عاشور فني شاعر وأكاديمي ومترجم من الجزائر. حاز جائزة اتحاد الكتّاب الجزائريين عام 1984. كان له برنامج إذاعي بعنوان "جمالية الحضور". من مجموعاته الشعرية: الربيع الذي جاء قبل الأوان، رجل من غبار، أخيرًا أحدثكم عن سماواته.
قصيدة الكروان مختارة من مجموعته "رجل من غبار".
طائر من قديم الزمان
يحمل الشمس نحوي
ويحمل عني الأغاني
ها هو الآن يأوي إلى كتفي صامتًا
فاكتبا أيها الثقلان
ليس من عادتي أن أغني
وها أنا منخرط في البكاء
ومنفرط مثل لؤلؤ صوتك عبر الفضاء
لا مزامير تمنحني في غيابك
مسبحة للقنوت
وسجّادة للدعاء
لا سبيل إلى حجر يتوسده القلب
لا كسرة من شعير
ولا ماء يرفع سقف السماء
لا سبيل إلى وردة في الجبل
ذبل الناس من حولها
فاعتراها الخجل
ليس لي أن أعود إليها
ولو فوَّضَتْني جميع الدول
لك يا طائر الأزمنة
أن تحط على كتفي صامتًا
تأسر الألسنةْ
لك أن تنتهي صامتًا
وتجنِّبني لغة الذل والمسكنةْ
طائر لا يحط على شجر
يخطف الأرض مني
يبدِّل أغصان قلبي
ويبني الخرائب من حجري
ويقود البساتين ضدي
ويسرق كل الأغاريد من عمري
لك يا طائر الأرض أن تضع الأرض حيث تشاء
وتدل الرياح على جهة لا ترى
وتدل النهار على منبع للضياء
وتدل الشعوب على حجر لا يكذبه أحد
وتدل الممالك والأنبياء
لك أن تترك الأفق لي
وتطير إلى جهة لم تطر نحوها مرةً
لم تطر مرة للوراء
لك أن تستريح على حجر بارد في المدى
وتضرب ذاكرتي بالغناء
لك يا طائري خصلتان
أن تجيء بلا سبب
وتغني بغير أوان
من رماك إذن نحو أندلسي
وغبار ملائكة الله يذهب في الأرجوان
والعرائس يخرجن من دمهن
ويدخلن في دم عشاقهن
يعطرن سوسنة الوقت بالمسك
والزعفران
ويهيئن للقلب أرصفة
وشموسًا
ويفتحن بوابة الهند
والقيروان
ليس من عادة الأقحوان
أن يجيء إلى غرسه حافيًا
وعلى قبره شمعدان
ويدان له
وعليه يدان
لك يا طائرًا لا ينام
أن تحط على كتفي صامتًا
وتحركني في المنام
وإذا سكتت نبضتي
فعسى تتحرك مني العظام.