بعد عام 2003، دأبت كل الحكومات العراقية على اختيار وزرائها عن طريق التمثيل المكوناتي الحزبي في البرلمان، لا على أساس الكفاءة والخبرة. على سبيل المثال كان في العراق، وفي زمن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وزير للثقافة والدفاع في نفس الوقت.
بدا هناك نوع من السخط على واقع المحاصصة في العراق عندما خرجت تظاهرات عام 2015 تمت ترجمته في انتخابات 2018
وقد بدا أن هناك نوع من السخط على هذا الواقع، عندما خرجت تظاهرات في عام 2015 تطالب بالخدمات وتحسين الأوضاع، وأدرك المحتجون فيها أن أساس المشكلة والتراجع وتردي الخدمات والانهيار الأمني، هو في نظام المحاصصة.
دخل التيار الصدري في التظاهرات، وهو الذي يمثل تيارًا شعبيًا كبيرًا في العراق، في تحالف واحد مع المدنيين الموجودين في ساحة التحرير، وانتقلت الشعارات والهتافات في التظاهرة إلى المطالبة بإلغاء المحاصصة واختيار وزراء "تكنوقراط"، وقد تحقق بعض هذه المطالب في 16 آب/ أغسطس. كان التيار الصدري يمتلك وزراء في الحكومة عبر وجوده البرلماني باسم "كتلة الأحرار"، وكبادرة حسن نية، تنازل عن وزرائه لصالح التكنوقراط، واستبدل الصدري طارق الخيكاني بالمسيحية آن نافع، وعين العلماني حسن الجنابي بدلًا من الصدري محسن عصفور، إضافة إلى استبدال عبد الرزاق العيسى وجبار اللعيبي وكاظم فنجان بوزراء المجلس والقانون الذين غادروا الحكومة بعد تظاهرات مستمرة، قُدم فيها شهداء ومصابون، ومختنقون بفعل الغازات المسيلة للدموع.
اقرأ/ي أيضًا: نتائج الانتخابات العراقية.. الوجوه القديمة التي لم تتعلم الدرس
بقي التيار الصدري مصرًا على مطلب التكنوقراط واستبدال وزراء المحاصصة، في كل التظاهرات التي خرج بها، والتي تنامى العداء مع إيران والصدريين بسببها، فضلًا عن المدنيين الذين لا ترغب بهم إيران لكونهم لا يشكلون بعدًا مذهبيًا، يسهل التفاهم معه من خلال الخطاب العقائدي أو الطائفي.
وفي آيار/مايو 2018، وحالما أعلنت نتائج الانتخابات العراقية، اتضحت معالم الصراع القادم، أي صراع تشكيل الحكومة والاتفاق عليها، فقد حصل تحالف سائرون الذي يضم التيار الصدري والحزب الشيوعي وقوى مدنية أخرى على المرتبة الأولى في الانتخابات، ويسعى لتشكيل حكومة "عابرة للطائفية"، لا حكومة تأتي عبر سياق التوافق السياسي بين المكونات، وزير سني وآخر شيعي وثالث كردي، وهو مطلب هذا التحالف القديم، الذي عليه أن يترجمه بعد سنوات من الاحتجاج، وبعد أن حصل على معظم الأصوات في الانتخابات.
هناك في العراق مشهد متكرر ومتفق عليه في الأوساط السياسية، فعند كل دورة برلمانية، يأتي المبعوث الإيراني لكي يلملم البيت الشيعي، ويكون قبالته بيت سني وبيت كردي أيضًا، بدعم إقليمي سعودي في اتجاه وتركي في اتجاه آخر، ليكتمل مشهد المحاصصة الطائفية والإقليمية. لكن هناك آمال أن يختلف الأمر في هذه المرة، من نواح عديدة، فصعود تحالف "سائرون"، والأحداث الإقليمية وتداخلها في العراق، غيّر من الأمر كثيرًا، إضافة إلى إصرار الصدر على تشكيل حكومة بعيدًا عن المنهج التقليدي الذي اعتاده العراقيون ما بعد الغزو الأمريكي 2003.
وقال مقتدى الصدر، في تغريدة عبر حسابه الرسمي في تويتر: "إننا (سائرون) بـ (حكمة) و(وطنية) لتكون (إرادة) شعبنا مطلبنا ونبني (جيلًا جديدًا) ولنشهد (التغيير) نحو الإصلاح وليكون (القرار) عراقيًا فنرفع (بيارق النصر)، ولتكون (بغداد) العاصمة (هويتنا) وليكون (حراكنا الديمقراطي) نحو تأسيس حكومة أبوية من (كوادر) تكنوقراط لا تحزب فيها".
وما بين الأقواس إشارة إلى أسماء القوائم المتنافسة والصاعدة في الانتخابات، حيث ينوي الصدر أن يتحالف مع تيار الحكمة الذي يرأسه عمار الحكيم، و"ائتلاف الوطنية" بزعامة إياد علاوي، و"إرادة" التي ترأسها حنان الفتلاوي، كما عبّر في التغريدة عن نيته التحالف مع "حراك الجيل الجديد" الذي يترأسه الكردي الشاب شاسوار عبد الواحد، إضافة إلى كتلة "التغيير" الكردية، وتحالف "القرار العراقي" برئاسة أسامة النجيفي، رئيس مجلس النواب الأسبق، كما ينوي أن يتحالف مع "بيارق الخير" التي يرأسها خالد العبيدي، وزير الدفاع السابق من الموصل، وتحالف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وتحالف "بغداد" برئاسة محمود المشهداني، والحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البرازاني، وكتلة "الكفاءات" برئاسة هيثم الجبوري، من بابل.
