13-سبتمبر-2024
حرب الموانئ

(Getty) يشتد التنافس في منطقة القرن الإفريقي على الموانئ

عرضت جيبوتي على إثيوبيا إدارةً كاملةً لميناء تاجوراء الواقع شمالي البلاد. وبررت الخارجية الجيبوتية هذه الخطوة ـ التي وصفت في بالمفاجئة ـ بالمساعدة في خفض حدة التوتر المتصاعد في منطقة القرن الإفريقي بعد التصعيد الذي أثاره توقيع أديس أبابا اتفاقية مع الحركات التي تدعم الانفصال في إقليم أرض الصومال، تستغل إثيوبيا بموجبها شريطًا ساحليًا صوماليًا مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم غير المعترف به دوليًا.

لكنّ الخطوة الجيبوتية قد تؤدّي إلى نقيضها، أي إلى زيادة حدة الاحتقان والتوترات في المنطقة، نظرًا للحساسية المصرية من تمتع إثيوبيا بمنفذٍ على البحر الأحمر يُحررها من وضعها كدولة حبيسة، وهي التي تتهمها القاهرة بتعريض حقوقها من مياه النيل للخطر بسبب سد النهضة الذي أقامته على منابع النهر.

وكردٍّ مصري على توقيع أديس أبابا وإقليم أرض الصومال المذكرة التي تسمح للأولى بالحصول على منفذٍ على البحر الأحمر، وقعت مصر اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال وأعلنت عن إرسال قوات مصرية إلى مقديشو ومؤخرًا زودت الجيش الصومالي بمساعدات عسكرية تعد هي الأولى منذ 4 عقود. مع الإشارة إلى أن الحكومة الصومالية اعتبرت توقيع الاتفاقية بين أديس أبابا والانفصاليين في صوماللاند "انتهاكًا لسيادتها".

في المقابل يُصرّ وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف ـ في حديث مع شبكة "بي بي سي" البريطانية ـ على أنّ منح إثيوبيا الاستخدام الحصري لميناء تاجوراء يمكن أن يساعد في تهدئة الوضع بمنطقة القرن الإفريقي، مضيفًا أنّ مقترح الاستخدام الحصري أُرسل إلى إثيوبيا سابقًا، وأن مناقشته تمّت على هامش القمة الصينية الإفريقية في لقاءٍ بين الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيله ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

تُكسب الخطوة الجيبوتية أزمة القرن الإفريقي مستوياتٍ جديدة، وتثير تساؤلات عديدة عن دوافعها وقابليتها للنجاح

دوافع الخطوة الجيبوتية

تبدو دوافع جيبوتي اقتصاديةً بالدرجة الأولى، إذا وضعنا في الاعتبار أنّ جيبوتي هي المنفذ الوحيد لنسبة 95% من الصادرات والواردات من وإلى إثيوبيا، وتبلغ الرسوم التي تتقاضاها سنويًا حدود ملياريْ دولار، مشكلةً بذلك موردًا لا يستهان به لاقتصادها. من هنا يتضح أنّ لجيبوتي مخاوف ومحفزات اقتصادية من أن تتجه إثيوبيا مستقبلًا صوب استخدام موانئ أخرى، وبالتحديد ميناء بربرة الصومالي الذي وقعت مذكرة تفاهم لاستخدامه مع إقليم أرض الصومال.

لكنّ تراجع إثيوبيا عن المذكرة الموقعة مع إقليم أرض الصومال رهين بالمدى الذي سيصل إليه التوتر بينها ومقديشو، فمن شأن زيادة التوتر أن تدفع أديس أبابا لتنفيذ ما تفاهمت عليه مع الإقليم الانفصالي في الصومال، وهذا سيجرّ خسائر اقتصاديةً كبيرة على جيبوتي التي من مصلحتها استقرار التوتر بين أديس أبابا وأنقرة عند مستويات غير مرتفعة.

لم تحصل جيبوتي بعد على ردٍّ من أديس أبابا لكنها تتوقع، وفق وكالة "بلومبيرغ"، ردًّا إيجابيًا قريبًا من إثيوبيا نظرًا لأنّ التحول إلى ميناء تاجوراء يخفف الأعباء الإثيوبية المتعلقة: "بتكاليف النقل التي بلغت في بعض السنوات مليوني دولار يوميًا أو ما يوازي 16% من قيمة التجارة الخارجية للبلاد".

فضلًا عن ذلك يحقق العرض الجيبوتي لإثيوبيا وصولًا طويل الأمد "إلى منفذٍ بحري مضمون" بدون تكلفة سياسية، في إشارة إلى ضرورة مقايضة الحصول على ميناء بربرة الصومالي بالاعتراف بإقليم أرض الصومال، وهو ما ستقف دونه حكومة الصومال مدعومةً بمصر.

على الرغم من كل تلك المزايا، ما تزال إثيوبيا مترددةً لسبب رئيسي وهو رغبتها في عدم الارتهان في إدارة تجارتها الخارجية لجيبوتي وحدها، ولذلك تُبدي إصرارًا على تنويع الموانئ، باعتباره ضرورةً استراتيجيةً لتجارتها ونموها الاقتصادي.

فضلًا عن ذلك فإن حرص إثيوبيا على ميناء بربرة الصومالي لا ينحصر في مصالحها الاقتصادية، بل يرتبط برغبة عسكرية: "عبر امتلاك سلاح للبحرية في المياه الدولية"، خاصةً أنّ مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال ضمنت لها إقامة قاعدة عسكرية هناك، وهو الأمر الذي لا يوفره المقترح الجيبوتي بإدارة ميناء تاجوراء.

يضاف إلى ذلك أن الأطماع الإثيوبية في ميناء بربرة تعززها محفّزات إماراتية، حيث أنفقت أبوظبي أموالًا طائلة في تطوير ميناء بربرة ليكون بوابةً تجاريةً منافسةً لموانئ جيبوتي، ومؤخرًا وقّعت الإمارات وإثيوبيا اتفاقيةً عسكريةً بعد أيام فقط من إعلان مصر إرسال مساعداتٍ عسكرية للصومال.