تاجر البندقية أو هاملت، أو لعله الملك لير، بل على الأرجح روميو وجولييت.. أي من هذه الأسماء كان مدخلك إلى عالم وليام شكسبير؟ الكاتب المسرحي الفذ والشاعر الحساس الذي ملأت سمعته الآفاق! بمسرحياته التاريخية أو ما اندرج منها تحت بند المأساة والملهاة، تظل تجربة قراءة هذه المسرحيات تجربة أخاذة، فحتى بقراءتها مترجمة يمكن للقارئ استشفاف براعة الكاتب في توظيف الأحداث، وحساسية الشاعر في توظيف المشاعر الإنسانية المعقدة وتقلباتها وشكوكها ومخاوفها ونبلها وفجورها أو جمالها الطاغي وحتى القبح الكامن فيها. فمن هو شكسبير أشهر شعراء الأدب الإنجليزي؟ في المقال تجدون تعريفًا عن هذا الكاتب المسرحي والشاعر.
وليام شكسبير أشهر شعراء الأدب الإنجليزي
رغم شهرة شكسبير ككاتب مسرحي، إلا أنه كتب العديد من القصائد التي تسمى (سوناتا شكسبير)، وقد نشرت لأول مرة في 1609، وطرح فيها مواضيع الحب والجمال الخالد وهي في مجملها 154 سوناتا.
نشأة شكسبير وحياته العائلية
ولد الكاتب المسرحي الشهير والشاعر الإنجليزي وليام شكسبير في مدينة ستراتفورد في إبريل من عام 1564 لأب يعمل في صناعة القفازات (جون شكسبير) وكان الأكبر بين 9 إخوة أحياء، إذ فقدت العائلة أول طفلين عندما كانا رضيعين. تولى لاحقًا منصبًا مدنيًا، مما عنى أن تتمتع العائلة بمكانة أعلى، لينعكس ذلك على تحسن فرص المعيشة التي حظي بها شكسبير وأخوته، وأهم مظاهرها الحصول على التعليم. وهكذا ارتاد وليام شكسبير المدرسة النحوية المحلية، حتى تخرج منها.
عندما بلغ شكسبير الـ18 تزوج من فتاة تكبره بـ8 أعوام تدعى آن هاثاواي، وانقضت مراسم الزفاف سريعًا، لأنها كانت حاملًا بطفلهما الأول، وهكذا رزق شكسبير بسوزانا أولى أطفاله بعد 6 أشهر من الزفاف، ورزق لاحقًا بطفلين توأمين جوديث وهامنت، الذي توفي بعمر الـ11. عاشت الزوجة والطفلتان في ستراتفورد طوال الوقت، حتى مع انتقال شكسبير إلى لندن بسبب عمله.
بحلول 1594 وأثناء وجود شكسبير في لندن نشر أولى قصائده الطوال وهما قصيدتان (فينوس وأدونيس) و(اغتصاب لوكريس)
حياة شكسبير العملية
لا يمكن تحديد متى انتقل شكسبير من ستراتفورد إلى لندن لبدء حياته العملية فيها، ورغم وجود حلقة مفقودة (تسمى السنوات الضائعة) في حياته امتدت 7 سنوات (منذ تعميد توأميه عام 1585 وحتى 1592) لا يعرف الباحثون عنها شيئًا، ولم يجدوا ما يستدل به على ما حصل مع شكسبير فيها، إلا أن هناك ما يدل أنه بحلول عام 1592 قد ترسخت سمعة شكسبير في لندن بوصفه كاتبًا واعدًا.
وبحلول 1594 وأثناء وجوده في لندن نشرت أولى قصائده الطوال وهما قصيدتان (فينوس وأدونيس) و(اغتصاب لوكريس) كل على حدة، وبين نشر الأولى والثانية عامان.
أثناء ذلك أصبح عضوًا مؤسسًا في شركة تدير الممثلين المسرحيين تسمى رجال اللورد تشامبرلين (The Lord Chamberlain’s Men) وكان شكسبير كاتبًا مسرحيًا لصالح الشركة على مدار 20 عامًا، كان متوسط كتابته بمعدل مسرحيتين كل عام. من أهمها ماكبث والملك لير، وحكايات الشتاء، وبحلول عام 1603 تغير اسم الشركة إلى (شركة رجال الملك).
حقق شكسبير الثراء بفضل نجاحه ورواج مسرحياته، ومكّنه ذلك من شراء أكبر منزل في ستراتفورد، وظل محافظًا على علاقته بمسقط رأسه. رغم أن حياته المهنية في لندن فقد كان لا يسكنها إلا في أوقات متقطعة خاصة في سنوات حياته الأخيرة.
اقرأ/ي أيضًا:
مكانة شكسبير الأدبية
عاصر شكسبير فترة حكم الملكة إليزابيث الأولى، التي دعمت المسرح والفنون بشكل عام، فازدهرت حركة التمثيل والتأليف، وقد أُديت 7 من مسرحياته في بلاط الملك جيمس الأول.
تتضمن أعمال شكسبير إجمالاً 38 مسرحية، وقصيدتين روائيتين، و154 سوناتا، ومجموعة متنوعة من القصائد الأخرى. وللأسف لم يُعثر على أي مخطوطات أصلية لمسرحيات شكسبير حتى الوقت الراهن. في الواقع، وكل ما وصل إلينا يعود الفضل في تسجيله وتدوينه إلى مجموعة من الممثلين من شركة رجال الملك وقد جمعوها بغية نشرها بعد وفاة شكسبير بـ 7 أعوام، في ما يُعرف بالمطوية الأولى بعنوان (كوميديا وتاريخ ومآسي السيد وليم شكسبير). وقد احتوت على 36 مسرحية من مسرحياته، ولم تحتوي على أي من أشعاره.
ومما يزيد من أهمية هذه المخطوطة احتواؤها على بورتريه لوليام شكسبير رسمه مارتن دروشاوت في طبعة الورقة الأولى لمسرحيات شكسبير عام 1623، أما الأثر الثاني الذي يعرض وجه شكسبير فهو تمثال نصفي تذكاري في كنيسة الثالوث المقدس في ستراتفورد.
ومن أبرز مسرحيات شكسبير على الإطلاق: الملك لير، تاجر البندقية، هاملت، حلم منتصف ليلة صيف، يوليوس قيصر، مكبث، أنتوني وكليوبترا، حكاية الشتاء، والعاصفة.
الغالبية العظمى من النقاد يؤكدون أن شكسبير كتب جميع مسرحياته.
أكون أو لا أكون هذا هو السؤال
في أشهر مأساة من بين مسرحيات وليام شكسبير يفتتح المشهد الأول من الفصل الثالث للمسرحية على لسان بطلها هاملت بعبارة (أكون أو لا أكون هذا هو السؤال) والمشهد عبارة عن مناجاة فردية يؤديه البطل بلوعة المتأمل في الهوة الفاصلة بين الحياة والموت وجدوى الانتحار.
هذه المناجاة الفردية التي لم يعرف شكسبير أنها ستتحول من "مناجاة" و"فردية" إلى حركة نشطة علنية وسجال جماعي بين الكتاب والنقاد في نسبة أعمال شكسبير إليه، والحاجة إلى التحقق من "كونه هو" من كتبها حقًا!
ظهرت هذه التساؤلات والتشكيك من منطلق عدم وفرة المعلومات لتأكيد نسبة المسرحيات لوليام شكسبير، وبحجة أن تعليمه المتواضع لا يمكن أن يؤهله لكتابة مسرحيات بهذا القدر من التماسك الفكري والقوة الشعرية التي تتطلب قدرًا عاليا من الاطلاع والثقافة.
تزامنت قوة هذه الشكوك مع الوقت الذي حظيت مسرحيات شكسبير فيه بأعلى قبول واستحسان وكان ذلك في القرن الـ19، مع الإصرار على كون شكسبير رجل بخلفية متواضعة تمكن من النجاح وتحقيق الثروة ولا أكثر من ذلك. وذلك ما دفع أعضاء جمعية أعضاء جمعية شكسبير أكسفورد، التي تأسست عام 1957، إلى طرح حجج مفادها أن الأرستقراطي والشاعر الإنجليزي إدوارد دي فير، إيرل أكسفورد الـ17، هو المؤلف الحقيقي لقصائد ومسرحيات وليام شكسبير. ويقوم الادعاء على معرفة إدوارد دي فير الواسعة بالمجتمع الأرستقراطي، وتعليمه الرفيع، وكذلك بسبب أوجه التشابه الهيكلية بين شعره والأشعار الموجودة في الأعمال المنسوبة إلى شكسبير. وهم يؤكدون أن شكسبير لم يكن لديه التعليم ولا التدريب الأدبي لكتابة مثل هذا النثر البليغ وإنشاء مثل هذه الشخصيات الغنية.
ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من النقاد يؤكدون أن شكسبير كتب جميع مسرحياته. ويشيرون إلى أن الكتاب المسرحيين الآخرين في ذلك الوقت كان لديهم أيضًا تاريخ غير واضح وينتسبون إلى خلفيات متواضعة.
وعلى الرغم من مكانة شكسبير المعتبرة بين معاصريه، إلى أنه على ما يبدو لم يحظ بالإشادة والاعتراف بعبقريته حتى القرن الـ19، ويبدو أن السجال القائم آنذاك زاد من الأضواء المسلطة على مسرحياته وتسبب في شهرتها أكثر.
توفي شكسبير في ستراتفورد في 23 أبريل 1616 وهو التاريخ الذي يُرجح أنه قد ولد فيه! عن عمر يناهز 52 عامًا. ودُفن في حرم كنيسة أبرشية الثالوث المقدس.
وحتى اليوم، ما تزال مسرحياته تحظى بشعبية كبيرة وتستمر دراستها وإعادة تفسيرها في عروض ذات سياقات ثقافية وسياسية متنوعة كما أن العديد من الأعمال السينمائية والأفلام مقتبسة منها. ومما جعل هذه المسرحيات تحظى بكل هذا القبول عبقرية شخصيات شكسبير وحبكاته النابعة من كونها تقدم نماذج لبشر حقيقيين بكل ما يختلج أفئدتهم من المشاعر والصراعات التي تتجاوز الإطار الذي رسمت فيه وقتذاك، واجتيازها أفقًا أكثر رحابة يمكن لأي قارئ أو مشاهد أن يجد ذاته أو جزءًا منها في واحد من تلك الشخصيات.