استبعد الصدر من قائمة التحالفات المحتملة الأحزاب المقربة من إيران ونوري المالكي
لكنه في هذه التغريدة التي أعلن فيها عن شكل تحالفاته المقبلة، استبعد تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون والاتحاد الوطني الكردستاني، وهي الأحزاب المقربة من إيران، والذين يمتلكون علاقاتهم الخاصة معها، إضافة إلا أن مراقبين يعتقدون أن القوائم المذكورة ليست كلها ضمن اهتمامات الصدر في تحالفه، فربما يكون ذكر بعض الأسماء للمناورة السياسية، لكن الأهم هو إبعاد إيران من معادلته.
وقال مصدر مطلع لـ "ألترا صوت"، إن قاسم سليماني جاء إلى العراق وحاول اللقاء بالصدر، لكن الأخير رفض، وأضاف أنه "حاول اللقاء بالعبادي أيضًا، لكن العبادي ادعى أنه منشغل ولم يلتق به"، مشيرًا إلى أن "هناك مشاكل إيرانية أيضًا مع عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة"، الذي أعلن عن تحالف مع الصدر في مؤتمر صحفي عقد بين الحكيم والصدر أمس، وقال فيه: نريد تشكيل "حكومة تكنوقراط".
اقرأ/ي أيضًا: مقاطعة الانتخابات العراقية.. مواجهة سلمية ضد محاصصة ما بعد الغزو الأمريكي
ومع حجم الآمال الموجودة، تظل هناك مخاوف من تدخل سعودي في تشكيل هذا التحالف، خاصة أن الرياض تحاول استغلال أي ساحة في معركتها مع إيران. وقد أثارت تغريدة على الحساب الرسمي لثامر السبهان، السفير السعودي السابق في العراق ووزير الدولة لشؤون الخليج العربي، هذه المخاوف بشكل كبير. حيث قال تعليقًا على تغريدة الصدر: "فعلا أنتم (سائرون) (بحكمة) و(وطنية) و(تضامن) واتخذتم (القرار) (للتغيير) نحو عراق يرفع بيارق (النصر) باستقلاليته وعروبته و(هويته) وأبارك للعراق بكم".
وقد وُجه سؤال للصدر لاحقًا عما تضمنته تغريدة السبهان، لكن الأخير أجاب بالقول إن "قرارنا عراقي كما عهدتمونا"، في إشارة إلى إبعاد السعودية أيضا من معادلة الصدر. علمًا أنه قد سبق للسعودية استضافة الصدر، ومحاولة احتوائه بالكامل.
ليس هذا وحسب، إنما شدد في تغريدة عبر تويتر، على ذلك مجددًا وقال إن "قرارنا عراقي، من داخل الحدود"، مبيناً أن "الجميع شركاء، لا أمراء، ما داموا غير محتلين لبلدنا"، في إشارة للتدخلات الخارجية. وتابع: "كلا للاحتلال، كلا للهيمنة".
ولم يرفض الصدر التدخل الإيراني والسعودي فقط، إنما وصل إلى أن يصف استمرار تدخل المبعوث الأمريكي في الشؤون العراقية، بأنه يجعل من وجوده قبيحًا.
تغريدة السبهان، والأنباء التي تحدثت عن وجود سليماني في العراق، جعلت بعض الشباب في فيسبوك ينطلقون بهاشتاغ بعنوان "#لا_سبهاني _ولا_سليماني" في إشارة إلى رفض قاسم سليماني وثامر السبهان، ثم لحقوه بهاشتاغ آخر بعنوان "#قرارنا_عراقي"، وهذا حراك لمناصرة الصدر في إصراره على تشكيل حكومة "تكنوقراط"، بعيدًا عن عقدة التوافق التي تهيمن على المشهد السياسي منذ 15 عامًا، خصوصًا بعدما أشار في تغريدة له، إلى أنه مهدّد.
مصدر خاص لـ "ألترا صوت": الصدر رفض استقبال قاسم سليماني
حصول الصدر على المرتبة الأولى في تحالفه سائرون، وتعليقاته عن إبعاد النفوذ الأمريكي والإيراني والسعودي، هو الذي جعله في تهديد، حسب ما يقول مراقبون، إذ إن مجمل المصالح الإقليمية لا تتوافق مع تشكيل حكومة وطنية مستقلة عن التجاذبات في المنطقة.
وألمح الصدر في تغريدة عبر منصة تويتر أيضًا إلى هذه التهديدات، وقال إن "فوزنا أزعج الكثير، ونحن ماضون بالإصلاح ولن نتنازل"، مطالباً أتباعه بـ"الفاتحة والدعاء" في إشارة الى إمكانية قتله. وأضاف الصدر: "أقول لهم، خذوا المناصب والكراسي، ودعوا لي الوطن"، مذيلًا التغريدة بوسم "سلامة العراق واجبي".
وجعلت تغريدة الصدر الأخيرة أتباعه في حالة فوران ضد إيران خاصة، وصاروا يطلقون التهديد تلو الآخر، لكنه رد عليهم في تغريدة بأن "دول الجوار أصدقاء لا أعداء"، ما جعل الأمور أقل وضوحًا، ومفتوحة على أسئلة كثيرة.
اقرأ/ي أيضًا:
في 2000 كلمة.. ماذا يحدث في الانتخابات العراقية؟
"الدعاية السوداء" في الانتخابات العراقية.. المال في خدمة الطائفية والفساد