بات الصّراع بين أجنحة السلطة سمة بارزة في المشهد السياسي التونسي، على ضوء التجاذبات المستمرّة داخل حزب نداء تونس المتزعّم للائتلاف الحاكم، إذ لم تمرّ سنة بعد على تكوين الحكومة بقيادة يوسف الشاهد حتّى انكشف الصّراع الخفيّ بينه وبين رئيس الجمهورية الباجي قايد السّبسي وقيادة الحزب. ليظلّ التعديل الحكومي الموعود منذ أشهر مُعلّقًا على ضوء هذه التجاذبات، فيما يظهر مبكّرًا الصراع على الانتخابات الرئاسية لسنة 2019.
يشهد الحزب الحاكم التونسي صراعًا مبكرًا بين أجنحته على الانتخابات الرئاسية القادمة في 2019
وقد تصاعدت التجاذبات مؤخرًا لتكشف عن حدّتها في العلن، وذلك حينما دعا القيادي البارز في حركة نداء تونس، خالد شوكات، رئيس الحكومة إلى "التفرّغ لتونس أو ترك مكانه لغيره". غير أنه ربما كشفت الدعوة المفاجئة قبل أيام من زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، إلى إعلان الشاهد عدم ترشّحه للانتخابات الرئاسية سنة 2019، عن سبب الصّراع الخفيّ، وإن كان ليس السبب الوحيد.
اقرأ/ي أيضًا: يوسف الشاهد.. هل يكون جواد السبسي الجديد؟
وحينما أعلن يوسف الشاهد قبل أشهر حربه المزعومة على الفساد، التي أدت إلى إيقاف رجال أعمال محسوبين على حزب نداء تونس؛ لم تكن حاشية السبسي من مستشارين وقيادات حزبية في مقدّمتها نجله مدير الحزب حافظ قايد السبسي، من المتحمّسين لهذه الحملة، التي يعتبر مراقبون أنها تستهدف خصوم الشاهد في الحزب ورجال الأعمال الدّاعمين لهم.
الانتخابات الرئاسية مربط الفرس
إضافة لذلك، ظهر للسطح مبكّرًا ملف الانتخابات الرئاسية 2019، إذ كانت ثمة قناعة لدى جزء كبير من الطبقة السياسية في تونس بأن الصراع داخل نداء تونس يتمحور حول هوية المرشح لهذه الانتخابات، لأن الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي البالغ من العمر 91 سنة، يُرجح عدم ترشحه لولاية ثانية، إذ سيمثّل عامل السنّ نقطة ضعفه، لأنه سيكون قد بلغ من العمر حينها 93 عامًا. وبذلك فإن دفع السبسي بالشاهد لرئاسة الحكومة الصيف الماضي، ليس إلا تمهيدًا لبناء مشروعية سياسية له قبل دخوله لقصر قرطاج.
إلا أن هذه الاعتقاد، الذي لقيَ رواجًا كذلك لدى الرأي العام طيلة المدة الماضية، لحقته مؤخرًا مؤشرات تفيد بأن الشاهد لن يكون مرشّح السبسي للانتخابات القادمة، خاصةً أن القيادة الحالية لحزب نداء تونس غير متحمّسة لتوجهات حكومته. وما زاد من تدعيم هذه القراءة هي دعوة راشد الغنوشي للشاهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة إن رغب في الاستمرار في رئاسة الحكومة، فيما بدت كرسالة خفيّة من السبسي عبر حليفه. ومع هذا فقد أعلنت رئاسة الجمهورية، على لسان الناطقة الرسمية، بأنّ "الحديث عن انتخابات 2019، يعتبر قفزًا على الواقع"، وإن لم تفوّت الفرصة للتذكير بتصريح سابق للشاهد بأنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية. وهو تذكير غير بريء على كل حال كما يبدو.
رغم أن فرص السبسي ضئيلة للترشح في الانتخابات القادمة، إلا أن ذلك لا يعني دعمه للشاهد أن يكون مرشحًا للحزب في نفس الانتخابات
هذا وقد لقيت دعوة الغنوشي تحفظًا من الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي اعتبر أمينه العام نورالدين الطبوبي أن تصريح الغنوشي "في غير محلّه وغير توقيته". وفي المقابل، صادقت حركة النهضة في مجلس الشورى على تصريح رئيسها، وذلك باعتباره "موقفها الرسمي".
وفي هذا الإطار، كشف القيادي في الحركة ووزير الفلاحة السابق محمد بن سالم، أن الآراء في مجلس الشورى كانت متباينة، معلنًا تحفظه على حديث راشد الغنوشي عن المستقبل السياسي للشاهد، والذي اعتبر أنه يُفهم منه "انحياز الغنوشي لطرف على حساب آخر في الخلاف بين الشاهد وحافظ قايد السبسي في نداء تونس"، وهو تصريح أثار السبسي الابن، الذي دعا ابن سالم بعدم إقحام نفسه في شؤون الأحزاب الأخرى.
اقرأ/ي أيضًا: عدوى التسريبات تنتقل إلى تونس.. بلطجة وهوس الزعامة
من جهته رفض يوسف الشاهد التعليق على تصريح الغنوشي، وذلك حينما سأله صحفي إبان زيارة ميدانية لمتابعة جهود إطفاء الحرائق في غابات الشمال الغربي.
الحكومة و"محاربة الفساد".. في واجهة الصراع
ويمثل تأجيل إعلان التعديل الحكومي، وخاصة عدم سدّ الشغور في وزارة المالية، مؤشرًا على التجاذبات بين الشاهد والسبسي، إذ يسعى كلّ منهما لفرض شروطه حول الوزراء الذين سيقع التخلّي عنهم. ودائمًا ما يؤكد حزب نداء تونس على ضرورة تمثيله بالشكل المطلوب في الحكومة، وهو توجه لا يحبذه الشاهد الذي كوّن مجموعة ضيّقة من الوزراء مقرّبة منه من غير وزراء حزبه.
في الأثناء، تتناقل الكواليس عن وجود رغبة من السبسي الابن ومجموعته، للإطاحة بيوسف الشاهد من رئاسة الحكومة، إلا أنه من المرجح أن تتأجل هذه الخطوة لما بعد الانتخابات البلدية المنتظرة نهاية السنة الحالية. ومن بين الأسماء المطروحة لرئاسة الحكومة في حال الإطاحة بالشاهد، وزير الاستثمار المستقلّ رضا عبد الكافي.
تصعب الإطاحة بالشاهد في الوقت الحالي، خاصة مع إعلانه "الحرب على الفساد" والذي أكسبه شعبية في الشارع التونسي
لكن ما يعوز مخطّط الإطاحة بيوسف الشاهد هو انقسام الكتلة البرلمانية لنداء تونس، حيث يلقى رئيس الحكومة دعمًا واسعًا من عشرات نوابها. ومن جانب آخر، تكشف استطلاعات الرأي بأن الشاهد يتمتع بشعبية متصاعدة خاصة بعد إعلان حربه على الفساد، إذ كشفت آخر الأرقام بداية الأسبوع، عن نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية، بأن السبسي يحوز على 20 نقطة، يليه بفارق أقل من نقطتين الشاهد، فيما يحلّ ثالثًا رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي. كما يتصدّر الشاهد منذ أسابيع قائمة الشخصيات السياسية الموثوق بها لدى التونسيين، وذلك رغم تصاعد حدّة الأزمة الاقتصادية في البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: ديمقراطية المستبدين في طبعتها التونسية
ويعتقد مراقبون أن أي محاولة من السبسي للإطاحة بيوسف الشاهد ستُفهم لدى الرأي العام وكذلك لدى جزء من الطبقة السياسية، بأنها نكوص على الحرب ضد الفساد، وذلك بغض النظر عن جدية الحكومة في محاربة الفاسدين المقرّبين من السلطة.
اقرأ/ي أيضًا:
مكافحة الفساد أو الحرب الكاذبة في تونس
"الثور الإماراتي الهائج".. وثائق تكشف خطة أبوظبي لإفشال الديمقراطية في تونس