قدم المفكر العربي عزمي بشارة، اليوم الإثنين، محاضرة حول مشروع التسوية القسرية للقضية الفلسطينية، الذي أعلنت عنه الإدارة الأمريكية قبل أيام، مقدمًا تحليلًا للمسار التاريخي للمبادرات الأمريكية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، وموضحًا كيف مثلت "صفقة القرن" كسرًا في هذا المسار.
رأى بشارة أن الولايات المتحدة حاولت تاريخيًا لعب دور الوسيط، كدولة عظمى، مع انحيازها الكامل لإسرائيل، لكن مبادرة دونالد ترامب تبدأ من الصفر، منقطعة عن المبادرات الأمريكية السابقة
ورأى بشارة في المحاضرة التي أقامها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن الولايات المتحدة حاولت تاريخيًا لعب دور الوسيط، كدولة عظمى، مع انحيازها الكامل لإسرائيل، لكن مبادرة دونالد ترامب تبدأ من الصفر، منقطعة عن المبادرات الأمريكية السابقة. وبين أن إدارة ترامب تخلت عن دورها الدبلوماسي كدولة عظمى، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولكن في معظم مناطق العالم.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: كل فلسطين قدس
استعرضت المحاضرة أيضًا تاريخ المبادرات الأمريكية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، بداية من مبادرة روجرز، التي بدأت تتعامل مع الصراع باعتباره قضية "ما ترتب على حرب حزيران"، وصولًا إلى المبادرات السياسية اللاحقة التي كان الرافض الأساسي فيها إسرائيل، على عكس ما يتم ترويجه عن الرفض العربي والفلسطيني الدائم.
تنفيذ وليس إعلان
وتطرق بشارة إلى اللجنة القائمة على مشروع الصفقة الأمريكي، التي تتشكل حسب وصفه من مستثمر عقاري، ومستوطن، وآخرين غير مؤهلين. وفي إشارة إلى مراحل هندسة المبادرة الأمريكية، بين المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن القائمين على المشروع لم يعلنوا عن الصفقة، وإنما بدأوا بتنفيذها، خطوة خطوة قبل الإعلان عنها.
حيث قاموا أول الأمر، بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، وهو تطبيق لتشريع أقره الكونغرس الأمريكي من سنوات.
بعد نقل السفارة، جاءت خطوة شرعنة الاستيطان باعتباره ليس عائقًا أمام عملية السلام، كما أنه ليس عملية مناقضة للقانون. وهو موقف جديد في الدبلوماسية الأمريكية كما يرى بشارة، يعبر عن الكسر المشار إليه مع المسار الأمريكي، الذي غالبًا ما تعامل مع الاستيطان باعتباره عقبة أمام السلام وعملية غير قانونية.
لاحقًا جاءت خطوة وقف تمويل الأونروا، بما لها من تداعيات، ثم إغلاق مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة الأمريكية، كنوع من الانقلاب على مسار التفاوض الذي وُجد هذا المكتب في خضمه.
وإجمالًا فقد كان مسار "صفقة نتنياهو ترامب" كما أطلق عليها بشارة، باعتبار دورها كدعاية انتخابية لكليهما، إنهاء لقضايا الحل الدائم، وتشريعًا لما يتم فرضه بالقوة. كما طغى على الوثيقة، تبني السردية الإسرائيلية التوراتية.
نبرة وصائية ولغة مستثمرين عقاريين
في الجزء الآخر من المحاضرة، قدم المفكر العربي تحليلًا لنص مبادرة دونالد ترامب، وللغته، التي اعتبر أنها تضمنت نبرة استعمارية وصائية تعود للغة القرن التاسع عشر. مشيرًا إلى أن المبادرة تتيح لإسرائيل أن يكون لديها وصاية كاملة على الأراضي المحتلة، مع التأكيد بنفس النبرة الوصائية على "التطلع إلى أن يكون الفلسطينيون مسؤولين عن الأمن الداخلي".
وأشار بشارة إلى أنه لم ترد في كل الوثيقة التي تم نشرها عقب الإعلان عن "صفقة القرن"، مفردة احتلال. وعلى العكس، فقد تم تبني الاصطلاح العبري، بوصف الأراضي المحتلة عام 1967 كـ"أراضٍ مرهونة في حرب دفاعية"، رغم أن حرب حزيران كانت قائمة حتى في الأدبيات الإسرائيلية على مباغتة الدول العربية، أي على نزعة هجومية واضحة.
ويوضح بشارة كيف طغت على الوثيقة لغة المستثمرين العقاريين، من ناحية إيراد التفاصيل الدقيقة، للمشاريع التي من المزمع إنشاؤها حسب البنود.
مغالطات منطقية
استمرارًا بتحليل نص الوثيقة، فقد أشار المفكر العربي إلى عدة مغالطات منطقية تضمنها النص. على سبيل المثال، فإنه يشير إلى انسحاب إسرائيل من 88 بالمئة من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران، والقصد هو سيناء، التي تم التخلي عنها ضمن اتفاقية أحادية مع النظام المصري. كما تعتمد الوثيقة اصطلاح "لاجئين يهود"، في إشارة إلى اليهود العرب ممن هاجروا إلى إسرائيل، مطالبة بتعويض إسرائيل عن تكاليف استيعابهم، وجعلهم بموازاة اللاجئين الفلسطينيين.
هنا يوضح بشارة، أن إسرائيل نفسها لا تعتبرهم لاجئين، وإنما "قادمين جدد"، مشيرًا إلى المغالطة الكبيرة في القفز عن الدور البارز للحركة الصهيونية، في محاولة إقناع هؤلاء اليهود بالهجرة إلى إسرائيل وأيضًا في تهجيرهم، وجعلهم رافعة للحركة الصهيونية. وهو من وجهة نظر المتحدث، مجرد كلام سجالي، لا يرقى إلى أن يكون مجادلة سياسية.
في مقابل ذلك، تضمنت مبادرة ترامب إنهاء أي حق لعودة أي لاجئ فلسطيني، كإعلان صريح وغير مسبوق لإنهاء مسألة اللاجئين وحق العودة بالمطلق.
وفي حين تضمنت الوثيقة إمكانية الاستيراد المشروط من ميناء حيفا وأشدود، يوضح المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن هذا ما يحدث في الواقع الذي تفرضه إسرائيل كما هو الآن ولا يتضمن أي تنازل.
كما يشير المتحدث إلى مغالطة واضحة في النص، بتضمنه لعبارة "لا تعتقد إسرائيل والولايات المتحدة أن دولة إسرائيل ملزمة قانونيًا بتزويد الفلسطينيين بمئة بالمئة من الأراضي المحتلة"، حيث تشير لغة البيان هنا أنه لا يعبر عن موقف أمريكي فقط، وإنما هو موقف أمريكي إسرائيلي مشترك ومبادرة تمثل الإدارة الإسرائيلية.
وفي حين تضمن مشروع الإدارة الأمريكية تبادل أراضٍ، على عدة مستويات، منها على سبيل المثال تبادل المستوطنات مع مناطق صحرواية في النقب. فإنه أشار إلى "إعادة" أراضي المثلث للدولة الفلسطينية. وهنا يوضح عزمي بشارة أن هذا ليس تبادل أراضٍ، وإنما ترانزفير، وتخلص من الكتلة الديموغرافية التي يمثلها هؤلاء الفلسطينيون.
في حين كانت عبارات مثل "عدم إخلاء أي يهودي أو عربي"، مرادفًا فعليًا لعدم إخلاء المستوطنات، لأن الفلسطينيين تم تهجيرهم أصلًا. وهو تجاوز في رأي بشارة حتى لإدارة شارون، التي تضمنت استراتيجياتها إخلاء بعض المستوطنات.
كما يشير المفكر العربي إلى التحايل على مفهوم السيادة في الوثيقة، باعتبار أنه يجب أن يكون مفهومًا مرنًا كي لا يكون عائقًا أمام السلام، وهي في رأيه "مرونة" فقط عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين. وهو ما يؤكده الإصرار على وضع الأمن الإسرائيلي كشرط في معظم بنود الوثيقة.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. تعرية ديمقراطية إسرائيل المتناقضة
وفي سياق الإشارة إلى احتواء المبادرة على "سيادة" كاملة لإسرائيل على الأراضي الفلسطينية و"الدولة" المزمع إنشاؤها، يشير بشارة إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المياة الجوفية. حيث يتم اعتبار المياة الفلسطينية مشتركة، على عكس المياه الجوفية الإسرائيلية. بينما تتيح "الصفقة" للجيش الإسرائيلي التواجد في المناطق الفلسطينية، بالإضافة إلى سيطرته حتى على الطرق في تلك الأراضي.
قدم المفكر العربي تحليلًا لنص مبادرة دونالد ترامب، وللغته، التي اعتبر أنها تضمنت نبرة استعمارية وصائية تعود للغة القرن التاسع عشر
يوجز المفكر العربي بالقول إن ما تقترحه مبادرة دونالد ترامب هو باختصار الوضع القائم، وتشريع له، مع تشريع ضم 70 بالمئة من أراضي مناطق جيم، ومع "دولة فلسطينية" لا تتعدى كونها تسمية بدون استحقاقات.