حين تجرأ فرج سليمان وقرّر أن يُخرج "إسّا جاي" من صدره ويحرج عامر حليحل، ربما لم يكن يعلم تمامًا أنّه بعدَ سنواتٍ قليلة سيكون الحاضر الرئيس في الجزء الشمالي من القارّة الأمريكية.
"أحلى من برلين" عنوان مخادع لألبوم، فقد يظن المرء أنه سيرى تلك المدينة الكوزموبوليتانيا في صوت فرج سليمان وموسيقاه
"أحلى من برلين" عنوان مخادع، فقد يظن القارئ / المستمع أنه سيرى تلك المدينة الكوزموبوليتانيا في صوت فرج وموسيقاه، لكن الفخ الخفي نصبه مجد كيّال، فأوقع كل من سمعها بحب حيفا، وبرلين كانت عنوانًا فقط.
اقرأ/ي أيضًا: ألبوم "أحلى من برلين".. آخر معاقل المقاومة
لم يذهب مجد إلى أبعد من حارته، أشركنا في تفاصيل يومه، وعلى الأغلب يوم أي حيفاوي عاديّ، كانت الحارة على صغرها تختزل تفاصيل نحن بحاجة لها، نحن الذين نسمع عن حيفا ولم نزرها، نراها في صوت تامر نفّار وكلمات رشا حلوة وشعر أسماء عزايزة وعيون علي مواسي، والآن، جاء مجد كيّال ليقول إن حيفا أحلى من برلين بعد أن كان الموت فيها، وفق ما رواه.
لن أتحدث عن الألبوم كاملًا، تعنيني هُنا فقط، تلك الأسئلة البسيطة الخاصّة بحيفا.
هو الـ Shot الأخير الذي كتب كل هذه الأسئلة، ذاك الذي يخدعنا حين نظنُّ أننا أكبر من لظمِ جملتين متكاملتين، فنحاول، ونخسرُ اللعبة حين تنبت في زاوايا الذاكرة كل تلك المشاهد التي استعنّا بالكحول لمحوها، فتصيرُ أغنية.
أم صبري كانت معنا هُنا في برد "أوتاوا"، جاءت ومعها كل ما نفقتدُ في الغُربة.
قصص الأولاد، لفّة الثوب وتداخل الخيوط في تطاريزه، حدثتنا عن أم وديع، وعن حمودة "اللي بلعب حديد"، وعن العرائس اللاتي تحايلن على الفايروس ليذهبن إلى الليلة الأولى.. الكبيرة.
عاطف – ياويلي عليه- لا يزال يرصّ الطوبة فوق الأخرى، هو لا يعلم أننا نتعاطف معه، وأننا مع كل طوبة يرصّها، نتمنى أنها لو كانت لنا، لبيتنا.
ما قامَ به الثنائي مجد وفرج كان مغامرة "كورونية"، ولربما علينا هنا أن نشكر الوباء، فمن خلاله عشنا كانون الأول/يناير في حيفا، تمشينا في الحارات، وحاولنا أن نسأل الصبية التي كانت مجرد صديقة، ما يريد أن يسأله مجد على لسان فرج، لكننا ضعنا في برلين، المدينة التي نريدها ولا نحبّها، نهرب إليها دون أن نغادر مدننا، وهي هنا حَيفا، بالأساس.
هل كان مجد سيكتب ما كتب لولا فرج؟ هل كان فرج سيخبرنا عن كل هذا لو لم يكتبها مجد كأغنية؟
خرجت الأغنية من مدار الكاتب الخاص لتصل إلينا، جميعًا، فلم تعد الأسئلة شخصية فقط، بل صارت عامّة نسألها يوميًا، تشغلُ حيزًا من حواراتنا، وخيالاتنا، ووقتنا الفائض الذي اكتشفناه في هذا العام الغريب.
أسئلة عادية جدًا تُركت اجاباتها لنا، وأشعلت فينا الفضول لنعرف "شو هي الألمانية"؟
في الغُربة، نحتاج تفاصيل البلاد لنروي قصّتنا، نُرسل ترجمات ما كُتب عَنّا لنضع الآخر بصورة ما حدث، نصحناهم بإدوارد سعيد ومحمود درويش، وليد الخالدي، غادة الكرمي وسوزان أبو الهوى، نور مصالحة وغيرهم، نحتاجُ التفاصيل التي لا نعرفها، يومياتنا العادية، ليشاهد العالم أننا مثلهم تمامًا، عاديون جدّا، لكننا، ظُلمنا.
نحتاج تفاصيل البلاد لنروي قصّتنا، نُرسل ترجمات ما كُتب عَنّا لنضع الآخر بصورة ما حدث
حين صدر ألبوم "أحلى من برلين" تم انتقاد الموسيقى والصوت والكلمات، لكني أقف على زاوية أخرى، فلا شأن لي بالمعايير المتعارف عليها حين تصير الأغنية مَدخًلا لتعريف العالم عنّا، عن فلسطين.
اقرأ/ي أيضًا: فرج سليمان.. تطويع البيانو لحكاية المدينة
لم تنجح كلّ المؤسسات الرسمية الناطقة باسمنا في استقطاب أقل من 100 ألف قارئ لبيان واحد، ونجحت "أحلى من برلين" في أن تُسمع لحوالي المليون مرّة، ولهذا السبب تحديدًا، علينا أن نُعيد النظر في الطريقة التي نبدأ فيها سردُ حكايتنا، من عاديّة شوارع حيفا التي عرفنا منهم، مجد كيّال وفرج سليمان، بعبثية سلسة في مواجهة تعاقيد من لا يعرف حقيقة ما حدث.
اقرأ/ي أيضًا: