كان عام 2022، عام الأزمات بالنسبة إلى قيادة حزب المحافظين البريطاني، الذي شهد تعاقب 3 قادة من الحزب على رئاسة الوزراء خلال فترات قصيرة، بالإضافة لخروج أكثر من 30 وزيرًا من الحكومات المتعاقبة، في سابقة لم تشهدها بريطانيا، سواء من ناحية هذه التغييرات أو حالة عدم الاستقرار.
كان عام 2022، عام الأزمات بالنسبة إلى قيادة حزب المحافظين البريطاني، الذي شهد تعاقب 3 قادة من الحزب على رئاسة الوزراء
أمّا حالة الانقسام التي يشهدها حزب المحافظين ليست وليدة اللحظة، فالسنوات التي أعقبت اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "البريكست" كانت حافلةً بالاخفاقات. فقد نشر الحزب شعارات شعبوية غير قابلة للتطبيق، وانقلبت عليه لاحقًا. وأصبح التخبط هو أبرز سمات حزب المحافظين، وهو ما نتج عنه عدم القدرة على حسم الخيارات السياسية والاقتصادية.
وفي السنوات الأخيرة عجزت قيادة المحافظين عن تقديم برنامج للنهوض من الأزمة التي أعقبت "البريكست"، وكانت السمة العامة لهذه الفترة هي تأجيل حل المسائل الخلافية، وهو ما ظهر خلال حكومات ديفيد كاميرون وتيريزا ماي التي خلفته بعد استقالته عام 2016، وبوريس جونسون الذي تسلم الحكومة بعدها عام 2019، وليز تراس التي ترأست الحكومة بعد حركة تمرد واسعة ضد بوريس جونسون أجبرته على الاستقالة بعد أن سئم نواب الحزب من محاولاته للتنصل من سلسلة الفضائح التي طالته، ولكن بعد 44 يومًا من توليها منصب رئاسة الوزراء، قدمت تراس استقالتها في عقب خلافات داخلية بشأن سياستها الاقتصادية، والتي تسببت في تراجع شعبيتها، وتنامي حالة الغضب في أوساط نواب حزب المحافظين، فقد أدت خطتها الاقتصادية إلى اضطراب في أسواق المال، وانخفاض قيمة الجنيه الإسترليني، وكان عزل تراس لوزير خزانتها كواسي كوارتينغ على خلفية "الميزانية المصغرة" التي أعدها سببًا في إثارة عاصفة من الانتقادات السياسية والشعبية.
ومع وصول ريشي سوناك إلى رئاسة الحزب والحكومة، يكون حزب المحافظين قد لعب آخر أوراقه. رئيس الوزراء الجديد يقدم نفسه على أنه رجل المرحلة، مطلقًا وعودًا بإصلاحات اقتصادية عميقة في البلاد، قبل أن يتعرض لانتكاسة بعد الكشف عن أن زوجته لا تدفع الضرائب في بريطانيا عن أرباحها الخارجية، بحجة أنها لا تحمل الجنسية البريطانية، ولا تعيش بشكلٍ دائم بالبلاد. وهذه الفضائح طالته شخصيًا بعد الكشف عن كونه مدرجًا للاستفادة من صناديق استثمار مسجلة في الجزر العذراء وجزر كايمان البريطانية، كي يساعد في إدارة الشؤون الضريبية والتجارية لزوجته، وهو ما جعله عرضةً لانتقادات حادة بسبب عدم الشفافية. بالإضافة إلى انتقادات لعملية انتخاب سوناك، التي خسرها أول مرة خلال المنافسة مع ليز تراس على منصب رئاسة الوزراء.
ويُنظر إلى أن خيار التمرد على سوناك والإطاحة به ما يزال قائمًا داخل الحزب، في حال لم يتمكن سوناك من تسجيل اختراق هام لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد، قبل حلول الربيع القادم. وتتحدث تقارير إعلامية عن خلافات حادة بين أنصار سوناك وجونسون الذي سيكون مجددًا أحد الخيارات القليلة المطروحة حال فشل سوناك. نظرًا لغياب شخصيات أخرى مطروحة لقيادة الحزب.
وفي ظل هذه الأزمات، تتحدث تقارير إعلامية، عن إمكانية التوجه نحو انتخابات برلمانية مُبكرة تساهم في التقليل من التخبط القائم، والانقسامات العميقة التي تضرب الحزب. رغم أن كل المؤشرات الحالية تشير إلى تقدمٍ مريح لحزب العمال، يمكنه من تشكيل حكومة بمفرده. ومع ذلك، تدور تصورات "المحافظين" حول أن هذه الانتخابات ستساهم في إعادة ترتيب الحزب وتجاوز الأزمات السابقة، وبالأخص أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتعافي من جائحة كورونا.
وتشير التقارير الإعلامية، إلى أن القلق داخل الحزب، لا يدور حول الهزيمة في الانتخابات العامة، بل في حصول انشقاقات داخل الحزب، خاصةً أن الحديث يدور حول قيام أعضاء الحزب بالمقامرة في مصيره والهروب من الأزمات والأنانية في قيادته، وهو ما يعني أن الحزب دخل في مراحل "متقدمة جدًا من الخرف" وأنه "لا يعي مشكلته"، بحسب ما تقول صحيفة "الغارديان" البريطانية.
تشير التقارير الإعلامية، إلى أن القلق داخل الحزب، لا يدور حول الهزيمة في الانتخابات العامة، بل في حصول انشقاقات داخل الحزب
شهدت بريطانيا وتشهد الآن إضرابات عمالية متنوعة، كلها تقلل من شعبية المحافظين، مما يجعل خيار التوجه إلى انتخابات جديدة هو الأصعب على الحزب، الذي لم يستطع التخلص من تبعات أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي. أما إمكانية الخسارة في الانتخابات فهي قائمة مع وجود أقل من عامين للتوجه إلى انتخابات جديدة في بريطانيا.