ليس من السهل، أن تتطرق إلى تيمة "السحاق"، كموضوع مثير، يندرج ضمن خانة المسكوت عنه في المجتمع المغربي، دون أن تقع في ابتذال أو تزعج الجمهور. إلا أن المخرج المغربي محمد الشريف الطريبق، نجح إلى حد ما، أن يطالعنا على هذا الموضوع بطريقة فنية، تلامس واقعًا كان ومازال محظورًا في مجتمعاتنا المغربية، دون جرعات زائدة من الجرأة، أو مشاهد قد ينفر منها المشاهد المغربي. وذلك عبر فيلم "أفراح صغيرة".
فيلم "أفراح صغيرة" يناقش موضوعات نسائية مختلفة، أبرزها موضوع "السحاق"، والعادات والتقاليد، التي تفرق بين الرجال والنساء، في فترة الخمسينيات بمدينة تطوان، كمجال حضاري يتميز بتداخل الثقافات، وأنماط عيش متنوعة.
الفيلم المغربي "أفراح صغيرة" يناقش موضوعات نسائية مختلفة، أبرزها موضوع "السحاق"، والعادات والتقاليد، التي تفرق بين الرجال والنساء
أثارت مواضيع الفيلم، الكثير من الجدل، وسالت الكثير من المداد، في وسائل الإعلام المغربية، أثناء عرضه على شاشات السينما في السنة الماضية. وما زال هذا الفيلم يثير تساؤلات بعض المختصين في مجال السينما، لعل أبرز هذه الأسئلة: هل الفيلم حرم من الجائزة الكبرى بمهرحان السينما بطنجة، بسبب تطرقه لأحد "التابوهات"، لاسيما وأن الفيلم توج بجائزات مهمة في المهرجان؟
اقرأ/ي أيضًا: بين فيلمي "saving private rayan" و"Hacksaw ridge"
يقول الشريف الطريبق في إحدى لقاءاته الصحفية، إن ما دفعه لنبش أسرار نساء تطوان، في فترة الخميسنيات، هو مطالعته لكتاب "نساء على أجنحة الحلم" للباحثة المغربية فاطمة المرنيسي، والتي تناولت من خلال روايتها، قصصًا لنساء ينتمون إلى عائلة واحدة، أيضًا تطرقها إلى عالم الحريم، والحدود بين الرجال والنساء في تلك الفترة، وأيضًا من خلال حكايات صديقاته وأفراد من عائلته.
أما عن العلاقات المثلية، في فيلم "أفراح صغيرة" فيحكي الطريبق، أن تناوله لهذا الموضوع يبقى في صورة مجازية، عن درجة الحميمية بين نساء هذا المجتمع، لأن النساء عمومًا، أكثر حميمية فيما بينهن مقارنة مع الرجال.
وبالعودة إلى مشاهد الفيلم، لا يمكن الحديث عن مدينة تطوان، دون أن نلتمس الحضور الأندلسي المتميز، كثقافة مترسخة عند ساكنة هذه المدينة، ويمكن أن يكون هذا تفسيرًا لسبب توظيف المخرج لقِطَع الست التي تؤديها المغنية "زينب أفيلال"، والمنتقاة بعناية فائقة، من حيث مضامين الفيلم والإيقاع.
فالمخرج وظف هذه الموسيقى لترسم معالم القصة، وتسهم في تطوير الحكي، وتضفي جمالية مضافة على الفيلم من خلال توظيف مدروس لهذا النوع من الموسيقى، التي تعني الكثير لسكان المدينة.
فيلم "أفراح صغيرة" حصد 3 جوائز، من بينها أحسن إخراج وجائزة لجنة التحكيم وجائزة أحسن دور نسائي للممثلة فرح الفاسي بمهرجان وجدة
واستعمل المخرج أيضًا موسيقى مصرية. فعند مشاهدتك للفيلم، ستجد أن ممثلات يرددن بعض أغاني فريد الأطرش، لاستحضار أجواء الخمسينيات، دون أن ننسى ذهابهن إلى قاعات سينما، لمشاهدة أفلام مصرية، كنموذج للعصرنة، والحداثة والتمدن عند المجتمع التطواني.
أما عن حكاية الفيلم باختصار، فالقصة تتمحور حول اضطرار أُم في مقتبل عمرها وهي الممثلة "سمية أمغار" وابنتها الشابة "نفيسة" التي تلعب دروها "أنيسة العناية"، للاستقرار ببيت "لالة أمينة" "فاما الفراح" بعد موت رب الأسرة، وهو المنزل التقليدي الضخم لأحد ميسورين المدينة. وسرعان ما ستنشأ علاقة حميمية بين الشابة والابنة الصغرى لصاحبة البيت "فطومة" (فرح الفاسي).
اقرأ/ي أيضًا: هوامش عابرة عن الأفلام والسينما
إذ سنلاحظ أن هناك علاقتين مثليتين بين أربع شخصيات: الجدة وأم نفيسة من جهة، فطومة (الحفيدة) ونفيسة الابنة، وأيضًا سنلاحظ أن المخرج لم يكن جريئًا في تناولها خصوصًا لحظات الخلوة، ومشاهد غرف النوم، ويبدو أنه اختيار المخرج.
أيضًا الفيلم يحكي عن فترة زمنية معينة، ولأن أحداث الفيلم في فضاء مغلق، وهو بيت تقليدي قديم، إلا أنه راقٍ من حيث الألوان. حيث سيذكرنا المخرج بإكسسوارت تقليدية جميلة، بعض الطقوس في الاحتفاء، كيف كان يستقبل الضيوف في تلك الفترة، أيضًا طريقة تقديم الأكل، المواضيع التي كانت تتطرق إليها النسوة، علاقتهم بالآخر. كل ذلك ضمن قالب فني مثير جدير بالفرجة.
فيلم "أفراح صغيرة" حصد 3 جوائز، من بينها أحسن إخراج وجائزة لجنة التحكيم وجائزة أحسن دور نسائي للممثلة فرح الفاسي بالمهرجان المغاربي بوجدة، بالإضافة إلى جوائر بمهرجان طنجة، وأيضًا مثل المغرب في العديد من المهرجانات الدولية.
اقرأ/ي أيضًا:
أوسكار أفضل فيلم أجنبي (1990-2016) لمن ذهبت؟
فيلم "Me Before You": عندما تقتل السينما الأمل