الترا صوت – فريق التحرير
أطلقت الحكومة الفرنسية تحذيرات لمواطنيها الذين يعيشون في الدول الإسلامية تطالبهم باتخاذ احتياطات أمنية إضافية على خلفية تصاعد موجة الغضب في العالم الإسلامي ردًا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد، فيما حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من خطورة تصاعد الخطاب الرسمي "غير المنضبط" اتجاه الإسلام على الجالية المسلمة في فرنسا.
أطلقت الحكومة الفرنسية تحذيرات لمواطنيها الذين يعيشون في الدول الإسلامية تطالبهم باتخاذ احتياطات أمنية إضافية على خلفية تصاعد موجة الغضب في العالم الإسلامي
ونشرت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صدر الثلاثاء مجموعة من النصائح تتعلق بسلامة المواطنين الفرنسيين المقيمين في دول إندونيسيا وبنغلاديش والعراق وموريتانيا، داعية مواطنيها لتوخي الحذر والابتعاد عن الأماكن التي تشهد احتجاجات على الرسوم الكاريكاتورية، وأوصت الخارجية الفرنسية رعاياها في البيان بـ"ممارسة اليقظة الأكبر خاصة أثناء السفر وفي الأماكن التي يرتادها السياح أو الجاليات الوافدة"، في الوقت الذي أصدرت فيه السفارة الفرنسية في تركيا نصائح مماثلة لمواطنيها الذين يقيمون في تركيا.
اقرأ/ي أيضًا: مقاطعة البضائع الفرنسية تفتح ملفًا جديدًا من التصعيد بين أنقرة وباريس
وبعد ساعات من إعلان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانين دخول البلاد في حالة استنفار قصوى على المستوى الوطني بسبب الحملة التي تستهدف فرنسا ردًا على إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد، قالت شرطة الفرنسية إن إنذارًا بوجود قنبلة في محيط ساحة قوس النصر في العاصمة باريس وصلهم بعد ظهر الثلاثاء،مما دفع إلى نشر قوات الأمن في المكان وتطويق كل مداخل ومخارج الساحة التي تعلو جادة الشانزلزيه.
فيما أشار موقع يورونيوز الإلكتروني إلى أن الشرطة الفرنسية تقوم منذ الساعة الثالثة بعد الظهر بعمليات استطلاع للمواقع المجاورة بحثًا عن طرد مشبوه أو ما قد يشبه قنبلة، مضيفًا أن الشرطة أمرت بإخلاء المنطقة، بما في ذلك جزء من شارع الشانزلزيه، فضلًا عن إغلاق محطة مترو شارل ديغول إتوال ومحطة كامل الخطوط التي تمر بالقرب من قوس النصر.
وفي السياق، حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في بيان صادر عنه الثلاثاء من خطورة تصاعد الخطاب الرسمي "غير المنضبط" اتجاه الإسلام على الجالية المسلمة في فرنسا، وأشار المرصد في بيانه إلى أن "الخطاب يجعل الجالية المسلمة في فرنسا (نحو 6 ملايين شخص) هدفًا سهلًا لهجوم اليمين والجماعات القومية المتطرفة، ويشجعها على التمييز ضدهم".
وشدد بيان المنظمة الحقوقية على أن "الدفاع عن السخرية أو شيطنة الرموز أو المعتقدات الدينية لمجتمع مسلم، مستهدف في الأساس، يعتبر تحريضًا ضد هذه الفئة الضعيفة"، مطالبًا الحكومة الفرنسية الالتزام "بالقوانين الدولية والأوروبية التي تنص على احترام جميع الأديان وحرمة الرموز الدينية"، وحث السلطات الفرنسية على "التوقف عن الخطاب العدائي اتجاه الإسلام لتحقيق مكاسب سياسية انتخابية، مع إظهار الاحترام للجالية المسلمة في البلاد".
وكان تسلسل الأحداث التي أفضت إلى أزمة دبلوماسية بين فرنسا وبعض الدول الإسلامية من طرف آخر، قد بدأ في الأول من أيلول/سبتمبر الماضي، عندما أعلنت صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة عزمها إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد بالتزامن مع بدء محاكمة 14 متهمًا بالتواطؤ مع إسلاميين متشددين فرنسيين بتنفيذ الهجوم الذي استهدف مقر الصحيفة في كانون الثاني/يناير 2015.
وبعد شهر من إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة ألقاها في ليه موروه بضواحي باريس إلى التصدي "للنزعة الإسلامية الراديكالية" الساعية إلى "إقامة نظام مواز" و"إنكار الجمهورية"، في إشارة للقيم العلمانية التي تقوم عليها فرنسا، مشيرًا إلى أن الإسلام "ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم" بسبب تجاذب تيارات داخلها، فضلًا عن توجه فرنسا لطرح مشروع قانون ضد "الانفصال الشعوري"، بهدف "مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية".
غير أن الأحداث أخذت منحى تصعيديًا بعدما أقدم المراهق الروسي من أصل شيشاني عبد الله أنزوروف على طعن وقطع رأس المدرس الفرنسي صامويل باتي في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية، بسبب عرضه الرسوم الكاريكاتورية أثناء درس لحرية الرأي والتعبير في أحد المدارس قبل بضعة أيام من مقتله، ما دفع بالرئيس الفرنسي للتأكيد على عدم تخلي بلاده عن "الرسوم الكاريكاتورية"، مما أشعل موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي.
وقوبلت تصريحات ماكرون الأخيرة المرتبطة بعدم تخلي بلاده عن الرسوم الكاريكاتورية بموجة من الغضب في الدول الإسلامية، أطلقت على إثرها حملات عبر منصات التواصل الاجتماعي تطالب بمقاطعة البضائع الفرنسية، وأعلنت لاحقًا العديد من المجموعات التجارية في الكويت وقطر سحب المنتجات الفرنسية من العرض، فيما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشعب التركي لمقاطعة البضائع الفرنسية كذلك، وقامت باكستان باستدعاء السفير الفرنسي لديها للتنديد بالموقف الفرنسي الرسمي.
من جانبه أصدر مجلس حكماء المسلمين الاثنين بيانا أكد من خلاله على اتخاذه قرارًا بتشكيل لجنة من الخبراء القانونيين الدوليين لرفع دعوى قضائية على صحيفة شارلي إيبدو بسبب الرسوم المسيئة للنبي محمد، وشدد المجلس في بيانه على "رفضه الشديد لاستخدام لافتة حرية التعبير في الإساءة لنبي الإسلام محمد ومقدسات الدين الإسلامي"، لافتًا إلى أن "حرية التعبير لا بد أن تأتي في إطار من المسؤولية الاجتماعية التي تحفظ حقوق الآخرين ولا تسمح بالمتاجرة بالأديان في أسواق السياسة والدعاية الانتخابية".
وإلى جانب الدعوات التي أطلقت في عديد الدول العربية والإسلامية التي تطالب بمقاطعة البضائع الفرنسية، والتي كانت في مقدمتها دول الكويت وقطر إلى جانب تركيا، فإن العديد من الدول الإسلامية صعدت من موقفها بعدما أدانت على المستوى الرسمي عبر بيانات صدرت عن وزارات الخارجية الموقف الرسمي الفرنسي من الرسوم الكاريكاتورية، والتي جاء أشدها على لسان الرئيس التركي الذي دعا نظيره الفرنسي لإجراء "اختبار عقلي".
كما أكد بيان صادر عن وزارة الخارجية القطرية على أن "الخطاب التحريضي شهد منعطفًا خطيرًا باستمرار الدعوات المؤسسية والممنهجة لتكرار استهداف ما يقارب من ملياري مسلم حول العالم من خلال تعمد الإساءة إلى شخص الرسول الكريم"، فيما أدانت الأردن "الاستمرار في نشر مثل هذه الرسوم"،معربةً "عن استيائها البالغ من هذه الممارسات"، وكذلك الحال مع المغرب التي أكدت على "شجب هذه الاستفزازات المسيئة لقدسية الدين الإسلامي".
في حين حذرت الكويت "من مغبة دعم تلك الإساءات واستمرارها، سواء للأديان السماوية كافة، أو الرسل عليهم السلام من قبل بعض الخطابات السياسية الرسمية"، وكذلك الحال مع المجلس الإسلامي الأعلى التابع للرئاسة الجزائرية الذي استنكر "بشدة الحملة المسعورة في فرنسا" على النبي محمد والديانة الإسلامية، إضافة لاستنكار البرلمان العراقي وحكومة الوفاق الوطني الليبية وموريتانيا واليمن الموقف الفرنسي الداعم للرسوم الكاريكاتورية المسيئة.
وكان مدير مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث الاقتصادية عبد العزيز المزيني قد توقع أن يتكبد الاقتصاد الفرنسي خسائر تقدر بنحو 22 مليار دولار في حال استمرت المقاطعة لجميع المنتجات الفرنسية لمختلف المنتجات الفرنسية في دول الخليج فقط لمدة شهر، لافتًا إلى أن حجم التبادل التجاري بين فرنسا ودول مجلس التعاون الخليجي يقترب من 60 مليار دولار، وذلك وفقًا لإحصائيات عام 2019.
وفي مقابل ذلك، أكدت المفوضية الأوروبية على دعمها للحكومة الفرنسية في مواجهة دعوات الرئيس التركي لمقاطعة البضائع الفرنسية، فقد أشار متحدث باسم المفوضية الأوروبية إلى أن "اتفاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا تنص على التبادل الحر للسلع"، داعيًا لاحترام "الموجبات الثنائية التي تعهّدت تركيا الالتزام بها في إطار هذه الاتفاقات"، قبل أن يضيف بأن "الدعوات لمقاطعة منتجات كل دولة عضو تتنافى مع روحية هذه الموجبات وستبعد تركيا أكثر عن الاتحاد الأوروبي".
كما نددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على لسان المتحدث باسمها شتيفن زايبرت بالتصريحات التي هاجم بها أردوغان نظيره الفرنسية بوصفها "تشهيرية وغير مقبولة إطلاقًا"، خصوصًا في سياق "القتل المروّع للأستاذ الفرنسي صامويل باتي من جانب متعصب إسلامي"، وانضم رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إلى الدبلوماسية الألمانية منددًا بتصريحات أردوغان التي اعتبرها "غير مقبولة".
اقرأ/ي أيضًا: