بدل الانكباب على معالجة المشاكل التي تغص بها البلاد، ارتأى "نواب الأمة" في المغرب استغلال انشغال المغاربة بمباريات كأس العالم لكرة القادم المقام في روسيا، لتمرير قوانين تخدم مصالحهم الذاتية، حيث تستعد الحكومة لتمرير قانون جديد يحمي معاشات البرلمانين.
توقف صرف معاشات النواب البرلمانيين منذ تشرين الأول/أكتوبر من السنة الماضية بعد إفلاس صندوق الوطني للتقاعد والتأمين
وكان قد توقف صرف معاشات النواب البرلمانيين منذ تشرين الأول/أكتوبر من السنة الماضية بعد إفلاس صندوق الوطني للتقاعد والتأمين، لتضع الحكومة أخيرًا مقترح قانون يقضي بإنقاذ معاشات "ممثلي الأمة"، وقعت عليه جل الأحزاب المغربية، حكومة ومعارضة، بدءًا من فريق حزب العدالة والتنمية وفريق التجمع الدستوري وفريق الحركة الشعبية، إلى فريق الاتحاد الاشتراكي والفريق الاستقلالي ومجموعة التقدم والاشتراكية.
اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. نحو إلغاء مجانية التعليم العمومي!
وأثار هذا القانون استغراب الناشطين والعموم على حد سواء، نظرًا لما يتضمن من بنود غريبة، إذ علاوة على تثبيت حق التقاعد للبرلمانيين الذين يقومون فقط بمهمة تمثيلية لمدة محدودة، فإنه يعفي مرتبات معاشاتهم من الضرائب، ويحصنها ضد أي إجراء قضائي، وأكثر من ذلك يلزم ميزانية الدولة الممولة من دافعي الضرائب بالمساهمة في معاشات "السادة النواب".
وقد خلف ذلك غضبًا عارمًا وسط الرأي العام المغربي، الذي كان ينتظر إصلاحات تقلل أجور الوزراء والنواب الخيالية وتعويضاتهم السمينة في وقت يعيش فيه الشعب حالة تقشف، فإذا به يصدم بمقترح قانون يثبت معاشات البرلمانيين. وغصت شبكات التواصل الاجتماعي بمنشورات المنددين بهذا الإجراء، واصفين إياه بكونه خطوة أخرى "لتكريس الفساد وشرعنة الريع السياسي عبر القانون".
كما اعترض أيضًا بعض النواب القلة على الوصفة القانونية التي توشك الحكومة على تمريرها، منهم النائبان عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، اللذان تقدما بمقترح قانون آخر ينص على الإلغاء الكامل لتقاعد البرلمانيين، إلا أنه من غير المرجح أن ينجح هذا الأمر، إذ لا يملكون سوى أصوات برلمانية ضئيلة في صفهم.
وفي هذا السياق، يقول النائب مصطفى الشناوي، إن "الموظفين والعاملين لهم نظام معاش خاص بهم، بعد انتهاء مسارهم المهني المديد، أما في حالتنا، فنحن في مهمة نيابية، وهي مهمة عمومية نتلقى عنها تعويضا للقيام بها على أحسن الأحوال، وليست عملًا مأجورًا يجب أن يترتب عنه معاش بعد 5 سنوات من ممارسة المهمة البرلمانية".
وبعكس ما هو مفترض لصفة "البرلماني"، كممثل سياسي يهتم بالمصلحة العامة خلال فترة محددة من الزمن مقابل تعويض مقبول يضمن استقلاليته والقيام بمهمته بجدية، يعتقد "نواب الأمة" في المغرب أنهم بصدد وظيفة رفيعة في ملكيتهم، تستوجب رواتب خيالية وتعويضات مضخمة وتقاعدًا مريحًا، دون أي اكتراث بمصالح الطبقات الشعبية.
وتعتبر قضية أجور البرلمانيين وتعويضاتهم وامتيازاتهم ومعاشاتهم، بحسب مراقبين، إحدى مظاهر "الريع السياسي المشرعن عبر القوانين"، التي تظهر مدى سوء توزيع الثروة وفساد النخبة السياسية، حيث يفوق مجموع مصاريف الوزراء و"نواب الأمة" المغاربة، باحتساب أجورهم وتعويضاتهم وتقاعدهم، ما ينفق على وزراء وبرلمانيي بلدان أوروبية غنية، مثل فرنسا وبلجيكا، حسبما كشفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية في إحدى تحقيقاتها الصحفية.
اقرأ/ي أيضًا: هل يحتاج المغرب إلى ضرائب جديدة أم إلى إصلاح ضريبي؟
وبينما تسعى الحكومات في بلدان العالم إلى تقليل نفقات دافعي الضرائب على السياسيين، مثل تونس التي خفّضت رواتب وزرائها ونوابها سنة 2014، بالإضافة إلى فرنسا، وكرواتيا التي لا يتعدى راتب رئيس وزرائها 3 آلاف دولار، وهو أقل بضعفين من راتب وزير مغربي، يذهب البرلمانيون المغاربة في منحى آخر نحو تضخيم نفقات الدولة لصالحهم، في وقت يعيش فيه المجتمع وضعًا حرجًا اقتصاديًا واجتماعيًا.
خلّف القانون غضبًا عارمًا وسط الرأي العام المغربي
ويطلق نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في كل مرة يثار فيها موضوع أجور البرلمانيين وتقاعدهم، حملات شعبية لتخفيض أجورهم وإلغاء معاشاتهم وتعويضاتهم، باعتبارها "غير مستحقة"، و"تكلف الدولة ميزانية ضخمة"، لكن مراقبين يرون أنه من الصعب أن تصل مثل هذه الدعوات الشعبية إلى قبة البرلمان بغية تنزيلها على أرض الواقع، إذ إن النواب البرلمانيين المشرعين هم أنفسهم "المستهدفون" في الموضوع، ولا يظهر أن هناك رغبة لدى الأغلبية البرلمانية للتضحية بمصالحها الخاصة.
وهكذا تحاول الطبقة السياسية المغربية تعزيز رفاهها وتوسيع رقعة امتيازاتها، بمقترح القانون الجديد المتعلق بالمعاشات، في وقت تعيش فئة واسعة من الناس في مستنقع الفقر والبطالة وغلاء الأسعار، ويعاني فيه المواطنون من نقص في المستشفيات، فضلًا عن المديونية الثقيلة للبلد، الأمر الذي يفند مصداقية ادعاءات مختلف الأحزاب المغربية حكومة ومعارضة بمحاربة الفساد، في حين عليهم أولًا محاربة فساد أنفسهم، كما يقول بعض المعلقين.
اقرأ/ي أيضًا: