بات فن الغرافيتي يظهر في الآونة الأخيرة في شوارع المغرب بقوة لافتة، خصوصًا الفقيرة منها. يمارس هذا الفن الذي كان في وقت ماضي يصنف ضمن "أعمال التخريب" الكثير من الشباب، الذين يضفون على الشوارع المغربية لمسات جمالية من خلال صور فنية تعبر غالبًا على مواضيع إنسانية.
كانت بدايات فن الغرافيتي في المغرب من خلال كتابات الألتراس
ويبقى جمهور فن الجداريات بالمغرب من العامة، الذين لا يترددون في التواصل مع الفنان بشكل مباشر، سواء عبر الثناء أو الانتقاد؛ فهو فن يختلف عن باقي الفنون، إذ يعتمد الفنان التواصل بشكل مباشر مع الجمهور مختلف من حيث تنوع ثقافته وأعماره وأجناسه. أيضًا يعتمد فنان الجداريات على تقنيات مميزة لرسم لوحاته، وأدوات فنية متعددة.
اقرأ/ي أيضًا: جدران حلب.. حكاية البريد والساعي
مهدي أناسي واحد من هؤلاء الفنانين، الذين رسموا لوحات جميلة على جدران شوارع الدار البيضاء، وفي رصيده العشرات من اللوحات الفنية، على جدران عدة مدن مغربية مثل العاصمة الرباط ومدينة آسفي. يقول لـ"ألترا صوت": "إن فن الرسم على الجدران قديم بالمغرب، يتجسد ضمن الكتابات التي كانت تكتب على الجدران من طرف الألتراس، أو من خلال الرسائل التي كان يكتبها شباب بشكل عام، فكل هذه الأشكال تدخل ضمن فن الشارع أو فن الجداريات".
غير أنه قبل أربع سنوات، بدأنا نتحدث عن فن الجداريات في مهرجانات رسمية تعنى بهذا الفن، الذي بدأ في الأزقة الشعبية إلى أن امتد إلى الحدائق والشوارع العامة.
ويعلق مهدي أناسي على هذا الموضوع قائلًا: "من الجيد أن تخصص السلطات مهرجانات تهتم بفن الجداريات، فهذا النوع من الفن يحتاج إلى أن يكون مقننًا، لأنه يتطلب مجهودًا وتقنيات خاصة، أرى أن الترخيص الذي تمنحه السلطات لممارسة هذا الفن سيكون هامًا ويؤثر إيجابًا على عمل الفنان". لا يحتاج فن الجداريات إلى تكوين أكاديمي معين، فمهدي أناسي مثلًا لم يدرس الرسم على الجدران، فهو يقول "حاولت تطوير موهبتي عبر البحث والاكتشاف فقط".
فن يزعج السلطات
يرسم هؤلاء الشباب، على اختلاف انتماءاتهم، تلك الرسومات على الجدران، والتي تعبر غالبًا على مواضيع إنسانية مثل التشرد والبؤس الذي يعيشه البعض في شوارع المغرب، أو صور تعكس الرسائل التي يريد الفنان إيصالها. وينفذ هؤلاء الشباب رسوماتهم في الأماكن العامة وعلى مرأى الجميع، إن كان هناك ترخيص من طرف السلطات، أو يرسمونها سرًا على الجدران التي يمتلكها الآخرون أو الدولة، مما يزعج البعض، خصوصًا أصحاب الممتلكات.
لهذا نجد هؤلاء الشباب يرسمون على الجدران بسرعة كبيرة خوفًا من ملاحقتهم وإلقاء القبض عليهم من قبل السلطة التي لا تتردد في حظر هذه الممارسة الفنية لأنها تراها متعدية على ممتلكات الآخرين، ولهذا يبقى فن الجداريات، أو الغرافيتي، كما سواه من فنون الشارع، مزعجًا.
وفي هذا السياق، لا يوجد قانون يمنع أو يؤطر الرسم على الجدران بالمغرب بصفته فنًا حديثًا، ولعل هذا ما يفسر خوف الشباب الدائم من أن يرسموا على جدار بناية مهجورة؛ فأعين الشرطة دائمة التربص بهم. هذه الأخيرة وإن كانت تمنع رسومات الغرافيتي خوفًا من تعدي على ممتلكات الغير أو تخشى من كتابات سياسية معادية، إلا أنها في الحقيقة لا تعرف كيف تتصرف مع هؤلاء الفنانين، وأحيانًا كثيرة تمنعهم فقط دون أن تزج بهم إلى المخفر. من جهة أخرى، تبقى بعض الصور التي يرسمها الفنانون المغاربة على جدران الشارع سوداوية ومتشائمة، وهذا ما يصدم المتلقي أحيانًا.
ليلى بارع، الكاتبة الصحفية والمهتمة بشأن الثقافي بالمغرب، تقول لـ"ألترا صوت"، إن موقفها من بعض الجداريات يبقى موقفًا شخصيًا، يخص ذوقها الخاص. وتضيف: "هناك لوحات صادمة، متشائمة على الأغلب، تحمل بالتأكيد رسالة فنان ذاته، وهذا من حق الفنان، لكن إن كنا في المغرب في المرحلة الأولى من فن الجداريات، أحبذ الجداريات ذات الرسائل الإيجابية، لأن الفن عمومًا يمكن أن يشحننا بطاقات إيجابية".
فضلًا عن أن "فن الجداريات استطاع أن يحمل الفن من الأماكن والفضاءات المغلقة في المعارض الفنية إلى الفضاء الخارجي، ليستقبله الجمهور والفئات الاجتماعية التي لا تستطيع مشاهدة هذا الفن داخل الصالات أو المعارض الفنية".
مهرجانات لفن الجداريات
في الآونة الأخيرة، أصبحت هناك مهرجانات تعنى بفن الجداريات بالمغرب، إذ بدأنا التحدث عن فن قائم بذاته، بعدما كان في الماضي مقتصرًا على كتابة "الألتراس" في الشوارع أو رسومات غريبة لبعض الشباب، والتي هي عبارة عن مزيج بين ألوان وصور كثيرة، والتي تكون أحيانًا دون معنى.
أصبحت هناك مهرجانات فنية تعنى بالجداريات وفنون الشارع في المغرب
قبل أيام كانت مدينة الدار البيضاء على موعد مع مهرجان "كازا موجة" ضمن فعاليات "مهرجان الدار البيضاء". وشارك فيه العديد من فناني الشارع، حيث قدموا لوحات فنية نالت استحسان الجمهور. غير أن مهرجان أصيلة يبقى مختلفًا، إذ تتواجد فيه رسومات على الجداريات قبل سنوات ولهذا يظل قديمًا نوعًا ما.
اقرأ/ي أيضًا: غرافيتي الجزائر.. لم يتبق إلا الجدران
يرى مهدي أناسي أن هذا المهرجان "لا يعبر حقيقة عن فن الجداريات في مفهومه الخاص، فهذا الأخير يبقى فنًا معاصرًا، أما مهرجان أصيلة فهو يفتقد إلى روح العصرنة ويبقى تقليديًا وكلاسيكيًا" على حد تعبيره.
لكن ليلى بارع ترى العكس، إذ تقول: "مهرجان أصيلة عمل عمومًا على إنجاح فن الجداريات بالمغرب، من خلال عرض واحتواء لوحات فنية جميلة على الجدران المدينة". كما أن "الجيل الذي يتربى على رؤية رسم جميل على جدران الشوارع بصفة عامة، سيكون جيلًا محملًا بسمات الجمال، والعشق لما هو جميل، وهذه مسألة تدخل بالتأكيد ضمن التربية الفنية".
اقرأ/ي أيضًا: