أول من اختنق من دُخان المعارك الحربية العالق في سماء اليمن، هم السودانيون أنفسهم، خاصةً وأنّ الجيش السوداني يكاد يكون هو القوة الوحيدة المتمركزة على الأرض. فمنذ بدء حرب التحالف السعودي على اليمن، وبكل ما فيها من ضحايا وجرائم حرب، وجدت الخرطوم أنها تورطت بالفعل في المشاركة، وذهبت تحصي خسائرها، لدرجة التهديد الخفي بورقة الانسحاب.
بعد سقوط ضحايا من الجنود السودانيين في اليمن، علت مجددًا الأصوات الشعبية المطالبة بسحب القوات السودانية من التحالف السعودي
الأسبوع الماضي، تسبب مقتل عدد من الضباط والجنود السودانيين بصحراء ميدي باليمن، في حالة من الحزن والصدمة، لفداحة الخسران.
اقرأ/ي أيضًا: "حب من طرف واحد".. لماذا لا يزور ملوك السعودية السودان؟
وعلى إثر ذلك، علت مجددًا الأصوات الشعبية المطالبة بسحب القوات السودانية من اليمن. وطالب فتح الرحمن الفضيل، النائب البرلماني عن حركة "الإصلاح الآن"، سحب القوات السودانية المشاركة في حرب اليمن دون تردد.
وفي حديث لـ"ألترا صوت"، وصف فتح الحمن الفضيل مشاركة السودان في حرب اليمن بأنها "محرقة"، موضحًا أنها مشاركة لم تخضع إلى نقاش برلماني، كما لم تقابل بتقدير من السعودية والإمارات، "بدليل تجاهلهما للأزمة الاقتصادية التي زادت معاناة السودانيين"، حسب قوله، لافتًا إلى أهمية أخذ التهديدات الحوثية بضرب مواقع داخل الأراضي السودانية بصواريخ بالستية، مأخذ الجد.
ردود الأفعال المتصاعدة في الشارع السوداني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تطالب بسحب الجيش من اليمن، أثارت مخاوف دول التحالف الذي تقوده السعودية، حيث التقى سفراء السعودية والإمارات ومصر بوزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، قبل نحو يومين، لشرح الموقف الرسمي، ليؤكد الغندور للسفراء "الاستمرار في المشاركة ضمن قوات التحالف والعمل على دعم الجهود الرامية لإعادة الاستقرار في اليمن".
ورغم أن الحكومة السودانية لم تعلن عن عدد القتلى ضمن صفوف قواتها في اليمن، إلا أن أن بيان وزارة الخارجية، أشار إلى أن "السفراء نقلوا التعازي لأسر الشهداء وتمنياتهم بعاجل الشفاء لجرحى العمليات التي جرت مؤخرًا باليمن".
وتمسكت وزارة الدفاع السودانية باستمرار مشاركتها ضمن قوات التحالف العربي باليمن، وعدّتها أمرًا طبيعيًا، بحسب بيان ألقاه وزير الدولة بالدفاع، الفريق علي سالم، في جلسة مغلقة بالبرلمان عُقدت أمس الاربعاء. فضلًا عن عدم إعلان الجيش السوداني عن قوات قواته المشاركة في اليمن، بينما تشير التقديرات غير الرسمية عن مشاركة ما بين ثمانية آلاف إلى عشرة آلاف جندي وضابط.
ويوم السبت القادم، يتوجه الرئيس السوداني عمر البشير إلى السعودية، للمشاركة في القمة العربية بالظهران، جفوة بين الخرطوم والرياض، وتصعيد إعلامي من قبل الخرطوم، تبنته أقلام ومنابر مقربة من البشير، أبرز تلك الأقلام الطيب مصطفى، النائب البرلماني، وخال الرئيس، وكذلك الكاتب الصحفي محمد لطيف، ورئيس تحرير صحيفة "السوداني" ضياء الدين بلال، إلى جانب رئيس تحرير صحيفة "مصادر" عبدالماجد عبدالحميد، الذي تساءل عن غياب قيادات الصف الأول في السعودية من ملوك وأمراء و"علية القوم" عن زيارة الخرطوم؟
وقال عبدالماجد عبدالحميد في سطور مقاله الغاضب: "نحن في عالم تجاوز محطة العلاقات العاطفية بين الشعوب، مهما تقاربت وزادت أواصر صلات القربى والدم ورباط العقيدة بين شعوبها؛ هذا زمان المصالح والمواقف الاستراتيجية بامتياز". ثم أشار إلى "ضرورة صياغة أسئلة تعاملنا الظرفي والاستراتيجي مع السعودية، التي تشهد هي الأخرى تحولات جذرية بسبب إعادة طرح الأسئلة والتخلص من مسلمات كبلتها منذ قرون".
قدم محامٍ سوداني طعنًا دستوريًا ضد البشير لاتخاذه قرار المشاركة في حرب اليمن منفردًا دون الخضوع لنقاش مؤسسات الدولة
ولم يسبق أن اتسعت الهوة بين الحكومة وشعبها في تقدير المواقف الخارجية، مثل الموقف من حرب اليمن، والتي يبدو أنها مرفوضة شعبيًا، مقبولة رسميًا بدرجة ما لحاجة في نفس يعقوب.
اقرأ/ي أيضًا: لن يتنحى!
في حين دخل خلاف تقدير المواقف هذا مرحلة جديدة، إذ لم تقدم الحكومة السودانية مبررات مقنعة سوى "الدفاع عن الأراضي المقدسة"، والتي بدت لبعض المراقبين بأنها حجة ضعيفة. لا سيما وأن قرار المشاركة لم يخضع لنقاش مؤسسات الدولة والحزب الحاكم، وهو ما حدا بمحام سوداني يُدعى عمرو بن العاص خير، إلى تقديم طعن دستوري، مطالبًا فيه مقاضاة رئيس الجمهورية بدعوى انتهاك الدستور في إرسال قوات سودانية لليمن. واستند المحامي في دعواه إلى وثيقة الدستور الرسمي.
الناشط السياسي راشد عبد القادر، من الأصوات الشبابية التي عبرت عن رفض مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن. وظل راشد ينبه عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن قرار المشاركة أصلًا "لم يتم اتخاذه عبر القنوات الصحيحة"، وأنه صدر من قبل الرئيس منفردًا بعد زيارته للسعودية، ودون حتى الاجتماع بهيئة قيادة الجيش، أو مشاركة البرلمان، بما يظهر الجيش كمؤسسة يتخد فيها قرار الحرب شخص واحد أيًا كان اسمه وموقعه، بينما "القرار سيادي ينبغى أن يصدر عبر البرلمان ومن ثم يعلنه الرئيس"، كما يقول عبدالقادر.
وقال عبدالقادر لـ"ألترا صوت"، إن القرار صدر تحت ضغوطات الحاجة الاقتصادية ومحاولة الالتحاق بالمحور السعودي الإماراتي، وأنه تم التقديم لذلك بطرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية وإغلاق السفارة.
وأضاف عبدالقادر: "نحن لسنا في حالة حرب أصلًا مع اليمن ولا قوات التحالف السعودي أُسست تحت مظلة جامعة الدول العربية، وإنما هو قرار سعودي إماراتي بامتياز، أحجم عن الانخراط فيه الحلفاء الأقرب للسعودية مصر وباكستان"، يقصد عدم مشاركة مصر بجنود على الأرض، واكتفائها بإرسال قطع بحرية.
لم يسبق أن اتسعت الهوة بين الحكومة السودانية وشعبها في تقدير المواقف الخارجية، مثل الموقف من المشاركة في حرب اليمن
أما بالنسبة للمسوغات حينها لتمرير القرار على الشعب بـ"الدفاع عن المقدسات الإسلامية"، ينبه راشد عبدالقادر إلى أن "أصحاب المصلحة الحقيقيين كانوا يتكلموا عن عودة الشرعية وليس حماية المقدسات الإسلامية ولا غيره"، ما عده راشد "منتهى التناقض".
اقرأ/ي أيضًا:
هل ينسحب المغرب من التحالف السعودي مع تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن؟
تقرير أممي: التحالف السعودي متورط في دماء أغلب الأطفال الضحايا باليمن