يرسم الموسيقي الفلسطيني فرج سليمان، مع كثيرين من أبناء جيله، حكايات وألحانًا عبر تجارب موسيقية فريدة من حيث النوع، حين تجده مجددًا ومستخدمًا بعض الإيقاعات المألوفة والمعروفة، في إنتاج لحنٍ جديد. كما ويكون مبتكرًا ومُصنعًا للكثير من الألحان التي يعتمد فيها على آلته البيانو إلى جانب الكثير من تنويعات الجاز والشرقي.
يرصد الموسيقي الفلسطيني فرج سليمان العلاقة المعقدة بين آلة البيانو والموسيقا الشرقية
في ألبومه السابق "تسجيل دخول" جاء محملًا بفرادة اللحن والعزف في مقطوعات شكلت مجموعة من الأعمال الموسيقية التي ألّفها على آلة البيانو، إلى جانب إعادة توزيع مقطوعات من ألحان محمّد عبد الوهاب والأخوين رحباني وغيرهما.. مرتكزًا على آلة البيانو ذاتها، وما يمكن أن تعطيه من أفكار مستغلًا فيها الإمكانات التي توفرها هذه الآلة، في سبيل التجديد في الجملة الموسيقية الشرقيّة، وتطويرها دون تشويه هويّتها. حيث تُعطى مساحة موسيقية لكل الممكن والمتوقع من الآلة.
اقرأ/ ي أيضًا: فريد عمارة.. سحر البساطة
وهذا ما استمر على تشكيله في ألبومه الجديد "كان يا مدينة"، المؤلف من ثماني قطع موسيقية متنوعة، من ألحان وتوزيع سليمان نفسه، بالإضافة الى أغنية فيروز "يابا لالا" ألحان الأخوين رحباني، والتي أعاد فرج توزيعها لتأخذ شكلًا موسيقيًا أخرًا مفعمًا بالحيوية. كما يجمع الألبوم صورًا وحكايات مركزها المدينة، تلك المدينة بكل حالاتها، التي دمرتها الحرب، إلى المدينة التي يمشي فيها شاب وفتاة في أوّل لقاء لهما. ويصف قائلًا: "الموسيقى في هذا تُجسّد ما تُضفيه المدينة من قسوة واغتراب، وتبحث فيها عن مساحات حميميّة وشخصيّة رغم الصخب".
بين الجاز والتانغو وأنواع موسيقية أخرى يحاول فرج من خلال ألبومه أن يرصد تلك العلاقة المعقدة بين آلة البيانو والموسيقا الشرقية، من خلال البحث عن تفاصيل جديدة في علاقة البيانو كألة موسيقية غربية مع الآلات والايقاعات الموسيقية الشرقية.
يفتتح "كان يا مدينة" بقطعة موسيقية بعنوان "تحت شجرة اللوز"، حيث يعود بذاكرته إلى شجرة اللوز الكبيرة التي أمضى تحت ظلها جزءً كبيرًا من طفولته في قريته الرامة، في الجليل الأعلى، شمالي مدينة عكا. بالعلاقة مع تلك الحكاية وغيرها يخط فرج تفاصيل سمعية مميزة لألبومه، بالتعاون مع المنتج والموزّع الموسيقي حبيب شحادة حنا وكُلًا من رامي نخلة (درامز) وشادي عويدات (جيتار باص).
قدم فرج سليمان تجارب موسيقية مع الشعر العربي الحديث، وأصدر عدة ألبومات موسيقية شعرية
اقرأ/ ي أيضًا: بعد الثورات.. أزمة الغناء العربي إلى أين؟
قطع الألبوم الموسيقية قُدم بعضها على منصات ومسارح، ثم أعاد فرج توزيعها كما يشاء في ألبومه الجديد، محاولًا بذلك أخذه بعيدًا بتجربة جديدة عن الألبوم السابق، ولكنها من ذات الطابع والروح، حيث احتفظ دائمًا بخطٍ أساسي وواضح ألاّ وهو العلاقة بين البيانو والشرق، محاولًا البحث في تفاصيل الموسيقى العربية والاغتناء منها، والمراكمة عليها.
يذكر أن لسليمان تجارب موسيقية عديدة مع الشعر العربي الحديث، من خلال عمله على ألبومات موسيقية شعرية. كما ويبدو تأثره الموسيقي الشعري جليًا في التأليف، ومحاكاته تلك الأنساق السمعية آلة البيانو بمعزل عن كونها آلة غربية فقط، بل باعتبارها مجالًا رحبًا للتجريب والابتكار والمراكمة، وكما ويترك مساحة التأويل مفتوحة على كل الممكن والمحتمل عند سماعك للقطعة الموسيقية.
اقرأ/ ي أيضًا: