قبل أسابيع قليلة صرّح مسؤول عسكري إماراتي كبير بأن بلاده وإسرائيل "بمثابة الإخوة"، وهو تصريح يزيح اللثام تمامًا عن الوجه المفضوح للإمارات، وعلاقاتها التطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي لم تعد -وهكذا كانت على مدار سنوات- عابئة بالرسميات، بعد أن وصلت العلاقات لما يُمكن وصفه بالشراكة الاستراتيجية، أو كما يُوضح مقال نشره موقع "Fair Observer" ننقله لكم بتصرف في السطور التالية.
على الرغم من نجاح مدينة دبي بشكل كبير لأن تتحول لمركز مالي على النمط الغربي، إلا أن الإمارات واجهت أهم أزمة دبلوماسية في تاريخها عام 2006، حين سعى المُشرّعون الأمريكيون إلى الطعن في أوراق اعتماد الأمن القومي في إدارة الرئيس بوش، حينما لوّح مجلس النواب بحظر صفقة تجارية ليمنع شركة موانئ دبي العالمية المملوكة للسلطات الإماراتية، من إدارة ستة موانئ أمريكية، بينها أربعة من أكبر الموانئ هي نيويورك ونيوآرك وبالتيمور وميامي.
يبدو أن الإمارات وإسرائيل تريان أن الشراكة الاستراتيجية غير المعلنة بينهما ليست قابلة للاستمرار فحسب، بل وذات أهمية كُبرى أيضًا
ورغم أن الإمارات سحبت عرضها في نهاية المطاف، إلا أن أبوظبي قد فوجئت على ما يبدو بمعارضة الكونغرس، ما دفعها إلى إطلاق حملة واسعة للعلاقات العامة لإقناع السياسيين وصناع القرار في واشنطن بأن الإمارات ليست فقط حليف موثوق للولايات المتحدة، بل إنها تشارك واشنطن نفس المصالح الاستراتيجية، والتي تشمل بالتبعية مصالح إسرائيل.
رضا اللوبي الصهيوني أولوية وطنية للإمارات
في هذا السياق، أصبح إنشاء قناة دبلوماسية للتعامل مع إسرائيل ومؤيديها في واشنطن، مسألة ذات أولوية وطنية للإمارات. وعقب الجدال الدائر حول موانئ دبي، بدت الإمارات وكأنها خائفة من فقدان إمكانية شراء المعدات العسكرية الأمريكية، وكذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية المشتركة، خاصةً فيما يتعلق بالشأن الإيراني.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو: فضائح إمارات التطبيع: "نحن وإسرائيل مثل الإخوة"!
كما خشيت أبوظبي من أن يؤدي هذا الجدل إلى إعاقة الاستثمارات الأمريكية، وأن تؤثر تلك الفضيحة على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع واشنطن. ولأجل ذلك، سعت أبوظبي إلى إنهاء هذا الخلاف سريعًا. وفي وقت لاحق، سعت الإمارات لحشد الدعم السياسي والدبلوماسي الأمريكي لاستضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا - IRENA) بشكل دائم.
خَطَبت الإمارات ودّ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لضمان الدعم الدبلوماسي الأمريكي لهذه المبادرة، وكذلك لضمان عدم وجود معارضة من الكونغرس كما سبق وأن حدث في أزمة شركة موانئ دبي العالمية. وأكّدت الإمارات على أنه باستضافتهم لـ"إيرينا" فإن "جميع أعضاء الأمم المتحدة -في إشارة لإسرائيل- سيكونون موضع ترحيب للمشاركة الكاملة".
أيّدت الجماعات الصهيونية الأمريكية بقوة هذه المبادرة، بعد أن كسبت دعمًا ضمنيًا من إسرائيل، بينما كانت تبذل جهودًا دبلوماسية سرية لضمان مشاركة الشركات والمنظمات الإسرائيلية في المحافل والمؤتمرات التي تُعقد في جميع أنحاء الإمارات.
ومنذ أن تأسست إيرينا رسميًا في أبوظبي عام 2008، سافر الممثلون الدبلوماسيون والوزراء الإسرائيليون إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي لحضور اجتماعات تتعلق بالوكالة التابعة للأمم المتحدة، فضلًا عن وجود مزاعم بأن المسؤولين الإسرائيليين استغلوا المكان لعقد اجتماعات جانبية مع نظرائهم الإماراتيين بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بقناة خلفية دبلوماسية.
وقّعت أبوظبي وواشنطن، بالتوازي مع هذه المبادرة الدبلوماسية، على ما يسمى بالاتفاقية رقم 123 للتعاون من أجل طاقة نووية مدنية سلمية، في 17 كانون الأول/ديسمبر عام 2009. والتي تُمكّن الإمارات من الحصول على الخبرات والمواد والمعدات النووية من الولايات المتحدة.
وكجزء من الاتفاقية، التزمت الإمارات بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم المحلي وإعادة معالجة الوقود المستهلك. ووقعت أيضًا على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يضع نظام تفتيش أكثر صرامة بشأن الأنشطة النووية للإمارات.
من المرجح أنّ الإمارات وإسرائيل قد أنشأتا قنوات اتصال وتبادل معلومات ترقى للتعاون الاستخباراتي بينهما
وبالفعل، كانت الإمارات ملتزمة جدًا بالاتفاقية، فيما يبدو كسبًا لود إسرائيل، حتى أنّ مسؤولين إماراتيين طمأنوا المسؤولين العسكريين الإسرائيليين بأن برنامجهم النووي سيكون "شفافًا تمامًا"، وعليه، وبدعم من الكونغرس الأمريكي، لم تلق الاتفاقية أي معارضة من جماعات الضغط الصهيونية ذات النفوذ في الولايات المتحدة، وعلى رأسها لجنة العلاقات العامة الإسرائيلية الأمريكية (أيباك)، واللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة مكافحة التشهير اليهودية.
تعاون إستراتيجي
من جهة أُخرى، يُرجّح أن كلًا من الإمارات وإسرائيل، أنشأتا سُبل اتصال وتبادل معلومات بينهما، قد ترقى للتعاون الاستخباراتي، لمجابهة الأعداء المشتركين، خاصة وأن الأرضية المشتركة بينهما في اتساعٍ مُستمر!
اقرأ/ي أيضًا: معاريف: إسرائيل تُسلّح أبوظبي وتقصف سيناء بمباركة مصرية
وبدايةً من عام 2006، بدأت إسرائيل والإمارات في تعزيز التعاون بينهما في المجالات الأمنية، حتى أنّ إسرائيل منحت الإمارات إمكانية الوصول للقمر الصناعي "إيروس B"، والذي يُعطي صورًا عالية الدقة، إضافةً للخدمات التي تلقتها الإمارات بالفعل من القمر الصناعي "إيروس A".
وعلى الرغم من أن كلًا من "إيروس A" و"إيروس B"، يبدوان وكأنهما نسختان تجاريتان من سلسلة أقمار التجسس الإسرائيلية "أُفِق - Ofeq"، إلا أنّ كلا القمرين بالإضافة إلى قمر "أُفِق"، قد صنعا بواسطة هيئة الصناعات الفضائية الجوية في إسرائيل، وهي شركة الدفاع الأساسية في البلاد.
وعلى الرغم من نفي الإمارات سريعًا لتقرير مجلة ديفينس نيوز الذي كشف عن هذه المعلومات في 2009، إلا أنه بات معروفًا على نطاق واسع أن إسرائيل تواصل تصدير وسائل الاتصالات وأجهزة الأمن الداخلي وتقنيات تجسس أمنية للإمارات.
على الصعيد الدبلوماسي، وفي حين أقدمت كل من مسقط والدوحة على إغلاق مكاتب التمثيل التجاري الإسرائيلية بعد تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، بقي الوضع على ما هو عليه في دبي، وظلت المكاتب التجارية الإسرائيلية مفتوحة، حتى كان الموقف مُحرجًا للإمارات مع اغتيال الموساد للقيادي بحركة حماس محمود المبحوح، في الإمارات، عام 2010.
وقبيل إغلاق مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي بعد الحرج الذي تعرضت له الإمارات باغتيال المبحوح على أراضيها، وصلت تجاوزت حجم التبادلات التجارية بين إسرائيل والإمارات مليار دولار، تحديدًا خلال الفترة ما بين عامي 2006 و2009.
يتضح أن العلاقات بين الإمارات وإسرائيل تتجه نحو مزيد من النمو، وصولًا لتعاون استراتيجي وثيق، يتجاوز حتى التطبيع الدبلوماسي!
وبالنظر إلى المُستقبل القريب جدًا، فيتضح أن العلاقات بين إسرائيل والإمارات تتجه نحو مزيدٍ من النمو، متجاوزةً التجارة لما بعدها. وهو ما تكشفه صادرات الشركات الإسرائيلية للإمارات، خاصةً في مجالات تقنيات الاتصال والري. وإن كان غياب التمثيل الدبلوماسي الرسمي بين البلدين، يُمثّل ظاهريًا عائقًا أمام اكتمال مسلسل التطبيع، إلا أن القنوات السرية، بل بالأحرى، التعاون السرّي بينهما، كفيل بإذابة جليد الرسميات، وقد افتضح وجه التطبيع الإماراتي بما لا يدع مجالًا للعبأ كثيرًا بالرسميات!
اقرأ/ي أيضًا:
أبرز 5 شخصيات في مسلسل التّطبيع السّعودي والإماراتي مع إسرائيل