في غرفة الوحدة، ثماني زوايا..
سبع سنوات خلت، قصد مُنير رفقة صديقيه عبد الحليم وعثمان في عطلة نهاية الأسبوع "شاطئ العقيد عباس"، غربي الجزائر العاصمة. سحر البحر وبريق الرمال الذهبية قد يرفهان عنهم صرامة الثكنة وينسيهم جحيم الكمائن الغابية. حين وفد العسكريون الثلاثة الشاطئ، اختاروا مظلة البحر على حافة المد والجزر. وضعوا أمتعتهم الخفيفة فوق الطاولة البلاستيكية، ثم عرُّوا صدورهم على عجل. للأسف الشديد، حراسة ألبسة العرب في شواطئنا قدر محتوم، فلا توجد أوراق التين للستر في حالة سرقتها! قد تعيد مشهد عري ولادتك.
بقي منير تحت المظلة مناوبًا، وذهب زميلاه للسباحة أولًا، فشمس الزوال تذيب الحجر. فتح منير قارورة مياه معدنية للارتواء. بين الفينة والأخرى، صاحباه يبعثان له بإشارات ساخرة وبهلوانية من بين طيات الأمواج، فيرد عليهما بابتسامة هيتشكوكيَّة.
في تلك الأثناء، وتحت مظلة منصوبة على يسار منير، وصلت ثلاث فتيات مدثرات بالأسود الحالك. عطرهنَّ أثار شهوته. شيء جميل، خمَّن منير في نفسه، أن يستمتعن بنسمات البحر الصيفية ولو مغطاة..
لم تمض دقيقة واحدة على وصولهن حتى خلعن ملابسهنَّ عن آخرها، ليكشفن عن لباس البكيني بكل ألوانه وإثارته! "عيشْ، تشوفْ"، كما يقول المثل الشعبي الجزائري. ذُهل منير من خداع المظاهر، وسُمع طنين النَّوارس محلقةً بعيدا عن موقعة البكيني! الهدهدُ غطّى الحدث عن كُثب/رملٍ لـ "وكالة أنباء سليمان". تجاهل منير قهقهة رفيقيه عبد الحليم وعثمان من عباب البحر. غارا بلا شك على قعوده على مرمى المحار من أجساد الفتيات الجميلات. تناسى منير زرقة البحر ورونقه، وأثمل نظره محدقًا في الغواية الأنثوية، لتأثيث تخيلاته لحظات الاستحمام لاحقًا في ثكنة مدينة الورود، البليدة. تأمل منير انحدارات الشابات الثلاث وتدفقَ هرمون التستوستيرون بسرعة البرق، على وشك القذف! القصف! نهض من الكرسي في عجالة من مصابه، وهَرول إلى البحر للغطس. تفاجأ صديقاه بقدومه قبل انتهائهما من السباحة.
- أجننتَ بترك أغراضنا بلا حراسة؟ عاتبه عثمان.
الآن اختلط "ماء" منير مع ماء البحر! تنفس الصعداء، ثم ردَّ قائلًا:
- من يتجرأ على التركيز على خردتنا أمام الحسناوات الثلاث شبه العاريات هناك!
داعب عبد الحليم منير بحفنة من الماء على وجهه، ثم قال بتهكم:
- آه يا منير، دمك ساخن على ما يبدو! لا تنسَ بناتكم في سطيف بهذه السهولة!
في تلك الأثناء، غادرت الفاتنات الثلاث موضعهنَّ وسيقانهنَّ الست العاريات لامست مياه البحر، تحت أنظار المتفتحين والمتحفظين على حد سواء! إنها جاذبية المؤخرات المستديرة! العربي يفقد بوصلته برؤية عجيزة سخية!
منير وعبد الحليم وعثمان لم يصدقوا بأنهنَّ دَنَوْنَ منهم، وفي الماء، ماهرات في السباحة كحريات البحر الأسطورية. عندما أوشكن على مراودة الفتية الثلاثة، زحفت موجة عالية جدًا عليهم جميعًا فصاروا يتخبطون في رحم الموج المفاجئ. عرفت الفتيات الثلاث كيف يَسبحن وينقذن أنفسهنَّ إلى الشاطئ الغارق في فوضى الهرب لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا.
سبع سنوات مضت، ومازال منير يتذكر مأساة "شاطئ العقيد عباس". نجا منير ومات صاحباه عبد الحليم وعثمان غرقًا. صدمة أدت به إلى إصابته بمرض انفصام الشخصية. وحدة الحجرة الباردة أرهقته، ومازالت أطياف الأمواج الخائنة تُلازم حياته الكئيبة، وأصدقاؤه الوحيدون الآن هم عناكب الزوايا الثماني.
اقرأ/ي أيضًا: