حين رحل الشاعر الإيرلندي شيمس هايني عن عمر ناهز الرابعة والسبعين، هبت كل إيرلندا، كل روح ايرلندا، لتكرّم هذا الشاعر الكبير الذي حاز نوبل عام 1995. وقد ضمت جنازته جموعًا شعبية ونخبوية وثقافية وسياسية وفي مقدمها رئيس الجمهورية مايكل هينغيل الذي، وللمصادفة، شاعر أيضًا.
ولد شيمس هايني عام 1939 في ديري، في إيرلندا الشمالية، في عائلة تضم تسعة أطفال. هو ابن مزارع، وبكر إخوته. تابع دروسه في "كوين يونيفيرسيتي" في بلفاست، مارس التعليم عدة سنوات في بلفاست. في عام 1972 استقر في جمهورية إيرلندا مع زوجته ماري وأولاده. اعتاش من قلمه حتى عام 1975ثم احتل وظائف جامعية عالية، في دبلن وهارفرد واكسفورد.
في عام 1995 حاز نوبل، بعد 70 عامٍ من هـ .ب. بيتس، وبعد مواطنه المسرحي الكبير صامويل بيكيت. وفي عام 1996 أصدر ديوانه العجيب "الغريب والمعروف". في هذه المحطة باقةٌ من قصائده من مجموعات عدّة.
The Error
هيا، فلنذهب، يا بُني، مثل الشيطان
واطلب من أمك
أن تجد لي نفاخة مقياس الاستواء
وعقدة أخرى لربطة عنقي
أعرف جيدًا أنه كان يحبني أن أبقى هنا
ترفع بسمته
ببسمة تبطل مهمته
وتضع الكرة في ملعبه.
خطوط الهروب
I
أولًا التينة الأولى، ثم أكثر من التينات
أكثر التصاقًا ووضوحًا في كل مرة
أخيرًا الورقة لا تعود
سوى مربع من الشباك يؤخذ من زاويتين،
كوعد مشهد سهل خيانته
لكن دائمًا قائم.
حمامة تطلع مني كلما ظهرت يدا أبي
مركب من الورق، سفينة هوائية
كزاوية ناتئة على خيمة:
كمؤخر سفينة عالٍ، قشرة متسعة الهرم الصغير
لم يكن أقل تجويفًا في الوسط
كمثل هذا الجزء مني الذي يسقط من علٍ
والباخرة، التي ما إن توضع في الماء، تبلّل كلها.
II
معكوس ومتمائل، ذلك الجزء الذي يرتفع حتى السموات المكوكبة تحت عيون الشتاء، عندما أكون في ويكلوي؟؟
تحت طريق طائرة هوائية في الليل قريبًا من دبلن التي تلمع أنوارها أمام نيجر بعدها: ضوضاء النفاثات، صدى يتضاءل يتمدد ويسقط من جديد، خط نجوم.
من الظلمات يتكلم الخبيز بالخبيز
خلفي الضوء هو ضوء المدفأة
وها أنا على العتبة في بداية الليل
أتبع كل الذين يديمون جمودهم: ملازمي البيت
المستندين إلى السور، يراقبون وينتظرون
والذين انتهوا إلى صمم برد النجيات
والعودة نحوهم بلباس آخر يخجلهم.
والذين لم ينسوا أبدًا
اسمًا أو وجهًا، ولم ينظروا إلى الأرض فجأة
عندما تبلغ طائرة الرحلة الجوية
لرؤية أن المنزل الذي جنحت فوقه
الذي بات بعيدًا وراءهم
كان البيت الذي تركوه قبل ساعة
بوداعات لا تنتهي
بينما كان سائق التاكسي يضع أمتعتهم.
الكلمات الأولى
الكلمات الأولى كانت ملوثة
كما النهر في الصباح
يجري مع أوساخ
التراث والمقالات الافتتاحية
اشرب من المعنى الوحيد الطالع من الفكر العميق
ما يشرب العصفور، والعشب، والحجر.
اترك كل شيء يغرق
حتى العناصر الأربعة
نحو الماء، الأرض والنار والهواء.
كشتبان الخياطة
1
في فيلا الجداريات الشهوانية
استخدمها الفنان لينال أحمرًا خاصًا
الذي لامس الشفاه والعضات الطازجة.
2
أكان ذلك قدرة الوعد السماوي
الإسفنجة التي نبللها
ندى الجنة
الذي كان ينزلق على لساني عندما
قالوا به: محتوى كشتبان الخياطة؟!
3
الآن مراهق
ذو شعر محلوق
وشفتان رقيقتان
الملتبس الصدر كجوهرة.
4
وهكذا
دواليك.
شجرة الحور
الريح تهز شجرة الحور الضخمة،
وبهبة واحدة
يجعلها تقوم لاحقًا، أي ميزان مضيء تهاوى
تاركًا الإبرة مرتجفة؟
على حساب أيّ توازنات حاذقة؟
النزهة
ساحرة الطريق نهارًا،
هو وهي والأمكنة حيث أخذوني إليها
في كل خطوة كانت الحصى ومجرى النهر وهواء الأحد.
هبوب تمر بصمت فوق الوردية المزهرة والقبعات الارجوانية
والشوكران، وأبو الحن، والسياج محزّم باللبلاب تحت الظل الثقيل.
ثم كان أخيرًا مجرى النهر،
حصىً غليظة، القبعات، وثقوب ماء صيفية،
وتخوم العالم، لتكون غير قابلة للاجتياز.
قادني حتى هنا، من دون أي شك،
من دون أي سخرية، العين الجافة والعارفة، نقيض اللعنة.
ثم بقي في مكانه هناك، من دون أن يترك يدي
هنا لقطة أخرى طويلة، بالأسود والأبيض.
بالنيجاتيف هذه المرة، بأسود باهر،
شاحب ومشوش في المكان حيث نميز أنت وأنا،
هذه الكائنات التي كان لا بد من تحملها أو محاربتها،
ظلان كل منهما أفنى نار الآخر،
شعلتان في الشمس يمكنهما إما أن تشوط أو تحترق
لكنهما تبدوان فجأة مثل هواء بلا قوة، ترنحات محتضرة، هبات أثير زغبية...
وقابلة رغم ذلك أن تشتعل مرة أخرى دفعة واحدة إذا وجدنا على امتداد الطريق عشبًا محترقًا، من الغابة الصغيرة،
وفي الهواء رائحة نار تتأخر،
نار حطب إيروتيكية، سحر، عقدة،
لا تعلمنا شيئًا، لكن تدعوننا
أن نشغل العربية، وأن نطم النار.