لا تزال الأنباء متضاربة لحد كبير حول سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على مدينة الطبقة بريف الرقة، أحد أهم معاقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد الأحاديث المتداولة عن إبرام اتفاق بين الطرفين، يفضي بخروج مقاتلي التنظيم مع سلاحهم الخفيف إلى الرقة، والاستعدادات الأمريكية الكردية، لبدء عملية الرقة التي يجري التحضير لها منذ أشهر.
انقسام بين مقاتلي داعش في "الطبقة"
وسائل إعلام محلية تناقلت منذ أيام، خبر اتفاق أُبرم بين "قسد" ووجهاء من مدينة الطبقة، ينص على تسليم مقاتلي التنظيم كافة أحياء مدينة الطبقة إضافة لسد "الفرات"، أكبر سد مائي في سوريا، مقابل تأمين ممر آمن يسمح لهم بالخروج مع سلاحهم الخفيف إلى مدينة الرقة، في الوقت الذي أكد فيه"المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أن المقاتلين السوريين في التنظيم وافقوا على الانسحاب، فيما رفض المقاتلون الأجانب لاتفاق، إذ تدور اشتباكات عنيفة في الحي المعروف باسم "مدينة الثورة".
هناك أنباء عن انقسام داخل داعش في الطبقة، بين القادة السوريين والأجانب
وفي حال ثبت ما نشره المرصد السوري فإن ذلك يشير لانقسام بين قيادات التنظيم في الطبقة، التي تعتبر قاعدًة قيادية له، وتضم أكبر سجونه، على غرار ما حصل في مدينة منبج، قبل ان يفقدها التنظيم، ما يدل على أن عملية الرقة لن تكون سهلة، بخاصة وأن الطبقة تخضع لحصار خانق، منذ ما يقرب 30 يومًا، فضلًا عن نشر المرصد أخبارًا قال إنها نقلًا عن "مصادر موثوقة" دعا فيها زعيم التنظيم، أبي بكر البغدادي، مقاتليه لـ"الاستنفار والنفير إلى الرقة".
اقرأ/ي أيضًا: تعطيل "درع الفرات".. داعش و"قسد" خلف النظام
من جهتها نفت "قسد" التي تقودها "وحدات حماية الشعب" الكردية، الذراع العسكري لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردستاني، على لسان أكثر من قيادي في صفوفها، ما نُقل عن إبرام اتفاق يسمح لمقاتلي التنظيم بالانسحاب، رغم أنها قامت بعقد اتفاق مماثل عندما سيطرت على مدينة "منبج" في ريف حلب الشرقي العام الفائت، لذا فإنه ليس مستبعدًا إبرامها مثل هذا الاتفاق، طالما أنه كان ناجحًا في معارك سابقة.
وفي حال استطاعت "قسد" فرض سيطرتها بشكل كامل على مدينة الطبقة، وسد الفرات الذي مازال مقاتلي التنظيم يسيطرون على منشآته، فإنها ستصبح على بعد 50 كيلومتر من الجهة الغربية لمدينة الرقة، ما يساعدها في عملية السيطرة على معقل التنظيم الذي أعلنها في صيف 2014 عاصمًة له، خلال استعراض لقوته العسكرية، إضافة لوجود عشرات القياديين الهاربين من الموصل فيها.
مطامح الأكراد التوسعية في شمال سوريا
صحيفة "الغارديان" البريطانية كشفت في تقرير مثير لها، تضمن تصريحات لهدية يوسف، الرئيس المشترك للمجلس التأسيسي لفيدرالية (الإدارة الذاتية)، عزمهم ضمّ مدينتي الرقة ودير الزور لمناطقهم في شمال سوريا بعد السيطرة عليهما من قبضة داعش، ما يعني إعادة رسم لخارطة نفوذهم في الشمال السوري، وسيطرتهم تقريبًا على ثلث البلاد.
تقرير الصحيفة يظهر عزم "قسد" فتح ممر تجاري عبر البحر المتوسط، لكسر الحصار المفروض عليها من الجانبين التركي – العراقي، وألمحت يوسف في حديثها إلى إمكانية توجههم بعد السيطرة على الرقة ودير الزور إلى محافظة إدلب، التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وفصائل معارضة، بهدف ضمها لمناطق سيطرتهم، وهو المشروع الذي أعلنت عنه القوات الكردية منذ العام الماضي، عندما حاولت التوسع في ريف حلب قبل أن توقفها قوات المعارضة بدعم من الجيش التركي.
كشفت تقارير دولية عن عزم الأكراد ضم مدينتي الرقة ودير الزور لفيدراليتهم المزمع تأسيسها
ووفق خارطة السيطرة العسكرية في المدن السورية، فإن إدلب تبعد نحو 170 كيلومتر عن مدينة الرقة من الجهة الغربية، ويتوجب على "قسد" بدايًة السيطرة على مدينة "مسكنة"، التي يتواجد فيها تنظيم الدولة، وتبعد تقريبًا 114 كيلومتر عن الرقة، كما يحتم عليها التنسيق مع قوات الأسد والميليشيات الأجنبية، إلا في حال شنت هجومها على المدينة من منطقة "عفرين"، لكن هذا الخيار يبدو مستبعدًا بسبب عدم إمكانية تلقيها الدعم العسكري المناسب، نتيجة فصل فصائل المعارضة المتواجدة في مناطق "درع الفرات" عفرين عن منبج.
