18-فبراير-2019

تسعى الإمارات إلى السيطرة على ميناء السودان الشرقي (تويتر)

من جملة تحديات تواجه الحكومة السودانية تظهر بين الحين والآخر أزمة ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، والذي أصبح خلال السنوات الأخيرة عرضة للمطامع الدولية، وتحديدًا شركة موانئ دبي العالمية، التي تنازع مع دول أخرى لاحتواء الميناء، غالبًا لأهداف سياسية واقتصادية.

ترشح معلومات أن الشركة الفلبينية التي حظيت بامتياز على ميناء الحاويات السوداني، لا علاقة لها بالفلبين، وإنما هي واجهة للمطامع الإماراتية في البحر الأحمر

عقد غامض مع شركة فلبينية

مطلع العام الجاري، دخل عمال محطة الحاويات بالميناء الجنوبي بورتسودان، في إضراب عن العمل بسبب خصخصة الميناء، وما سينتج عنه من تشريد وظلم، وأخذ الاحتجاج طابعًا عنيفًا إلى درجة إغلاق الميناء بالحاويات من قبل العمال، وذلك بعد توقيع وزارة النقل اتفاقًا مع شركة فلبينية حصلت على امتياز إدارة وتشغيل المحطة.

تتضمن تفاصيل العقد المبرم بين الحكومة السودانية والشركة الفلبينية منح ميناء الحاويات الوحيد بالسودان للشركة الفلبينية لمدة عشرين عامًا قادمة، مقابل دفعها مبلغ 530 مليون يورو، سددت منها في منتصف هذا الشهر 410 مليون، وأن تدفع الشركة بقية المبلغ بأقساط مريحة، ونص العقد أيضًا على دفع أجرة شهرية تصل إلى مليون يورو.

اقرأ/ي أيضًا: سواكن السودانية.. محطة جديدة لحروب الإمارات لاستعمار موانئ البحر الأحمر

تسببت هذه الخطوة في حالة سخط عامة وتساؤلات عن طبيعة الشركة الفلبينية وموافقة الحكومة على الشروط الجزائية التعسفية، وثمن خصخصة الميناء أيضًا، بجانب المخاطر السيادية المحتملة. وهو الأمر الذي دفع عمال الميناء إلى إغلاق المحطة بوضع حاويات يصل طولها 4 أقدام  على الأبواب  لمنع دخول مناديب الشركة، وتم إيقاف مناولة الحاويات من وإلى السفن في جميع أرصفة الميناء، فيما يشكك قادة الإضراب في وجود مخطط استخباراتي، مشيرين إلى أن تسليم الميناء للشركة الفلبينية "خط أحمر دونه الموت"، لكن جهودًا رسمية أفلحت في فك الإضراب واستئناف العمل مقابل التعهد بعدم السماح لمناديب الشركة الفلبينية بدخول المحطة.

واجهة إماراتية

ورغم الاعتراض الشعبي والإعلامي، إلا أن وزارة العمل لم تتردد في تنفيذ بنود العقد القاضية بتسليم الميناء للشركة الفلبينية، التي تعمل كواجهة لشركة موانئ دبي العالمية، حسب ما رُشح من معلومات، حيث أزاح كبير مهندسي المحطة الساحلية بهيئة الموانئ البحرية، سامي الصائغ، الغموض عن الشركة الفلبينية العالمية، وكشف في تصريحات صحفية عن معلومات حول الشركة قائلًا إنها "ليس لها علاقة بالفلبين، وإنها مسجلة في أبوظبي"، مبديًا استغرابه من "كيف أدخلت مبلغ الاتفاق؛ وهو 410 ملايين يورو للسودان في ظرف 10 أيام، رغم الحصار المفروض". وبذل الصائغ شكوكًا حول صفقة البيع، معتبرًا أنها تتيح لجهة أجنبية الاطلاع على  حركة الواردات والصادرات في مرفق استراتيجي، وعده انتهاكًا سياديًا، معتبرًا أن قضية الميناء الجنوبي تتطلب المحاسبة لما اعتراها من غموض، على حد وصفه.

لجنة رئيس الوزراء

امتياز وتشغيل ومنح الميناء للشركة الفلبينية، تحول إلى قضية رأي عام سوداني، وأثيرت العديد من الشبهات وراء هذه الصفقة التي بدأت تفاصيلها تتضح شيئًا فشيئًا، وهو الأمر الذي أجبر رئيس الوزراء السوداني معتز موسى على تشكيل لجنة رفيعة برئاسته وعضوية مسؤولين في الدولة، من بينهم مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش، ومحافظ البنك المركزي والمدير العام لهيئة الموانئ البحرية، وسوف تعقد اللجنة أول اجتماعاتها خلال هذا الأسبوع، وستستمع أيضًا إلى كافة الأطراف المعنية والمتضررة من الصفقة، كما أنها ستعمل على مراجعة أي قرار أو إجراء إذا تعارض مع المصلحة العامة، وفقًا لتقارير صحفية.

مضار أكثر من المنافع

"لتقييم أي عقد لا بد من إجراء مقارنة بين المنافع التي يجلبها، والمضار التي يدرؤها خلال فترة سريانه، فهل يحقق العقد المذكور أيًا من الهدفين؟"، طرح مزمل أبو القاسم رئيس تحرير صحيفة "اليوم التالي" هذا السؤال، في مفتتح مقالٍ له على على جدار صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مشيرًا إلى أن القيمة الكلية للعقد تبلغ نصف مليار يورو، وأنه ينص على أن تعمل الشركة الفلبينية بذات الآليات المملوكة حاليًا للميناء في أول ست سنوات، ثم تبدأ بعدها باستجلاب آليات جديدة، لتسترجع قيمتها بعد نهاية فترة العقد. وعقد أبو القاسم مقارنة بين ما سيدره العقد (25) مليون يورو سنويًا وبين دخل الميناء خلال العام الماضي وهو (156) مليونًا ونصف المليون يورو، أي أن دخل الميناء في الشهر بلغ العام الماضي وحده أكثر من (13) مليون يورو، ذلك بخلاف قيمة رسو البواخر في الميناء، متسائلًا "بأي منطق وأي حساب، ولمصلحة من يتم استبدال (13) مليون يورو، بمليوني يورو شهريًا؟".

وخلص أبو القاسم إلى أن القيمة الكلية للعقد الفلبيني، تساوي دخل الميناء الجنوبي لمدة ثلاث سنوات فقط. واصفًا العقد بالمريب وقال إنه "سيهدر على الخزانة العامة أكثر من مليارين ونصف مليار يورو خلال عقدين"، مع الأخذ في الاعتبار أن الشركة الفلبينية ستسترد بعد نهايته قيمة كل الآليات التي ستوردها للميناء أثناء فترة التشغيل، وهذا يعني تضخيم فواقد العملة الصعبة أكثر فأكثر. وطالب أبو القاسم الرئيس البشير بالتدخل والتحقيق في ملابسات وتفاصيل ذلك العقد الكارثي، لأنه يمثل جريمة في حق الاقتصاد الوطني، على حد وصفه.

خصخصة وشكوك

يبدو من خلال هذه التفاصيل أن هنالك جهة داخل الحكومة السودانية سوقت للشركة الفلبينية وفتحت لها المجال أكثر من البقية، وهو ما أثار حالة من الريبة والمخاوف، لأن الصفقة مرت بذات الطريقة التي نجم عنها بيع الخطوط الجوية السودانية "سودانير" منذ نحو عقدين من الزمان، لا سيما وأن الشركة الفلبينية حازت علي امتياز إدارة وتشغيل محطة الحاويات ببورتسودان بعد فوزها في المنافسة مع نحو 15 شركة عالمية، قدمت في العطاء الذي طرحته هيئة الموانئ البحرية قبل نحو أربعة أعوام.

اقرأ/ي أيضًا: صفعة صومالية لمشروع الإمارات لتقسيم البلاد.. موانئ البحر الأحمر ثمن التدخل

 التطورات على الميناء السوداني الرئيس هي بمثابة جريمة كبيرة تقترف في حق الوطن، وفقًا للكاتب الصحفي المهتم بشؤون "البحر الأحمر" عبد القادر باكاش، الذي يقول لـ"ألترا صوت" إن ميناء الحاويات يمثل 70 إلى 80% من جملة إيرادات هيئة الموانئ، وبالتالي سيؤثر خروج إيرادات الميناء من جملة إيرادات الهيئة على أدائها وعلى الوفاء بالتزاماتها تجاه عامليها وولاية البحر الأحمر، بجانب "الحقوق السيادية والمجتمعية والأدبية التي تهدرها مثل هذه الاتفاقيات غير المجزية والمبهمة"، على حد وصفه، معتبرًا أن الظروف الاقتصادية التي يعاني منها السودان أجبرت الحكومة على استلام المبلغ المتوفر.

تحولت قضية منح ميناء السودان الشرقي لشركة فلبينية غامضة، إلى قضية رأي عام سوداني، وأثيرت العديد من الشبهات وراء هذه الصفقة التي بدأ يتضح وقوف الإمارات وراءها

وشكك باكاش في وجود أيادٍ خفية تعبث بالميناء الجنوبي من خلال هذا العقد؛ قائلًا إنه "لا مبرر البتة في تسليم ميناء الحاويات الوحيد بالبلاد لمشغل أجنبي في هذا التوقيت، لا من ناحية سياسية ولا أمنية".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"مصافحة" إريتريا وأثيوبيا.. آخر أوراق ابن زايد في البحر الأحمر

الصين التي تحبنا بقسوة