بعد مرور ثلاثة أشهر على القمة العربية الأخيرة المنعقدة في الرياض، والتي كانت بوابة عودة لنظام الأسد إلى جامعة الدول العربية، وتسلمه مقعد سوريا، وفق التزامات معينة تعهد بها النظام، لكن على أرض الواقع لم يتغير أي شيء، بل اتجهت الحالة نحو الأسوأ، في ظل تنصل الأسد ونظامه من كل الالتزامات.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالًا، لمدير برنامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف بمعهد الشرق الأوسط، تشارلس ليستر، تناول فيه الجهود العربية للتطبيع مع نظام بشار الأسد، وما آلت إليه هذه الجهود، التي قدمت على أساس التطبيع المشروط.
دوليًا، لا تزال فكرة الذهاب نحو الأسد "غير مستساغة"، ولا توجد أية أدلة على تطبيع أوروبي مع الأسد
مسار عربي طويل
ويشير كاتب المقال إلى أن السعودية لعبت دورًا محوريًا في إعادة التطبيع مع نظام الأسد عربيًا، وعودته إلى الجامعة العربية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، من خلال محاولتها تأهيل نظام الأسد إقليميًا.
وبعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، ولقائه بشار الأسد في 18 نيسان/أبريل الماضي، استقبلت الرياض "واحدًا من أشهر مجرمي الحرب بالعالم" في قمتها، التي عقدت في 19 أيار/مايو.
وبحسب ليستر، فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو من قاد هذا التحول لإعادة تأهيل الأسد عربيًا وإقليميًا، لكن جذور هذا التحول أعمق وأقدم، فقد أعادت الإمارات علاقاتها مع نظام الأسد عام 2018، وكانت تدفع الدول الأخرى إلى اتباع نفس الطريق.
وظهر ملك الأردن عبد الله الثاني، الذي وصفه ليستر بـ"الحليف الموثوق للولايات المتحدة "، كمهندس رئيسي لخطة التطبيع مع الأسد، وأعد "ورقة بيضاء"، وزعت في المنطقة وكذلك في واشنطن وموسكو، وكان مضمون الورقة الأردنية الأساسي، رؤية ترى أن التعامل الدبلوماسي مع نظام الأسد يمكن أن يدفعه لتقديم تنازلات، وبهذه الطريقة يمكن دفع سوريا نحو طريق الاستقرار.
ويضيف المقال، لم يكن "التطبيع مع الأسد بالأمر الهين، بعد ما يقرب من 340 هجومًا بالأسلحة الكيماوية، و 82 ألف هجوم بالبراميل المتفجرة، وحصار عدة مدن وبلدات سورية على طريقة القرون الوسطى"، ولم يكن يحظى التطبيع مع الأسد بالإجماع، فقد عارضته دولة قطر بشدة، وتبعتها الكويت والمغرب. مشيرًا إلى أن التطبيع مع الأسد تم على أساس "الإجماع العام وليس الإجماع التام".
التطبيع غير مقبول دوليًا
أما دوليًا، لا تزال فكرة الذهاب نحو الأسد "غير مستساغة"، ولا توجد أية أدلة على تطبيع أوروبي مع الأسد، كما لم تغير واشنطن من موقفها من النظام، على الرغم من أن بعض المسؤولين البارزين تحدثوا عن منح البيت الأبيض الضوء الأخضر لجهود التطبيع العربية مع نظام الأسد، حيث يعتبر بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية، أن "أزمات الشرق الأوسط لا يمكن حلّها، كما أنها هامشية للمصالح الأمريكية، ولا تستحق الجهد المبذول".
ووفقًا لمقابلات نفذها الكاتب، مع مصادر أوروبية وإقليمية في واشنطن، وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، فإن أحد كبار مسؤولي إدارة بايدن، أشاد بالدور الأمريكي في تحقيق "الشرق الأوسط الأكثر استقرارًا منذ 25 عامًا"، وفق تعبيره.
ويقول ليستر: "على الرغم من القضايا الواقعية المتعلقة بمثل هذا الادعاء، فمن المرجح أنه يستند في جزء كبير منه إلى الموجة الأخيرة مما يسمى بخفض التصعيد في جميع أنحاء المنطقة. انخرط المتعادون والمتنافسون في العملية، لكن ديمومة واستمرارية هذه العملية غير واضحة، وبالنسبة للكثيرين في المنطقة، فإن التطبيع مع نظام الأسد هو جزء لا يتجزأ من خفض التصعيد"، ولم يكن مستغربًا تصريح مساعدة وزير الخارجية الأمريكي باربرا ليف، عند طلبت من الدول العربية المطبعة مع بشار الأسد "الحصول على شيء" مقابل التطبيع.
ويعتبر ليستر، أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في مدى أهمية هذا البيان في إطلاق تطبيع إقليمي منسق، وإضعاف موقف واشنطن المزعوم تجاه الأسد بشكل كبير.
وبعد مرور ثلاثة أشهر على الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي إلى دمشق، ستعقد في منتصف شهر آب/أغسطس الحالي، قمة لتقييم التقدم واتخاذ الخطوة المقبلة.
وبحسب مصادر من ثلاث دول بالمنطقة، فإن "القمة بأكملها معلقة بالهواء"، لأن الوضع ساء في سوريا، منذ نيسان/أبريل الماضي.
اللاجئون والعودة
ويضيف مقال "فورين بوليسي" إلى أن جزءًا من التطبيع، كان مرتبطًا في رغبة دول المنطقة بعودة اللاجئين إلى سوريا، مشيرًا إلى رفض اللاجئين العودة إلى سوريا، في ظل حكم نظام الأسد، ووفق استطلاع جديد للأمم المتحدة بشأن اللاجئين السوريين صدر بعد أيام قليلة من مشاركة الأسد في قمة جامعة الدول العربية في جدة، فإن 1% فقط كانوا يفكرون في العودة.
إلى جانب ما سبق، فقد انهيار الاقتصاد السوري، ورغم الاستفادة من التطبيع العربي، والإعفاء من العقوبات في أعقاب زلزال شباط/ فبراير، فإن الاقتصاد السوري انهار، وحول ذلك قال كاتب المقال: "يكمن الخطأ هنا في النظام نفسه، الذي ثبت أنه فاسد بشكل منهجي، وغير كفء، ومدفوعاً بالجشع. لقد أدى سوء الإدارة المالية وإعطاء الأولوية لتجارة المخدرات غير المشروعة إلى قتل الاقتصاد السوري، ربما إلى الأبد".
إلى جانب ما سبق، صعد النظام السوري من هجومه على درعا ونفذ فيها عمليات قتل واسعة، بالإضافة إلى حصار قرى بلدة طفس وهدم المنازل فيها وتكثيف قصفه على شمال غرب سوريا.
ويضيف المقال: "لقد وجه التطبيع الإقليمي لنظام الأسد ضربة عميقة ولا رجعة فيها لما يقرب من عقد من الجهود الدولية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. لسنوات، اعتمدت الولايات المتحدة على الغطاء الذي يوفره الأردن والسعودية للحفاظ على الانتشار العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا، لكن هؤلاء الشركاء يعلنون الآن دعمهم لتوسيع حكم الأسد عبر طرد القوات الأجنبية".
تسليح المساعدات الإنسانية
ومن بين الأهداف الأساسية التي دفعت دول المنطقة للتطبيع مع الأسد هو "الرغبة في رؤية سوريا تستقر"، ولأكثر من عقد من الزمن، دعم المجتمع الدولي جهود المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا بقيمة عشرات المليارات من الدولارات ، لتلبية احتياجات ملايين السكان.
وفي 11 تموز/يوليو الماضي، استخدمت روسيا حق النقض ضد تمديد آلية المساعدات الأممية المعتمدة منذ تسعة أعوام لتقديم المساعدات عبر المعابر الحدودية إلى الشمال الغربي، مما أدى إلى قطع شريان حياة حيوي ودفع المنطقة إلى حالة من عدم يقين عميقة وغير مسبوقة، ودقت المنظمات الإغاثية ناقوس الخطر على إثر استمرار توقف دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا.
وبعد أيام من الفيتو الروسي، أعلن نظام الأسد عن عرض لتقديم المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية الخاضعة له، بإضافة مجموعة من الشروط التي جعلت العرض مستحيل التنفيذ عمليًا، وحتى لو تم تنفيذ مخطط الأسد بطريقة ما، فإن تدفق المساعدات سيكون جزءًا صغيرًا مما كان ممكنًا بموجب الترتيب السابق.
وعلى مدار عامين، سعى الأسد إلى إعطاء الأولوية للمساعدات عبر الخطوط التي يتم تسليمها من دمشق، وفي ذلك الوقت، تم إرسال 152 شاحنة إلى الشمال، وفي نفس فترة وصلت أكثر من 24 ألف شاحنة عبر الحدود (آلية الأمم المتحدة).
وفي ظل الوضع الراهن، لا توجد الآن آلية لتقديم المساعدة دون عوائق إلى شمال غرب سوريا، كما لا توجد جهود جادة لإيجاد حل.
تجارة الكبتاجون
إضافة لذلك، تطرق كاتب المقال إلى سبب آخر، كان وراء التطبيع مع الأسد، ويتعلق بتجارة الكبتاغون، التي تصنع على نطاق واسع في سوريا، ويشرف على هذه التجارة شخصيات بارزة في نظام الأسد.
وبين الأعوام 2016 و2020، تم ضبط أكثر من مليار حبة كبتاغون سورية الصنع في جميع أنحاء دول العالم، معظمها كان في الخليج العربي، وسعت دول المنطقة في تعاملها مع الأسد إلى إقناعه بوضع حد لهذه التجارة.
ونظرًا للدور المركزي لنظام الأسد في تجارة الكبتاغون، فضلًا عن هوامش الربح المذهلة، حيث تبلغ تكلفة إنتاج حبة واحدة عدة سنتات، ولكنها تباع في الخليج مقابل 20 دولارًا.
وكان النظام السوري، قد وعدًا في مايو / أيار، للدول الإقليمية بأنه سيقوم بالعمل على كبح تجارة الكبتاغون، ويصف كاتب المقال هذا الوعد بـ"المثير للضحك في أحسن الأحوال".
ومع ذلك، استقبل الأردن، وزير دفاع الأسد ورئيس مخابراته، رغم خضوعهم للعقوبات الدولية، لمناقشة مكافحة تهريب الكبتاجون، لكن بعد يوم فقط من الزيارة أسقطت القوى الأمنية الأردنية طائرة مُسيّرة تحمل المخدرات قادمة من سوريا.
في غضون ذلك، تُظهر البيانات التي التي جمعها كاتب المقال، أنه تمت مصادرة ما قيمته مليار دولار من الكبتاغون السوري في جميع أنحاء المنطقة خلال ثلاثة أشهر الماضية، في السعودية والإمارات وسلطنة عُمان والكويت والعراق وتركيا و الأردن، كذلك، اكتشفت السلطات الألمانية منشأة لإنتاج الكبتاغون في جنوب ألمانيا، إلى جانب ما يقرب من 20 مليون دولار من الحبوب و2.5 طن من المواد الكيميائية المساعدة على إنتاج المخدر.
السعودية لعبت دورًا محوريًا في إعادة التطبيع مع نظام الأسد عربيًا، وعودته إلى الجامعة العربية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، من خلال محاولتها تأهيل نظام الأسد إقليميًا
واختتم مقال ليستر، بالقول: "يبدو أن التطبيع الإقليمي للأسد -الذي قالت جامعة الدول العربية أنه كان من المفترض أن يكون "مشروطًا" بتأمين تنازلات النظام- قد قضى على أي أمل في دبلوماسية هادفة تهدف إلى حل حقيقي للأزمة السورية. وفقًا لمسؤولين كبار في الأمم المتحدة، فقد أبلغ الأسد نفسه قادة الأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة أنه لا ينوي إعادة التعامل مع اللجنة الدستورية التي تديرها الأمم المتحدة أو في أي خطوة من أجل عملية التفاوض، سواء كانت منسقة من قبل الأمم المتحدة أو دول المنطقة. ربما بدت احتمالية التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة السورية قاتمة قبل ستة أشهر، لكن يبدو أن التفاعلات الإقليمية مع النظام منذ نيسان/ أبريل قد قتلت الأشياء تمامًا".
وأضاف: "الصورة هنا صارخة ولا تقبل الجدل. تم تجاهل جوقة التحذيرات من أن إعادة الارتباط بالأسد ستأتي بنتائج عكسية، وأصبحت العواقب الآن واضحة ليراها الجميع".