
يحضر الحزب الديموقراطي لعودة صاخبة في انتخابات 2020، ويبرز الطموح لديه؛ كونها السنة التي سيسترد فيها مقاليد الحكم. لبلوغ هذا الهدف، يدخل السباق، إضافة إلى بيرني ساندرز، بفريق من الوجوه السياسية البارزة، متعددة المشاريع والخلفيات، عدد كبير منها نسوية وسمراء وشابة، نصب عينيها الإطاحة بترامب.
منها إليزابيث وارن، أحد القيادات النسوية اليسارية داخل الحزب الأزرق، دخلت السياسة خلال الأزمة المالية 2008، تحمل أجندة معادية لـ "وول ستريت"، وصوت جاهر بإنهاء اللامساواة الاقتصادية داخل المجتمع الأمريكي. وكذلك كامالا هاريس، إضافة إلى كونها امرأة ومن الأقليات، تعد السيناتور هاريس أحد الوجوه الانتخابية الأبرز بقدرتها الهائلة على استجلاب الدعم، والتوافق الحاصل عليها من قبل أصحاب رؤوس الأموال. تحمل مشروع ليبرالي وسطي، وهذا ما يجعلها وجهًا جديدًا ومناسبًا للساحة السياسية الأمريكية.
يأتي قرار ساندرز في لحظة ذات خصوصية، يتأرجح فيها الشارع الأمريكي بين التمجيد، والسخط العام من سياسات ترامب
من هذا الأسماء أيضًا جو بايدن، أو السياسي المخضرم داخل الحزب الديموقراطي، قيادي بإمكانيات عالية تغديها خبرة طويلة بممرات البيت الأبيض، حيث كان الرجل الثاني في البلاد خلال العهدة الثانية من رئاسة باراك أوباما. لم يؤكد ترشحه لحد الساعة، لكن الأمر يبقى وارد الحدوث. بالإضافة إلى كريستين جيليبراند، وهي وجه نسوي عرف بتضامنه الكبير مع حركة #Metoo النسوية، وبالتالي فهي مدعومة بشكل كبير من جماهير الحركة، والذين يرون فيها المدافع الأمثل عن حقوق المرأة الأمريكية.
اقرأ/ي أيضًا: ساندرز: ترامب استفاد من الغضب ضد مؤسسات الدولة
أما جوليان كاسترو، فهو حليف أوباما السابق، وسياسي بخلفية لاتينية ممكن أن تساعده على استجلاب أصوات تلك الجالية، غير ذلك فهو يشكل شخصية سياسية صامتة.
هذا ويذكر أن السباق الانتخابي الأمريكي لا زال في بدايته، ولا زالت الطريق طويلة أمام المترشحين في جمع التوكيلات، وخوض سباق قبلي هو الأشرس، أي سباق الترشيح الحزبي كما هو معهود في الانتخابات الأمريكية.
اقرأ/ي أيضًا:
غزة اليوم أمريكا الأمس.. فهود "الصحافة البيضاء" الجدد
بيرني ساندرز في مواجهة الفصل العنصري.. سيرة غير مروية لمناضل أتقن التواضع