يومًا بعد يوم، تشتد الأزمة الفنزويلية بعدما أخذت تنحو نحو الصراع المسلح بين موالين للحكومة وبين معارضين، وسط مخاوف دولية من دخول البلاد ذات الـ30 مليون نسمة، والطافية على أكبر مخزون عالمي من النفط؛ في أتون حرب أهلية قد ترتد آثارها على البلدان اللاتينية المجاورة.
انقلاب عسكري أم انتفاضة عسكرية؟
لا تزال السلطات الفنزويلية تجري عملية بحث واسعة، لإلقاء القبض على متورطين في هجوم عسكري سعى للسيطرة على قاعدة عسكرية بمدينة فالنسيا في ولاية كارابوبو غربي البلاد. وعرض التلفزيون الرسمي صور المتهمين الذين فروا بأسلحة بعد خوض معركة مسلحة مع الجنود داخل الثكنة العسكرية.
تصاعدًا للأزمة الفنزويليّة، حاولت مجموعة مسلحة السيطرة على قاعدة للجيش الفنزويلي، لكنها فشلت فيما أسمته بـ"الانتفاضة العسكرية"
وقبل يومين، نفّذت مجموعة ترتدي زيًا عسكريًا، عملية مسلحة ضد قاعدةٍ للجيش الفنزويلي، إلا أنها فشلت في الاستيلاء عليها، ووفقًا لوزير الدفاع فلاديمير بادرينو في كلمة تلفزيونية، حسبما نقلت رويترز، فإن اثنين من الرجال الذين هاجموا القاعدة قتلا بالرصاص، وألقي القبض على ثمانية، في حين فرّ نحو عشرة آخرين، فيما أصيب ثلاثة جنود في تبادل إطلاق النار.
اقرأ/ي أيضًا: شوارع كراكاس تشتعل.. خبز أقل قمع أكثر
ووصف وزير الدفاع المجموعة المهاجمة بـ"العصابة الإجرامية اليمينية، التي سعت إلى قيادة انقلاب عسكري ضد حكومة مادورو"، بينما قاد الهجوم على القاعدة، خوان كارلوس كاجواريبانو، الكابتن السابق بالحرس الوطني، الذي قال إنّ "هذا ليس انقلابًا، وإنما هي انتفاضة مدنية عسكرية لاستعادة النظام الدستوري".
وتشهد فنزويلا منذ شهور حالة صراع مرير بين حكومة الرئيس نيكولاس مادورو ومواليها من جهة، والمعارضة البرلمانية ومؤيديها من جهة أخرى، خلّفت أكثر من 120 قتيلًا معظمهم من المحتجين، في ظل إفلاس اقتصاديّ شبه تام تعيشه البلاد، بعدما بلغ التضخم %700، وشحّ في الغذاء والدواء في شوارع العاصمة كاراكاس.
إعلان الجمعية التأسيسية يؤزّم الوضع
جاءت المحاولة العسكرية للسيطرة على قاعدة للجيش الفنزويلي، بعد ساعات فقط من عقد الجلسة الأولى للجمعية التأسيسية الجديدة، التي روّج إليها الرئيس نيكولاس مادورو كثيرًا، فيما اعتبرتها المعارضة خطوة إضافية لترسيخ الدكتاتورية في فنزويلا، معلنةّ مقاطعتها.
وكان أول قرار أصدرته الجمعية التأسيسية الجديدة في فنزويلا، هو إقالة النائبة العامة لويزا أورتيغا من مهامها، المعروفة بأنها من أشرس منتقدي الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو، الذي تصفه بـ"الدكتاتور"، وهي الخطوة التي أججت غضبًا داخليًا وخارجيًا ضد حكم الرئيس نيكولاس مادورو.
ودفع نيكولاس مادورو باتجاه إعلان جمعية تأسيسية تحظى بصلاحيات دستورية واسعة، منها حل البرلمان، في محاولة منه للالتفاف على المعارضة التي تهيمن على البرلمان الفنزويلي، وبالتالي قدرته على تمرير سياساته الحكومية دون عرقلة من قبل نواب المعارضة.
يُخشى من انزلاق فنزيلا إلى حرب أهلية بعد انسداد الأفق السياسي وفشل المعارضة في الإطاحة سياسيًا بمادورو
كما تعرضت قاعة الكونغرس التابع للمعارضة إلى اقتحام من قبل أعضاء الكيان التشريعي الموازي الذي أقره الرئيس نيكولاس مادورو، فيما يُخشى أن تصدر هذه الهيئة التشريعية الجديدة قرار حل البرلمان، الإجراء الذي يمكن أن يشعل الوضع أكثر في فنزويلا.
اقرأ/ي أيضًا: الخبز والسلاح والطبقات الآمنة
وأمام المعارضة المتشرذمة، والتي بدأت تنهزم سياسيًا أمام حكومة الرئيس الفنزويلي، بعد إقرار الجمعية التأسيسية الجديدة وإقالة النائبة العامة أورتيغا، يتخوف مراقبون من أن ينزلق الوضع نحو الحرب الأهلية، في ظل انسداد الأفق السياسي أمام المحتجين، الذين قد يعمدون إلى اللجوء إلى السلاح بعدما خيّبت المعارضة آمالهم في إسقاط مادورو الذي يُصرّ بدوره على مزيدٍ من القمع في ظل ظروف اقتصادية قاسية على المواطنين.
ردود دولية حازمة تجاه الرئيس مادورو
ويواجه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو انتقادات دولية واسعة ضد حكمه، أشدّها من الولايات المتحدة الأمريكية التي تشتري ما يقارب 50% من نفط فنزويلا، حيث جمدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أموال 13 فنزويليًا مُقرّبين من مادورو، بمن فيهم وزير الداخلية وقادة الجيش والشرطة والحرس الوطني، كما حظرت على الأمريكيين التعامل معهم، ووعدت بعقوبات أكثر قسوة بعد تمرير التصويت على الجمعية التأسيسية الجديدة.
ومن جهتها اتهمت الأمم المتحدة الحكومة الفنزويلية بـ"الاستخدام المفرط للقوة"، في مواجهة المحتجين بالشوارع، محمّلة إيّاها مسؤولية مقتل 46 متظاهرًا على الأقل.
أما مسؤولة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني، فقد صرّحت بأن إقرار الجمعية التأسيسية الجديدة، وعزل لويسا أورتيغا من منصبها كمدعيّة عامة، "تسبب في تدهور فرص العودة السلمية للنظام الديمقراطي في فنزويلا"، على حد قولها، داعية حكومة نيكولاس مادورو إلى الإفراج الفوري عن كافة المعتقلين السياسيين واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان.
العديد من الانتقادات الدولية وُجّهت للرئيس الفنزويلي مادورو بانتهاك الديمقراطية وتكريس الممارسات القمعية ضد المعارضة
بينما أعلنت السوق المشتركة في أمريكا الجنوبية تعليق عضوية فنزويلا لـ"انتهاكها النظام الديمقراطي"، واشترطت الدول المؤسسة للاتحاد اللاتيني للتراجع عن هذا الإجراء، الإفراج عن السجناء السياسيين وإعادة صلاحيات السلطة التشريعية وإحياء البرنامج الزمني للانتخابات وإلغاء الجمعية التأسيسية.
اقرأ/ي أيضًا: خرافة الحرية: أكثر من سياسة!
وتستمر حالة الشد والجذب بين المعارضة الفنزويلية التي تتهم الرئيس مادورو بالتسبب في إفلاس البلاد وترسيخ الحكم الدكتاتوري، والأخير الذي يتهمها بالولاء لنخبة من المال والأعمال المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية بغرض القضاء على الاشتراكية البوليفارية، لتصبح البلاد "على كف عفريت" في ظل غياب الحوار بين الطرفين.
اقرأ/ي أيضًا: