26-مايو-2017

وليد المصري/ سوريا

في تلك الليلة كان باب الغرفة مواربًا عندما دخل أخي حاملًا في يده اليسرى ورق اللعب، بعد أن تأكد من أنني لا أزال مستيقظًا. قلت لنفسي حينها وأنا أحاول صنع ابتسامة صغيرة أمامه: لا بدّ أنه شعر بالملل، ويريد أن نلعب معًا. لأن هذا ما يفعله أخي عندما يشعر بالملل. بالإضافة إلى أنه مهووسٌ بلعب الورق. ويلعب منذ العاشرة من عمره. في ذلك الوقت كانت لديه حقيبة. حقيبة صغيرة تعلّق على الكتف، يضع داخلها الورق. كما أنّ أبي، الذي كان يلعب الورق أيضًا في ذلك الوقت، كان يأخذه معه إلى مقهى الحي، حيث يلعب هناك مع أصدقائه، من أجل الاستعانة به.

دعوتهُ للدخول بعد أن فشلت في صنع ابتسامة أمامه. ذلك لأنني لا أجيد الابتسام، بعد أن أعطبت رصاصة حركة فكيّ. كان حينها يقف أمام باب الغرفة. تقدّم قليلًا ثم قال "هل لديك وقت لنلعب معًا؟"، "طبعًا لدي، تفضل" أجبته، ثم بدأت بإزاحة الأشياء التي كانت موجودة على طاولة صغيرة جوار سريري، من أجل إفساح مكان للعلب: هاتفي النقّال، علبة سجائر رخيصة جدًا، ومنفضة زجاجية ضخمة. ثم جلست على حافة السرير، وجلب كرسيًا كان إلى جانب النافذة وجلس عليه.

لعبنا في تلك الليلة حتى ساعة متأخرة جدًا. كان أخي المنتصر دائمًا، ذلك لأنني لا أجيد اللعب، وعندما ألعب، أفعل ذلك من أجل التسلية فقط. حينها تراني كما لو أنني روبوت مهمته رمي الأوراق على الطاولة فقط. أمّا أخي، يلعب بثقة عالية جدًا، وبعد كلّ جولة، يسدِّد لي تلك النظرات التي تقول "أحمق" أو "اللعب معك ممل جدًا". ثم نام بعد ذلك على الأريكة الوحيدة في الغرفة.

في صباح اليوم التالي لم أجد أخي مكانه، حيث نام في تلك الليلة. قلت لنفسي حينها "لا بدّ أنه يعدّ القهوة في المطبخ"، ثم بدأت بارتداء ثيابي استعدادًا للخروج من الغرفة، غرفة النوم الوحيدة في المنزل، وأكبر الغرف أيضًا. ذلك لأنّ منزلنا صغير، صغير جدًا. أقصد منزلنا الجديد، لأن القديم تحوّل إلى كومة حجارة. والتنقل فيه، أي المنزل الجديد، لا يستغرق منك الكثير من الوقت. ما أن تخرج من غرفتي، تجد المطبخ أمامك مباشرةً، وإلى جانبه حمّام صغير جدًا. بالإضافة إلى صالون صغير أيضًا، إلى جانبه مدخل المنزل الرئيسي.

لم أجده حينها في المطبخ، كما أنهُ لم يكن في الصالون. حينها استنتجت أنهُ قد يكون خرج من المنزل. وهناك ثلاثة أماكن يقصدها أخي باستمرار: مقهى الحي، دكّان الحاج صالح، وصالة الإنترنت. حينها قررت الخروج من المنزل للبحث عنه، رغم أنني لا أخرج من المنزل منذ شلّت تلك الرصاصة حركة فكيّ، من أجل ألا أخيف الأطفال. وعندما اضطر للخروج، أجرّب أمام المرآة صنع ابتسامة صغيرة، صغيرة جدًا. وأبذل حينها جهدًا كبيرًا. إلا أن وجهي حينها يصبح مخيفًا، مخيفًا جدًا، كما لو أنهُ مسخ. وفي ذلك اليوم، لم أكن أملك وقتًا كافيًا لصنع ابتسامة. كما أنّ وجهي الذي يكون مخيفًا عندما لا أبتسم، يناسبني أكثر. هذا ما استنتجته قبل أيام.

قررت حينها التوجه نحو مقهى الحيّ، كونه الأقرب من المنزل. حيث يبعد مسافة عشر دقائق من السير فقط، بخلاف الدكّان وصالة الإنترنت. بالإضافة إلى أنّ أخي يمضي جلّ وقته في المقهى، من أجل لعب الورق مع أصدقائه.
لم يكن أخي في المقهى أيضًا، كما أنّ المقهى كان خاليًا من الناس. كان ليكون كذلك لو لم يكن هناك ثلاثة شبّان فقط في زاويته اليمنى. دخلت حينها إلى المقهى، وسألت الشاب الذي يعمل هناك إن كان قد رأى أخي. هزّ رأسه عدّة مرّات متتالية كما لو أنه يسخر من السؤال. وعندما أعدته عليه مرّة أخرى، سدَّد لي عدّة نظرات مخيفة جدًا، ثم أمرني بحزم أن أغرب عن وجهه.

اتجهت بعد ذلك نحو دكّان الحاج صالح. وفي الطريق، كنت أتمنى أن أجد أخي هناك. لأنني كنت قد تعبت من السير حينها. لأنّ المسافة بين المقهى والدكّان تستغرق مني نصف ساعة من السير. وإن لم أجده هناك، كان عليّ أيضًا السير لخمسة عشر دقيقة لأصل إلى صالة الإنترنت.

أخي وجد في دكّان الحاج صالح وسيلةً تمكّنهُ من رؤية الفتاة التي يحبها عندما تأتي إلى الدكّان لشراء شيء ما. حينها، يتبادلان أحاديث قصيرة جدًا، بالإضافة إلى بعض الرسائل، دون أن يتمكّن الحاج صالح من رؤيتهما. وفي ذلك اليوم، عندما وصلت إلى الدكّان، كان مغلقًا. ذلك يعني أنّ أخي لم يكن هناك. كما أنني لم أتمكّن من سؤال الحاج صالح عنه. لأنّ منزله أيضًا بعيد جدًا عن دكّانه.

كان عليّ حينها أن أتجه إلى مقهى الإنترنت. وفي الطريق، شعرت أنّ الأمر مجرّد مزحة. لأنّ أخي فعل ذلك من قبل عدّة مرّات. بالإضافة إلى أنهُ ماهر في الاختباء أيضًا. ويختار أماكن مميزة للاختباء بها، بحيث لا يستطيع أحد العثور عليه. وعندما فعل ذلك للمرّة الأولى، كنّا حينها نبلغ من العمر عشرة سنوات. بالمناسبة، أنا وأخي ولدنا معًا، أي أننا توأم، وتستطيع ملاحظة ذلك عندما ترانا معًا. يومها بحثنا عنه أنا وعدّة أطفال كناّ نلعب معهم الغميضة، دون أن نتمكّن من العثور عليه.

عندما وصلت إلى الصالة، كان معاذ، صاحب الصالة، يقف أمام باب المدخل. معاذ سيئ جدًا، ولا يكف عن السخرية من الناس الضعفاء، وإخافة البعض بالأسلحة التي يمتلكها. قبل عدّة أيام من ذلك اليوم، كان يجرّب صاعق قذيفة، وانفجر حينها الصاعق في كفه الأيمن، مبقيًا إصبعًا واحدة فقط متصلة به.

تقدّمت قليلًا من معاذ وسألته إن كان قد رأى أخي. ابتسم حينها وأشار بإصبعه الوحيدة المتبقية في كفِّه الأيمن إلى طاولة فارغة في يسار الصالة. وقال "ألا تراه؟ إنّه هناك" ثم بدأ يضحك ساخرًا، بالإضافة إلى الذين كانوا في الصالة. حينها، أدركت أنّ معاذ يسخر منّي، لأنّ الطاولة كانت فارغة. كما أدركت أيضًا أنني شخص عديم الأهمية، ولست مخيفًا كما كنت أظن. ربما لو أنّ الرصاصة انحرفت في ذلك اليوم عدّة سنتيمترات قليلة، لصار وجهي مخيفًا أكثر، مخيفًا بما يكفي لأكون شخصًا يخافهُ الناس، وذا أهمية أيضًا.

غادرت حينها الصالة متجهًا نحو المنزل. وعندما وصلت، كنت منهكًا ومتعبًا من السير. وواثقٌ أيضًا أنّ الأمر مجرّد مزحة، وأنّ أخي سيعود إلى المنزل عندما يتأكد من أنني لن أبحث عنه، لأنّ هذا ما يفعلهُ عادةً. دخلت حينها إلى غرفتي مباشرةً، واستلقيت على السرير. عندئذ لن تصدق ما حدث. وجدت أخي مختبئًا في الغرفة. ولكنّ محاولته في الاختباء في ذلك اليوم كانت غبية ومضحكة جدًا. حيث أنه كان مختبئًا في برْواز خشبي معلّق على الجدار، ويظهر من جسده وجهه فقط. أذكر أيضًا أنّ شريطًا أسود اللون كان في زاوية البرواز، فوق رأس أخي مباشرة.

 

قرأ/ي أيضًا:

هنا الشاعر

ابن آدم والبحث اللامنتهي