خريف عام 1917. بلدة ريفية. في المدرسة الثانوية للبلدة، يتم الاستعداد لاحتفال ينظمه أستاذ وطني، بالتزام من زوجة رئيس البلدية تجاه جرحى الحرب. بعد ذلك بقليل، يصل إلى محطة القطار مجنَّدون شباب، معظمهم بمفردهم، والآخرون برفقة آبائهم القلقين والمحبطين، فلقد سبق للحرب أن حرمتهم من ابن، أو ربما اثنين، ولا زالت لا تتوقف عن ابتلاع وطحن حيوات جديدة.
على الرغم من الثورة الروسية، ومن التمردات والإرهاق الناتج عن ثلاث سنوات من الصراع، إلا أن الحرب مستمرة. يحاول بعض الوجهاء تشجيع القوى الشعبية، خشية اضمحلال طاقة الوطنية: لم يعد هناك الكثير، إنها مسألة أشهر فقط، وستستسلم ألمانيا في النهاية. شعارات كاذبة، شعارات معروفة جيدًا، يرددها لأشهر نفس القوميين القابعين في المؤخرة، لا يجازفون بشيء، ويعرفون كيف ينتعشون في حال الهزيمة كما في النصر. بالنسبة لهم، تستمر الحياة، بعيدًا عن حقيقة المعارك التي لن يعرفوها أبدًا، والتي تبعد عنهم بسنوات ضوئية. تصل الرسائل من الجبهة للبعض دون البعض: أولئك الذين لا يتلقون أي شيء قلقون، والذين يتلقونها لا يحبون ما يكتشفونه: عدم الانضباط، الخلاف، الكراهية.
يفضل لويس جييو الصورة التعبيرية على اللوحة الجدارية التاريخية. إن فرنسا التي قدمها لنا، تشبه من الخلف لوحة رسمها إيغون شيلي أو ماكس بيكمان أو أوتو ديكس
تتحدث نخبة البلدة باستياء. الجو مرتبك، التفكك يصعب إخفاؤه. تظهر مقدمات فناء لن يحدث: تقع اشتباكات أمام المحطة، لا تمنع القطارات من التوجه إلى الجبهة. يتخاصم الأعيان، يتعاركون، يعدون بعضهم البعض بمبارزات لن تحصل. لن يكون هناك فداء أو إدانة، "ليس الشيء الأكثر حزنًا أنك تموت، وإنما أن تموت مشوشًا"، ثم ينتهي كل شيء بمشهد غامض، بشع ومأساوي، مثير للشفقة بقدر ما هو كوميدي. أربع وعشرون ساعة تكفي لإدانة كل شيء: خيانة الحياة والرجال، حكم الرجال الأجواف، الرجال المحنطين، كما وصفهم تي إس إليوت. السطحية والأكاذيب، انتصار الطمع والخداع.
يفضل لويس جييو (Louis Guilloux) الصورة التعبيرية على اللوحة الجدارية التاريخية. إن فرنسا التي قدمها لنا، تشبه من الخلف لوحة رسمها إيغون شيلي أو ماكس بيكمان أو أوتو ديكس. كل شيء مشوه، قبيح، صارخ. وحيث، بالنسبة للشخصيات، يتوج الجمال، لا يسود في الحقيقة سوى الفن الهابط - الداخل البرجوازي للأستاذين نابوسيه وبابينو، على سبيل المثال. الرجال والنساء المهتاجون في هذه الرواية ليسوا وحوشًا، لا، إنهم بشر، للأسف الشديد. لقد قام الكاتب فقط بتضخيم التناقضات والرذائل في شخصياتهم، لقد أفسح المجال للكاريكاتير والمبالغة، ليس بسبب نقص الذوق، ولكن من أجل الدقة النفسية. أثارت الحرب سخط تقاليد الزمن الجميل، ودفعت الرجال إلى هواجسهم، ضغطت وسحقت، حتى لم تعد تظهر من صورة البلدة الريفية هذه سوى مناظر بشعة ومروعة.
الدم الأسود (Le Sang noir) أو "Blood Dark" كما تمت عنونتها في نسختها المترجمة إلى الإنجليزية، هي رواية "المؤخرة". تظهر الكوميديا البشرية هنا كمهزلة سوداء، في وسطها شخصية رائعة، فرانسوا ميرلين، المعروف باسم كريبور. لا أعتقد أن الأدب الفرنسي في أوائل القرن العشرين أنتج العديد من الشخصيات في مثل حجمه أو قوته.
حصل الأستاذ ميرلين على لقبه من خلال تدريس فلسفة كانط لأجيال من الطلبة في المدرسة الثانوية للبلدة كتاب "نقد العقل المحض". لقب كريبور إذن هو مزج بين كلمتي Critique وPure، سيكشف الطالب الشاب الساخر للقارئ، في الثلث الأول من الرواية، أصل هذا اللقب. إذا سخر جزء كبير من الأعيان ومن زملائه وطلابه منه، فهذا بسبب مظهره الغريب. إنه متسخ، يرتدي ملابس سيئة، ويعيش مع عاهرة سابقة في كوخ فقير. يمشي ببطء بعصا. هناك وجه شبه بين كريبور وبين ليوتو الذي يبرز في النهاية، ومقابلاته الشهيرة مع روبرت ماليت. ليوتو الذي يعيش في حالة يرثى لها، وسط حيواناته الكثيرة. يعاني كريبور من وجوده، ومن ندمه، ومن عالم السفلة الذي يحيط به ويهدده. في المدرسة الثانوية، لا يسيطر على طلابه. البلدة كلها تبتسم بشكل غير سوي مثل مصاب بالذهان، معتبرة كريبور كائنًا ملعونًا. نشر كريبور في شبابه، عددًا قليلًا من الكتب ذات المكانة الفكرية العالية، كما أنه تعلم اللغة السنسكريتية. كان سيصبح عالمًا، أستاذا لامعًا، وربما كاتبًا كبيرًا. في بلدة ريفية مثل تلك التي تدور فيها أحداث هذه الرواية، يعتبر كريبور، الرجل الأكثر ذكاءً والأكثر ثقافة و"الأقل قيمة" في نفس الوقت. إن عمله العظيم، الذي لم يره أحد غيره، موجود في كومة من الأوراق على مكتبه: كرستوماتيا اليأس. هذا العنوان الفخم له تأثير كوميدي بالطبع، ومع ذلك سيكون التوقف عنده مضللًا. كريستوماتيا هي شكل من أشكال أنطولوجيا، تستخدم لتعلم اللغة. يجمع كريبور في كتابه كل خبرته وكل ثقافته في لغة خاصة به، لغة اليائسين. هناك شيء من الكاتب الفرنسي ليون بلوى في هذا العنوان، تمامًا مثلما يوجد شيء من الشاعر مارشينوار (Caïn Marchenoir) في كريبور. مارشينوار ملحد، مارشينوار دون وعد بالفداء، مارشينوار دون حقائق غيبية. يجسد كريبور ومارشينوار ذكاء هزمه العالَم، ذكاء هَزم نفسَه. إنهما يتشاركان نفس الشعور المرضي بالظلم والاضطهاد، وسيكونان في طليعة المفكرين الشهداء الذين استهزأَ بهم عصرهم. بعض الشخصيات تحترم أستاذ الفلسفة (كريبور) على الرغم من الحالة المزرية التي آل إليها أمره: طالب أو اثنان من الطلاب السابقين، يريدان فهم الأسباب العميقة التي أدت إلى تدهور أحواله، إلى سقوطه. وهذا ما يود القيام به كذلك المشرف الشجاع موكا والنائب فوريل، أحد الأعيان النادرين من ذوي القيم العليا، والذي يضعف حضوره وذكاؤه وإحسانه، حملة لويس جييو الممنهجة المناهضة للبرجوازية. شخصية كريبور المتطرفة، والمستوحاة من شخصية حقيقية، جورج بالانت (Georges Palante)، أحد أساتذة جييو. كما قلت أعلاه، لم يتم تقديم شخصية كريبور بشكل واقعي، فهي تجسد الإفراط، والمبالغة، البشاعة وإثارة الشفقة عند نقطة انصهارهما. إن العيوب التي تعاني منه هذه الشخصية تمنحها كل قوتها: يلاحظ في كريبور سقوط الإنسانية. ليس سقوط المحتال أو المجرم أو القاتل، ولكن شيئًا أكثر إيلامًا: سقوط الرجل الصالح، رجل المبادئ، الرجل المتفوق: لدى كريبور ابن، اكتشف وجوده متأخرًا، ولكنه غير متأكد من أبوته له. وله أيضًا عشيقة تخدمه في "طاعة" والأهم من هذا، من أجل المصلحة. إنها تخدعه مع الجار، الذي يتطلع إلى المدخرات التي جمعها بالضرورة مدرس في الثانوية، قليل النفقة. لديه زملاء كلهم تقريبًا يحتقرونه. الأخطر هو نقيضه بالضبط، نابوسيه، الذي سأعود إليه لاحقًا. لقد تمكن كريبور من تكوين تلميذين نادرين، عقلان استثنائيان يريان فيه معلمّا. إنه يتشاجر معهما عند محادثته لهما، دون أن يدرك مدى سقوطه. لا يمثل كريبور الفنان الذي أسيء فهمه، الدافع المستنفَد للرومانسية، إنه يجسد المفكر الذي سقط، ولا يرجى صلاحه. إن سبب تقهقره يعود إليه، وإلى المجتمع بشكل أكبر.
في رواية "الدم الأسود"، يمكن اعتبار كريبور صوتًا نشازًا في بيئته. لا يقمعونه جسديًا لأنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه الأفضل. يضحكون عليه في الخفاء، متخذين من ازدرائهم له موضوع نقاش، ومادة للترفيه
مقابل كريبور، يقف مجتمع التعاقدات. كانت المدرسة الثانوية، في ذلك الوقت، مكانًا للأعيان، حيث يتحدث المرء مع النائب، ويدعو رئيس البلدية، ويحتفل بالجنرال. إنها مسألة الحفاظ على مرتبة المرء، وإظهار نفسه على قدم المساواة مع المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية.
يمكن اعتبار كريبور، في هذه البيئة، صوتًا نشازًا. لا يقمعونه جسديًا -نوع من "التسامح"- لأنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه الأفضل. يضحكون عليه في الخفاء، متخذين من ازدرائهم له موضوع نقاش، ومادة للترفيه. يجسد مدرسان عيوب هذا المجتمع المنغلق: نابوسيه وبابينو. نابوسي هو عكس كريبور تمامًا. نظيف جدًا، شيخ أعزب، بدين، متحذلق، ماكر، مخادع، مزيج من العفة الحسية والانحراف الأخلاقي، واجهة من اللطف تخفي صرحًا من الدناءة، يلخص نابوسيه في شخصه كل نفاق البرجوازية المتصنعة، المتكلفة. الغلو هو وجه الشبه الوحيد بين نابوسيه وكريبور. يجتمع في نابوسيه الاهتمام الشديد بالمظاهر -"ما سيقوله الناس"- والسيطرة المسعورة على الذات ورغباتها. لا شيء عفوي وصادق في ما يقوم به، كل شيء محسوب. يضع نابوسيه احترامه المسعور القروي لما تعاقد عليه مجتمعه في خدمة وصوليته ونذالته. هل لديه حياة داخلية؟ أفسد مظهره جوهره. من هذا المنطلق، فإنه يعتبر نقيض كريبور، الذي أفسد جوهره مظهره. أجد نابوسيه أسوأ من السيد وين، بطل جورج برنانوس، الذي يذكرني به في بعض الأحيان. يجسد نابوسيه الباطل والإنكار والنفاق. إذا كان برنانوس قد رسم الشر من خلال الفراغ، فإن جييو قد رسمه من خلال الفائض. من المؤكد أن كريبور ليس ودودًا ولا ممتعًا ولا مثيرًا للإعجاب. لكن إذا ما قورن بنابوسيه، فإنه يبدو بطلًا، حتى ولو كانت بطولته أشبه ببطولة دونكيشوت. الأستاذ الآخر، الذي يطور سمات لا يمتلكها نابوسيه، هو بابينو. إنه يجسد ببغاء البرجوازية الأحمق. بدلًا من أن يسعى ليحقق ذاته، يسعى بابينو للظهور. إنه يريد أن يرقى إلى مستوى اللحظة، إلى مستوى زملائه، إلى مستوى رأي المجتمع فيه. طريقته في المساهمة في المجهود الحربي؟ يجمع البنادق لنفسه. طريقته في إثبات دعمه للجيش؟ يجمع الحكايات البطولية المجيدة التي يسمعها من الجنود في فترة إجازتهم، ثم يسارع إلى التحديث بها، ناسبًا إياها إلى ابنه المُجنَّد. بابينو هو من أسماه إليوت بالرجل الأجوف. إنه يجسد خطابًا فارغًا، وأبهة مزيفة، ومجدًا كاذبًا. إنه رجل آلي يضرب على الطبلة أمام مشوهين. يهنئهم على شجاعتهم، وعلى وجهه ابتسامة عريضة وغبية. كلما توالت أحداث الرواية، كلما أصبحت شخصيته أكثر وضوحًا، وتعمق غباؤه أكثر. ستتم معاقبة غبائه، هذه العقوبة المعروفة للنائب ومدير الثانوية والقارئ: مات ابنه، أطلق عليه الرصاص بسبب تمرده. وسيكون أبوه (بابينو) آخر من يعلم.
لقد تناولت هذه الشخصيات الثلاث، لكن هذه الرواية الطويلة تضم العديد من الشخصيات الأخرى، التي لن تكون لدي مساحة كافية لذكرها: نقيب حريص على الشرف العسكري، وبه هوس شديد لممارسة الجنس مع اليتيمات الصغيرات، ومديرة بنسيون عجوز تعشق أحد النزلاء، بولندي جذاب ومتلاعب، مشرف أحمق إلى حد ما، كل ما يشغله هو لصق الطوابع على الصحون.. إلخ. مجتمع كامل، معرض لا نهاية له. الحبكات الثانوية التي تشبع النص، منها المسلي، والمزعج، والحزين. الشاب الألزاسي، سجين الفرنسيين لمدة ثلاث سنوات، المستخدَم في مطابخ الثانوية. مدير الثانوية، الذي يحاول إنقاذ ابنه، المحكوم عليه بالإعدام رميًا بالرصاص، ولكنه يفشل في عكس مسار القدر. يحتوي عالم هذه الرواية على تنوع الوجود، كما أنه يعبر عن عدم وضوح المعالم، عدم التحديد: يستحيل الشر هزلًا، والكوميديا تراجيديا، والوضوح مراوغة. إذا كان جييو قد امتنع عن الحكم والتنظير -على الرغم من وجود أستاذ الفلسفة كريبور في رواية الدم الأسود، إلا أنها رواية لا تفكر كثيرًا- فإنه لا يتوقف عن الكشف والتدليل، من خلال المشاهد التي تظهر تحت ريشته: عالَم الريف، المفكر الذي سقط، وكوميديا المظاهر.
على سبيل المثال، بين الدرسين، يسير الأساتذة في الفناء، في صف واحد، مثل جنود صغار طيبين، مستمعين إلى ثرثرة بابينو عن الوطنية، ونصائح نابوسيه "النهائية". تنبثق من هذا المشهد المدرسي روح الثكنات والقيود والتمسك المقلِّد والمصطنَع بالالتزام العسكري للدولة! القصة مليئة بالتفاصيل، مثل الكلاب الأربعة لـ كريبور وعشيقته، الذين يبرِّر دورُهم المركزي وغير الطوعي في الخاتمة وجودَهم طوال العمل.
تم اعتبار رواية "الدم الأسود" من قبل قراء عصرها المعجبين (أندريه جيد، مالرو، كامو) بمثابة رواية شعبوية، هجومًا على البرجوازية، على شاكلة أعمال أوجين دابيه أو لويس فرديناند سيلين
في البداية، ولأن الحبكة تتكشف ببطء، لا يدرك القارئ على الفور نطاق القصة. إنه لا يدركها إلا عندما يواجه مشهد أعمال شغب، يقوم بها المجندون؛ فيطلب نابوسيه، بصوت عالٍ وواضح، عقوبة مثالية لهؤلاء التعساء. لم يَسَعْ كريبور، الموجود بجانبه إلا أن يصفعه بعنف ويشتمه. الأمر الذي دفع بنابوسيه، الغاضب، إلى دعوته للمبارزة، وهو طلب هزلي وبشع بالنظر إلى الحالة الجسدية والعقلية للجاني. صفعة كريبور هي فكرة خارقة للعادة، لأنها تُعَبِّر بحركة واحدة عن الاستياء المشروع في مواجهة التعبير عن أبشع أنواع الغباء اللاإنساني. كريبور، الذي ساعد، قبل بضعة فصول، بابينو السخيف، حين أسيئت معاملته من قبل المجنَّدين، غفر له القارئ ذلك بعد صفعه وشتمه نابوسيه. إنه رد الفعل البشري الوحيد الممكن في عالم من الدمى والفزاعات المحشوة بالقش. للأسف، سيكون لهذا عواقب وخيمة، مستوحاة من الأيام الأخيرة لنموذج كريبور، وهو جورج بالانتي (1862-1925).
لقد تم اعتبار هذه الرواية من قبل قراء عصرها المعجبين (أندريه جيد، مالرو، كامو) بمثابة رواية شعبوية، هجومًا على البرجوازية، على شاكلة أعمال أوجين دابيه (Eugène Dabit) أو لويس فرديناند سيلين. ولكنني أراها تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. لا علاقة لسقوط كريبور بالكوميديا البرجوازية: إنه رجل يفتقر في اللحظات الحاسمة إلى الحظ وقوة الشخصية والثقة وروح اتخاذ القرار. هزم كريبور نفسه قبل أن يهزمه المجتمع المحلي الضيق الذي عاش فيه. إن المرارة والاستياء والندم، وفوق كل شيء، الإدراك الشديد لعدم أهميته، أمور وجهت إليه ضربات أشد وأقسى من خداع ومكر نابوسيه. حزنه، وجهه الغريب، وضعه المثير للشفقة، أشياء تجعله تجسيدًا للتناقض الأصيل للإنسانية، الانجذاب إلى العظمة والتذلل، إلى النصر والكارثة. كريبور عظيم حتى في سقوطه. لقد فهم أفضل تلاميذه، الذي أصيب بخيبة أمل بعد نقاشه الأخير معه، أن سقوط الإنسان لا يسلب عظمته. إن سقوطه في بؤسه الكوميدي المتناقض، أضفى على الرواية المزيد من الجمال. إنه يثير في نفوس الطيبين القلائل في البلدة، وفي نفس القارئ، الشعور الوحيد الذي يستحق العناء، الرحمة.
تميّزت هذه الرواية بالكاريكاتور، بالغلو والإفراط، برفض روح الثكنة، التي كانت مستشرية في عام 1917، بالوقوف في وجه روح القطيع ذاتها التي حاربها جورج بالانتي طوال حياته. بثورة الروح. إن معنى ما حدث لكريبور هو التالي: سقوط الرجال الطيبين ممكن دائمًا، عندما يواجهون، بكل شكوكهم وكل رذائلهم، الغباء الهائل غير القابل للتغيير. لا يوجد وقت للسخرية، لأن هذه المهازل لا تثير الضحك بل الشفقة. إنها توقد في أعماق نفوس القراء، وفي قلب ظلام مجتمع الحرب، شعلة من الطيبة والتمرد.