اقرأ/ي أيضًا: تركيا تقتل طموح الأكراد
كذلك يفرض إنشاء الممر التجاري عبر البحر المتوسط على القوات الكردية، عقد اتفاقية مع النظام السوري، كون منطقة الساحل تشهد توجدًا عسكريًا روسيًا يبعد عن مناطق نفوذها 100 كيلومتر، كما أن النظام السوري يسيطر على مطار "القامشلي"، إذ تتقاسم القوات الكردية مع قوات الأسد وميليشيا الدفاع الوطني السيطرة على المدينة، وكذا سيّرت رحلات برية من مناطق سيطرتها إلى مناطق النظام السوري منذ الشهر الماضي، وتلويحها بأنها قد تتعاون مع قوات الأسد، وامتلاكها لعلاقات طيبة من القوات الروسية في سوريا، كل ذلك يجعل من إنشاء الممر أمرًا قد يكون قريبًا جدًا من التحقيق إذا ما قدمت التزامًا مضمونًا لدعم الأسد في عملياته العسكرية، حيث تملك في صفوفها أكثر من 50 ألف مقاتل.
تخبط أمريكي يؤخر عملية الرقة
وتأتي تصريحات يوسف الأخيرة مناقضة لما أكدته إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، عندما أعلن عدد من مستشاريه أن القوات الكردية لن تبقى في الرقة بعد السيطرة عليها، لكن الإدارة الحالية تبدو أكثر قربًا من خطة الإدارة السابقة في عملية الرقة من خلال تقديمها الدعم العسكري واللوجستي للقوات الكردية، وتجاهلها لمقترحات أنقرة المرتبطة بعين العملية، بعد أن كانت ترفض بشدة دعمها لأي قوات محلية متواجدة في سوريا.
وتعتبر الولايات المتحدة أن القوات الكردية هي القوة العسكرية الوحيدة المنظمة عسكريًا في سوريا، ويمكن الاعتماد عليها في معاركها ضد التنظيم، بخاصة بعد الدعم الذي قدمته في معارك "عين العرب/ كوباني"، وبعدها مدينة منبج، ورفضها دعم فصائل المعارضة المشاركة في عملية "درع الفرات" المدعومة من الحكومة التركية، متجاهلًة الأهمية التي تمثلها أنقرة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واستخدام مقاتلاتها لقاعدة "إنجرليك" الجوية في عمليات التحالف الدولي ضد التنظيم.
وفي هذا الجانب صرح عدد من المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية، أن واشنطن أرجأت البدء بعملية الرقة لما بعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الأمريكي دونالد ترامب منتصف الشهر الجاري، وذلك لأجل إطلاع الرئيس التركي على خطة عملية الرقة، ورجحت أن تبدأ بعد انتهاء اللقاء بوقت قصير، في الوقت الذي قال فيه مسؤولون أتراك إن اللقاء سيتضمن إطلاع الجانب الأمريكي على خطة بديلة أعدتها أنقرة بخصوص عملية الرقة.
صرح أردوغان في وقت سابق بأن كلًا من أمريكا وتركيا ومعهما التحالف الدولي، قادرين على تحويل الرقة لمقبرة داعش
ورغم اعتبار واشنطن أن "قسد" تضم في صفوفها خليطًا من المقاتلين العرب والكرد، إلا أنها اعترفت في مقابل ذلك في أكثر من مناسبة أن جميع المناصب القيادية – في الفصيل الذي تقول أنقرة إنه امتداد لحزب "العمال الكردستاني" المصنف إرهابيًا – يشغل غالبيتها المقاتلين الأكراد، وتتحفظ القوات الكردية على ذكر القياديين من العمال الكردستاني الذين قتلوا أثناء معاركها في سوريا، وخلال الشهر الفائت قصف الجيش التركي مواقعًا للوحدات الكردية في شمال شرق سوريا، ما دفع واشنطن لنشر قوات أمريكية على الحدود السورية – التركية كقوات عازلة خوفًا من تكرار عملية القصف من الجانب التركي.
وكان أردوغان نهاية الشهر الفائت قال خلال مؤتمر في إسطنبول إن "أمريكا الهائلة، والتحالف (الدولي) وتركيا قادرون على توحيد قواهم وتحويل الرقة إلى مقبرة لداعش"، مشددًا على عدم إشراك القوات الكردية التي أشار إليها بـ"التنظيمات الإرهابية" في العملية، إلا أن المعطيات الأخيرة تدل على تجاهل واضح لمقترحات أنقرة حول العملية المرتقبة، والتي تتضمن إشراك فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا في العملية عوضًا عن القوات الكردية.
اقرأ/ي أيضًا: مطالبات سورية بعدم استهداف المدنيين في الرقة
وتسعى معظم القوة الدولية للمشاركة في عملية الرقة نظرًا لأهميتها التي سيحفظها التاريخ لما تكتسبه من رمزية لمقاتلي التنظيم، بعد خسارته بلدة "دابق" عندما استطاعت فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا السيطرة عليها منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، رغم ترويج التنظيم الدؤوب عبر وسائل إعلامه أنها ستشهد هزيمة "أعداء الإسلام الصليبيين" قبل أن تدخلها المعارضة السورية وتكسر أسطورتها، لذا فإن عملية الرقة ستكون بذات الأهمية لأنها ستدون في سجلات التاريخ أسماء القوى التي تحالفت لكسر أسطورة أكبر حركة إسلامية متطرفة ظهرت في منطقة الشرق الأوسط في القرن الـ21.
اقرأ/ي أيضًا:
"قسد" تبدأ عزل الرقة.. وتعلق على "غضب الفرات"
"قسد" وحجة معركة الرقة.. من حضن أوباما إلى التحالف المعلن مع نظام الأسد