في مقالاتها الصحفية، وفي تفاصيلها الحياتية، كما في عوالمها القصصية التي كان آخرها مجموعتها "تلة تسكنها الأعداء" (خطوط وظلال 2022)، تجرنا الكاتبة السورية فدوى العبود إلى أمكنة أبعد من المكان، وحزنٍ أبعد من الشعور، وتناسلات لا نهائية لمتواليات الكابوس- الحلم، الرغبة- الكآبة، الوجود- العدم، السرد- التفاصيل، القصة- النص المفتوح.
تمتلئ قصصها المنقحة بالبدائل الدلالية كالسير في منامات لا متناهية. تعيد شخصيات قصصها من خلالها ترتيب أزمنة عادية بقوالب سحرية وموازية للواقع- الخراب، التكيف- البقاء، المحبة- الهروب.
تقودنا فدوى العبود إلى التقاطات وبورتريهات فانتازية في سردها لمواقف متناهية الصغر، وممتدة إلى اللانهائي في التفاصيل العادية واليومية لأبطالها
متخففة من أعباء وسلطة الحبكة القصصية العادية إلى أفق الشعور المتقاطع، في لغة استثنائية وشعرية لا تؤثر سلبًا على ثيمة الحكاية والتفاصيل في قصصها.
شخصيات مترامية الاهتمامات متكررة الحواس والسمات تخلق انزياحاتها المكانية والشعورية في حياة تتداعى.. لترمم وجود كثير التشظيات والواقعية.
تقودنا فدوى العبود إلى التقاطات وبورتريهات فانتازية في سردها لمواقف متناهية الصغر، وممتدة إلى اللانهائي في التفاصيل العادية واليومية لأبطالها، والذين كثيرًا ما يشبهون تلك الشخصيات أو الذوات التي تمكث بداخلنا بكل تناقضاتها وانهياراتها وكفاحها دون توقف تجاه الأمل والأحلام، والتكيف والتعايش.. أو الهروب.
حيث يصير لكل قصة من قصصها تلك أثر أعمق من الإثارة أو التشويق، إنه أثر الغوص في أعماق طيات وطبقات الشخصية، المتعددة والمتأملة والخالقة لوجودها وديمومتها وتأويلاتها الجمالية للموجودات والبيئة المحيطة، من خلال تعابير وصور تجعل القارئ كما يفعل مغامرو تلفزيون الواقع شريكًا، أو متقمصًا لتلك التفاصيل والعوالم والمتواليات. وهذا شيء نادر في الكتابة الإبداعية العربية التجريبية، الروائية أو القصصية. لكن القارئ الشغوف المعاصر سيلمس مثل هذه السمات والابتكارات الاستثنائية في كتابات الروائي والسيناريست الأمريكي المعروف بول أوستر، وهناك تقاربات واضحة مع أسلوب أوستر في بعض أعماله الروائية، وخصوصًا في: "في بلد الأشياء الأخيرة" و"ثلاثية نيويورك".
تكتب فدوى العبود ما يشبه الشعر والسيناريوهات المحكمة لأفلام روائية قصيرة قصصًا استثنائية عن ثيمات الحرب، والخوف، والمكر، والتسلط، والاستسلام، والأقدار الغريبة، والعدم، والتأويلات الفلسفية والنفسية، والتقاطات الذاكرة وإسقاطاتها.. وعن هشاشة المكان والشخوص والحياة والمحبة والانعتاق.. وكل ذلك بطريقة مبتكرة وسحرية لا نهائية الاحتمالات أو التأويل، وتجرنا من أنفسنا إلى أنفسنا في ما يشبه التنويم المغنطيسي أو السحر، من أجل العودة بنا إلى طفولة متأخرة وخارقة الاستيعاب والتماهي.
يذكر أن فدوى العبود كاتبة سورية. تحمل ماجستير في الفلسفة والأدب من جامعة دمشق. أصدرت كتاب "التحليل الفينومينولوجي للوعي عند سارتر وانعكاسه في أدبه"، حصلت على عدد من الجوائز الأدبية. ولديها عدة مشاريع أدبية ونقدية قيد التحضير.