ألترا صوت – فريق التحرير
تحدث المفكر العربي عزمي بشارة، مساء يوم الإثنين، 18 آذار/مارس، عبر شاشة التلفزيون العربي، معلقًا من جديد حول موجة الاحتجاجات التي تشهدها بلدان عربية عديدة، ومناقشًا في الحلقة الأولى من سلسلة مقابلات معمقة، مآلات الانتقال الديمقراطي عربيًا، ومستقبله.
اعتبر عزمي بشارة أن الجزائر جاهزة للتحول الديمقراطي بالإصلاح، الذي سبق وأن تحقق في عدد كبير من الدول حول العالم، لما تمتلكه من مؤسسات جاهزة، وأعداد هائلة من المثقفين
وفي إجابة على تساؤل المحاور في بداية الحلقة، إن كان يمكن اعتبار الحراكات القائمة حاليًا، كموجة ثانية للربيع العربي، أكد بشارة أن هناك مرحلة جديدة عربيًا، بدأت في عام 2010، لم تنته بعد. وهي ما يراها "مرحلة واحدة مع صعود وهبوط ومع ارتدادات، وربما انتكاسات". فيما كرر موقفه بخصوص طبيعة هذه المرحلة، التي رأى أنها تمثل نهوضًا للمجتمعات العربية، لتلتحق بشعوب العالم الديمقراطية من ناحية احترام كرامة الإنسان وحريته، بما في ذلك حقوقه السياسية والاجتماعية والمدنية، وتشمل حق المجتمعات العربية في تقرير مصيرها، وإدارة شؤون حياتها.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: حول القدس بإيجاز شديد
ضمن هذا السياق، فإن مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لا يرى أن هذه التطلعات تمثل استثناء عربيًا، رغم الاختلافات في طبيعة الأنظمة، حيث إن هذا التوق إلى الحرية يثبت نفسه، وكل "محاولات إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء مستحيلة، لأن هناك بذرة بُذرت. هي بذرة الحرية وحقوق المواطن، ومن الصعب اقتلاعها واستئصالها، فقد بدأت تنمو في كل مكان".
كما عزا المفكر العربي ذلك، إلى نشوء جيل جديد، يصعب التعامل معه بمفاهيم جيل الاستقلال ومرحلة الانقلابات العربية وقبول الحكم الشمولي، بحجج لم تعد مستساغة. فهذا الجيل متمسك بحريته وحقوقه السياسية، وملتزم بالقضايا العربية الرئيسية في نفس الوقت، ولا يرى أن هناك أي تناقض بينهما.
أما عن اشتغال الأنظمة على تخويف الشعوب من الاحتجاجات وربطها بفشل بعض الثورات العربية، فقد أشار إلى وجود حالات نجحت في تجاوز الأنظمة الشمولية التقليدية مثل تونس التي كسرت مقولة الاستثنائية العربية في مسألة الديمقراطية، كما أن هناك عدة نماذج لدول مسلمة استطاعت إنجاز ذلك.
فيما أعاد المفكر العربي التأكيد على موقفه بخصوص من يتحمل مسؤولية الخراب، أي النظام وليس الثورات. وبالتالي فإن التعلم الإيجابي من الثورات يقتضي تعلم المعارضة من أخطائها، وليس رفض فكرة التغيير بالمطلق.
الجزائر.. جاهزة للتحول الديمقراطي
عن الموضوع ذاته، أشار بشارة إلى أن الجيل الجديد في الجزائر على سبيل المثال تسبب بتجاوز عقدة العشرية السوداء، كما تعاطى معها إيجابيًا من خلال عدم اللجوء إلى العنف، ومحاولة التوصل إلى حلول ضمن التوافق الوطني. كما أن مصير البلاد لم يعد متوقفًا على الصراعات داخل النظام وبين نخبه. ولولا ذلك لكان الصراع تنافسًا على المحاصصة لا أكثر.
وفيما يتعلق بجدية الوعود بالإصلاح التي قدمها نظام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، فقد أشار صاحب "في المسألة العربية.. مقدمة لبيان ديمقراطي عربي" أن معظم التحولات الديمقراطية في العالم، بدأت من خلال إصلاحات صورية يجري انقسام داخل النظام حولها عادة، لكن وظيفة الحراك الشعبي تتمثل في جعل هذه الإصلاحات حقيقية، واستغلالها إلى أبعد مدى ممكن، من خلال المطالبة بتحقيقها فعليًا، وبما هو أكثر منها. واعتبر أن الجزائر جاهزة لهذا النموذج الإصلاحي، الذي سبق وأن تحقق في عدد كبير من الدول حول العالم، لما تمتلكه من مؤسسات جاهزة، وأعداد هائلة من المثقفين، ساهمت في تشكل نهضة ثقافية في البلاد، عطفًا على هامش الحرية والتجربة التاريخية المشتركة، التي يتفق الكل الوطني حولها، وحول ضرورة عدم الرجوع إلى العنف.
أكد المفكر العربي أن على أحزاب المعارضة الجزائرية تجاوز الخلافات بينها، حتى لا تكون أقل تنظيمًا من السلطة نفسها، كما كان الحال في بعض النماذج العربية، كما أن عليها أن تستعيد ثقة الناس، بعد أن اضطرت إلى أن تكون جزءًا من النظام. أما بخصوص دور الحركة الجماهيرية، فإن عليها أن تنتج قياداتها الخاصة، من دون أن تنبذ المعارضة التقليدية. كما أن عليها أن تقبل الحوار مع النظام مع استمرار النضال المدني والاحتجاجات في الشارع. فيما أضاف "أننا جميعًا نراهن على وعي الجزائريين بأن لا تحصل حالة فوضى". وتابع بأن حساسية الجزائريين إزاء التدخلات الخارجية ضرورية ومبررة، وعدّ في هذا السياق أن أفضل ما يمكن أن تفعله فرنسا بخصوص ما يحدث في الجزائر، هو أن تصمت.
السودان.. حالة أكثر تعقيدًا
في نفس الجزء الأول من سلسلة المقابلات، قدم مؤلف كتاب "الثورة التونسية المجيدة" رؤيته للوضع في السودان، معتبرًا أن أوان التغيير الديمقراطي في السودان، مثل الجزائر، قد آن، غير أن النظام ما يزال يرفض تطلعات الناس المشروعة. مع ذلك فقد أشار إلى الاختلافات في طبيعة الوضعين، حيث يحكم الجيش السودان بشكل مباشر، بالإضافة إلى وجود اقتتال طائفي في عدة مناطق.
ورغم أن حالة السودان أصعب من الجزائر، لكن هناك حراك مدني طويل المدى وله تاريخ عميق في البلاد. وأكد بشارة أن هناك مشكلة ثقة بين الحركة الجماهيرية وبين النظام، حيث إن الأخير لم يقم بأي خطوة كتمهيد للتغيير.
أما بخصوص وعود البشير بعدم الترشح، اعتبر بشارة أن حالة الطوارئ ليست إشارة جيدة، بالإضافة إلى إطلاق النار على المتظاهرين، والتشديدات الأكبر لقوة الجيش داخل النظام. وهناك في الأسابيع الأخيرة تحييد للحزب الحاكم، مقابلة مركزية أكبر للمؤسسة العسكرية.
كما أشار بشارة في هذا السياق، إلى أهمية الجيش في الوطن العربي، باعتبارها المؤسسة الحديثة المنظمة الوحيدة التي تركها الاستعمار، وهو أحد أدوات بناء الأمة، لكن ما يجب إدراكه رغم ذلك، هو أنه لا يمكن الإبقاء على وضع تحكم فيه الجيوش في الوطن العربي.
وعلى العكس من الجزائر، فإن النظام السوداني لم يدخل في مرحلة الإقرار بوجود مشكلة يجب أن يجري نقاش وطني حولها. إذ يعتبر المفكر العربي أنه يجب تحديد موعد انتهاء دور البشير بدقة، وتأسيس حكومة وفاق وطنية، والبدء بتطبيق الحريات ودستور التنمية الاقتصادية، وهي العناصر الأكثر أهمية في مسار التحول الديمقراطي.
أما بخصوص تخوف البشير من اتهامه بجرائم حرب، وتبعات ذلك إذا تنحى، بين بشارة أنه إذا كان هناك قوى مهمة في المجتمع الدولي مهتمة بتحول في السودان، أو تراهن على ذلك، فإن عليها إعطاء البشير ضمانات لعدم الملاحقة الحقوقية. وهي مساومات لا بد منها من أجل إنقاذ البلاد.
هل انتصر بشار الأسد؟
بخلاف دعاية النظام الرائجة، عدّ عزمي بشارة أن الأسد هُزم وهزم بلده شر هزيمه. متابعًا أنه لا يوجد منتصر في سوريا، رغم اعتقاده ربما أنه انتصر، حيث هزم في اليوم الذي بدأ فيه التعامل مع الشعب السوري كمحتل، وواجهه بالقصف والقنابل، وعندما سمح لقوى أخرى بالتدخل. وأشار أن من انتصر هو هذه القوى، التي تخضعه لتفاوضاتها وشروطها.
إذ لم يعد الأسد سيدًا على البلاد، فروسيا وإيران تمتلكان هذه السيادة، وأصبح النظام أشبه بميليشيات تمارس النهب لتعيل نفسها. وبالتالي فإن كلمة انتصار ليست دقيقة لوصف وضع أي طرف في البلاد.
أما عن مستقبل العلاقة بين النظام السوري وموسكو، فإن بوتين كما يبين عزمي بشارة، يعتبر أن وجود الأسد وبقاءه هو رمز انتصار روسيا في سوريا، لكنه قد يتخلى عنه إن كان هناك سبب لذلك. من ناحية استراتيجية، فإن روسيا حققت أكثر هيبة بإبقاء الأسد، وهو ما لا يدفعها حاليًا إلى التخلي عنه، لأنه يمثل أداة في يدها.
ورغم أن الشعب السوري لم يتحرر، فإن الإنسان السوري تحرر، وهو ما يقول بشارة إننا سنرى نتائجه في المستقبل القريب في مآلات البلاد. إذ لم تعد الناس تقبل بنظام مثل هذا.
فيما شكك صاحب "سوريا.. درب الآلام نحو الحرية" في قدرة الأسد على لم شمل الشعب السوري، وهو ما يعني أن الأوضاع بعيدة لسنوات ضوئية عن أي حل، مع بقاء النظام، رغم محاولته تصوير الأوضاع على أنها مستقرة. من ناحية أخرى، نفى وجود أي أهمية للتفاوض مع النظام، فيما اعتبر أن مفاوضات جنيف كانت مجرد إضاعة وقت، تظاهر النظام فيها أنه قد يقبل إجراء أي تغيير، رغم أنه غير معني بالقيام بأي إصلاح.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: كل فلسطين قدس
مصر السيسي.. هل انتهى الأمل بالتغيير؟
ختامًا، اعتبر مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن مصر اليوم تُعد دكتاتورية كاملة، تحكمها طغمة عسكرية، تخضع لها البلاد. وأشار إلى أن ما يحكم مصر منذ تولي عبد الفتاح السيسي، هو الأمن. رغم أنه اضطر في البداية إلى مسايرة إرث ثورة يناير و30 يونيو لأنه استقى شرعيته منهما، قبل أن ينقلب عليهما لاحقًا لأنه يرفض أي نشاط في الفضاء العام. لأنه يجب وفق منطقه تفريغ هذا الفضاء سياسيًا.
رغم أن الشعب السوري لم يتحرر، فإن الإنسان السوري تحرر، وهو ما يقول بشارة إننا سنرى نتائجه في المستقبل القريب في مآلات البلاد. إذ لم تعد الناس تقبل بنظام مثل هذا
لكنه لن ينجح في ذلك، كما يتوقع بشارة، لأن هناك مؤسسات عريقة في البلاد، ولا يوجد فيها نخبة طائفية يُحكم باسمها، وإنما هوية متجانسة. ولذلك، يستشرف بشارة حدوث تغيير، سواء من خلال ضغط من داخل النظام، أو بحراك شعبي، خاصة مع التأثيرات المعنوية للحراكات في السودان والجزائر، على مجمل الشعوب العربية.