لا يكون الخروج عن النص بخروج الممثل عن كلمات النص فقط، ولكن بالخروج عن تصنيفاته للأبطال، وللأدوار الثانوية والأساسية. والدراما السورية عرفت خلال السنوات الطويلة، وتميزت بأدوار جاءت من الخلف، فأنجزت ما لم ينجزه الأبطال، أو تساوت معهم. ومنهم من لم يحز في مسلسلات كاملة سوى على مشاهد قليله، لكنه استطاع من خلالها إثبات نفسه وقدراته.
لم يقتصر تميز الشخصيات الثانوية، على إبداع ممثليها، ولكن النص السوري تميز لفترات طويلة، بالتخلص من عقدة البطل الواحد، وعقدة ربط أهمية الشخصية بعدد المشاهد التي تعطى لها. وفي هذه المقالة نقدم أبطالًا جاؤوا من الخلف، وبقوا في ذاكرة كل من شاهد هذه المسلسلات.
تميزت الدراما السورية كثيرًا، ولفترات طويلة، بالتخلص من عقدة البطل الواحد
اقرأ/ي أيضًا: جمال سليمان: السوق لا يريد أن يتحدث عن سوريا
1- أبو ليلى في "غدًا نلتقي"
لمسلسل "غدًا نلتقي" (تأليف كل من إياد أبو الشامات ورامي حنا- 2015) ميزات كثيرة، كُتب عنها كما لم يكتب عن مسلسل عربي من فترة طويلة، غير أن واحدة من الميزات الأهم له، كانت في تركيب الشخصيات وموقعها من القصة. فتبدو بعض الشخصيات للوهلة الأولى زائدة عن حاجة السيناريو، لكنها تبدو مع انكشاف القصة شخصيات ذات بعد رمزي ضروري ومهم، وشخصية أبو ليلى التي لعبها تيسير إدريس مثال واضح.
أبو ليلى الذي كان ثائرًا من ثوار اليسار في منظمة التحرير الفلسطينية، وكان سبب دمار عائلته فيما بعد، بعد نهاية الثورة الفلسطينية، فسرق أموال ابنه، وانفصل عن زوجته اللبنانية، وراهن على قوت عائلته في ألعاب قمار خاسرة، وكأنه الفدائي الذي خسر لبنان الزوجة، واليسار الفلسطيني الذي راهن رهانًا خاسرًا على قضيته وأبنائه من أجل أنظمة باعته لاحقًا، بعد أن تاجرت بقضيته وقضية أبنائه.
شخصية أبو ليلى، تجديد في رصد الدراما العربية والسورية تحديدًا للفلسطينيّ، شخصية فيها رصد جريء وصادق. لقد صنع إياد أبو الشامات شخصية أساسية بأدوار قليلة، وحولها تيسير إدريس إلى شخصية بطل يجيء من الخلف، ويظل عالقًا في ذاكرة المشاهد.
2- أم سالم في "التغريبة الفلسطينية"
لعبت الدور الفنانة السورية رنا جمول، وكان دورًا صامتًا بالمعظم، وذا مشاهد قليلة، في مسلسل "التغريبة الفلسطينية" (وليد سيف وحاتم علي-2004). لكنه لعب دورًا حاسمًا في بنية المسلسل الفنية والسردية. أم سالم امرأة فلسطينية هُجرت عام 1948 مع كثير من الفلسطينيين، وظنت أنها حملت ابنها الرضيع أثناء احتمائها من هجوم العصابات الصهيونية، قبل أن تكتشف أنها لم تحمل سوى "مخدة" بيضاء.
تتعامل أم سالم بعد ذلك مع القماش الأييض المحشو بالقطن كأنه ابنها، وباقتناع كامل تستمر بتخيله كذلك، بعد أن أصابتها الهجرة وفقدان ابنها بحالة نفسية وعقلية غريبة. تستمر أم سالم على هذه الحالة، إلى أن تغيرها الهزيمة العربية عام 1967. فتكف مع آخر أنفاسها عن التعامل مع المخدة على أنها سالم، وتطلب من أحد الشباب وضعها تحت رأسها.
شخصية أم سالم واحدة من الشخصيات الأهم في سيناريو وليد سيف، فهي المعادل الموضوعي لمرحلة البكائيات الفلسطينية التي كسرتها النكسة، ومرحلة التخيلات المجردة عن الوطن والعودة والانتصار، قبل أن تؤسس الهزيمة وعيًا مضادًا يرى في المقاومة مشروعًا كاملًا، وفي العودة مرادفًا للتحرير فقط، لا لحالة حنين رومانسية وحسب.
اقرأ/ي أيضًا: دراما الثورة السورية (1).. سنعود بعد قليل
3- زياد في "ربيع قرطبة"
مسلسل آخر من كتابة السيناريست الفلسطيني وليد سيف، من إخراج المخرج السوري حاتم علي (2003). والشخصية هذه المرة من تمثيل الفنان السوري المعروف باسل خياط. تتحدث قصة المسلسل عن قيام دولة بني عامر في الأندلس، بعد أن أسسها محمد بن أبي عامر، الرجل الذي كان تاجرًا في المغرب. وزياد أحد شركاء محمد بن أبي عامر والذين سافروا معه، لكنه الشخص العادي الهامشي بينهم، الذي لم يبن طموحًا لا على العلم، ولم يصدق أن ابن عمه الذي لا يجد قوت يومه، يمكن أن يقيم دولة. وعاش يومه متمتعًا وسكيرًا وزير نساء.
القصة أن محمدًا بن أبي عامر، سأل أبناء عمه مرة عن أمنياتهم عندما يقيم الدولة، فأجاب كل واحد بإمارة ووزارة، أما زياد فقال مستهزئًا ومستنكرًا إمكانية تحقيق هذه الدولة: أن تجلدني مئة جلدة وتجرني على حمار بالمقلوب حول كل المدينة.
حقق ابن أبي عامر ما ذهب إليه من خلال أحداث طويلة، فأعطى كل واحد ممن تمنوا الإمارات والوزارات ما وعدهم. أما زياد فقد عثر عليه سكرانًا وسط المدينة، وحقق لهذا السبب وعده بالجلد، فجلده بنفسه أمام الناس مئة جلدة حتى مات. لكنه مات منتصرًا لأنه لم يسمح لابن أبي عامر بتحقيق النصف الثاني من الشرط.
4- أم نورس في "العراب- نادي الشرق"
من إخراج حاتم علي مرة أخرى، وكتابة رافي وهبي (2015). تمثل الدور الممثلة السورية المعروفة منى واصف. وأم نورس هي أم لدكتور جامعي، يسجن لسوء فهم في سجون المخابرات السورية، وينسى بدون قضية أو تهمة.
تتخيل أم نورس أثناء الانتظار، عودة ابنها في مرات كثيرة، ويخيب ظنها كلما اكتشفت أو أخبرها أحد أنها تتخيل فحسب، حتى أنها تتحسس وجهه بدون تصديق عندما يعود فعلًا.
دور لا ينسى ذلك الذي قدمته أم نورس في المسلسل، لما حمله من دلالات عاطفية وسياسية بارزة، بالإضافة إلى القيمة الفنية للشخصية في السيناريو، التي أعطتها منى واصف قيمة إضافية بتمثيل فاجأ معظم المشاهدين.
اقرأ/ي أيضًا: