زلاتان إبراهيموفيتش، أو "زلاتان" فقط كما يحب أن يُنادى وكما اختار أن يضع على ظهر قميصه، منذ كان في التاسعة عشرة من عمره، هو بلا شك واحد من أفضل المهاجمين في كرة القدم العالمية، ولكن إلى الآن لا تزال شخصيته هي التي تستأثر بالقدر الأكبر من الاهتمام سواء من المشجعين أو من الصحافة الرياضية، وذلك نظرًا لوفرة التصريحات الصحفية "المتغطرسة" التي تخرج من اللاعب بخصوص رؤيته لنفسه ودوره المحوري في الفرق التي لعب لها.
هو "السلطان"، وهو "مستر باريس سان جيرمان"، وهو الذي لا يشغله وقوف السماء إلى جانبه طالما هو موجود على أرضية الملعب، وهو الذكوري الذي لا يتوانى عن السخرية من كرة القدم النسائية.
"أن تكون زلاتان" يقدم نظرة مُقرَّبة وحميمية لإبراهيموفيتش الشاب، قبل أن يتحول إلى تلك الأيقونة الرياضية التي يتحدث عنها الجميع، من خلال تتبع خطواته مع أول ثلاثة أندية في تاريخه الاحترافي، ورحلة تطوره من اللاعب السوبر المهاري في مالمو السويدي إلى النجم السوبر في يوفنتوس الإيطالي، مرورًا بسنوات بداية التوهج على المسرح الأوروبي الكبير مع أياكس الهولندي.
في الفيلم الذي حاول أن يقدم بورتريهًا شخصيًا لإبراهيموفيتش، نجد اللاعب لا يقول الكثير على الشاشة
عملية تطوير إحدى المواهب الكروية من مجرد موهبة خام إلى لاعب كرة قدم محترف هي قصة مثيرة للاهتمام عمومًا، ولعل الاتجاه السائد حاليًا لدى كبار أندية العالم للاستثمار على أكاديميات الكرة وتخريج مجموعة من اللاعبين الشباب دليل على أهمية عملية التطوير في عالم كرة القدم الحديثة التي لم تعد تعتمد على مهارة اللاعب وحسب.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم Wings of Desire.. فيندرز والاحتفاء بالحياة
في "أن تكون زلاتان" من المثير للاهتمام متابعة القصة الحقيقية للكيفية التي تتم بها رحلة النجومية خطوة بخطوة في الوقت الذي يقابل فيه اللاعب الصاعد صعوبات على الطريق.
على العكس من أفلام مثل "هدف.. الحلم يبدأ" -حيث تأتي حكاية كهذه مزخرفة بسيناريو نصف متزن ولا يعير اهتمامًا كافيًا بالسياق الأوسع لكرة القدم- يكون ممتعًا أن نرى ونسمع ما يحدث وراء الكواليس بعد أن تنطلق صافرة الحكم ويترك اللاعبون أرضية الملعب، ويكون مُهمًا أن يتمّ تدعيم الوثائقي بلقطات أرشيفية من مباريات كرة القدم الحقيقية للاعب محور الفيلم. على سبيل المثال، لا يمكن تخيُّل مثل هذا الفيلم بدون وجود الهدف الذي سجله إبراهيموفيتش في مرمى فريق ناك بريدا في عام 2002.
أغلب مدة الفيلم يتم القطع بين فترة إبراهيموفيتش مع مالمو وسنواته مع أياكس، قبل أن يُظهره أخيرًا متوّجًا مع يوفنتوس، ولعله من المحبط قليلًا أن الفيلم لا يتبع نموذجًا بنائيًا تقليديًا لحكايته، أي يتم تقسيم الفيلم لثلاثة أجزاء: بداية "مالمو"، ووسط "أياكس"، ونهاية "يوفنتوس"، لأن ذلك كان سيوفر متابعة كرونولوجية لتطور إبراهيموفيتش ربما تقدِّم زخمًا أكثر لبناء درامي أكثر فاعلية وإثارة للاهتمام.
فمثلاً، لن يشعر المشاهد فعليًا بالشحنة العاطفية التي من المفترض أن تحيط بمبارة إبراهيموفيتش الأخيرة مع مالمو، وذلك بسبب أن المُشاهد قد رأى اللاعب في فترة مبكرة من الفيلم وهو بقميص أياكس بالفعل.
إذًا اختار مخرجا الفيلم، فريدريك وماجنوس جيرتن، بناء سردية فيلمهما من خلال القطع بين سنوات إبراهيموفيتش في أياكس ومالمو، لربط بعض الأحداث المهمة في تجربته الهولندية بتفاصيل أكثر حميمية من أيامه الأولى في السويد، ولكن حتى هذه اللقطات الشخصية التي تُظهر إبراهيموفيتش في مالمو لا تجعلنا نقترب منه بشكل يتيح لنا معرفة أكبر.
يخبرنا إبراهيموفيتش عن صديقته التي يعيش معها في علاقة سعيدة، ثم بعد ذلك نكتشف فجأة أنه تركها. ثم في إحدى المشاهد تأتي سيرة والده والخلاف الذي حدث بينهما بسبب إصرار إبراهيموفيتش على تغيير الاسم على ظهر القميص الذي يلعب به لصالح أياكس من "إبراهيموفيتش" إلى "زلاتان"، هذا الوالد سنعرف أنه كان دائم التشجيع لابنه ثم بعد ذلك سنصطدم بمعلومة تقول أنه كان كحوليًا يداوم على الشراب، وأخذ يشكّل خطرًا على مسيرة ابنه. وما بين حكايات الوالد والصديقة لن تأتي سيرة الأم والأخ الأصغر أبدًا.
لكن الفيلم يقول أيضًا إن إبراهيموفيتش، كان وسيبقى، كيانًا مغلقًا من النادر أن تتاح الفرصة لأحدهم لسبر أغواره، وهو أيضًا غير منفتح على الناس لأسباب ربما لن تسعفنا لفهمها كرة القدم أو السينما بقدر علم النفس الاجتماعي. هذا الانطباع يؤثر على الفيلم بشكل مباشر. فنحن هنا نتحدث عن فيلم من المفترض أنه يقدم بورتريهًا شخصيًا للاعب كرة قدم بارز ونجد أن هذا اللاعب نفسه لا يقول الكثير على الشاشة.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم الثمن.. استغلال رخيص للاجئين السوريين في مصر
"أنت تتحدث، أنا ألعب"، هكذا يكون رد إبراهيموفيتش على سؤال أحد الصحفيين في مؤتمر تقديمه كلاعب في نادي أياكس، حين كان لا يزال في العشرين من عمره ويخطو أولى خطواته في نادٍ أوروبي كبير. هكذا يمكن تلخيص الأمر.
"أنت تتحدث، أنا ألعب"، هكذا يكون رد إبراهيموفيتش على سؤال أحد الصحفيين في مؤتمر تقديمه كلاعب في نادي أياكس
في المقابل، يتحصّل المشاهد على فكرة محددة عن "عظمة" و"خصوصية" شخصية مثل إبراهيموفيتش تحتفظ حولها بهالة مميزة، وأيضًا يصبح مفهومًا سبب رغبته في القدوم إلى إيطاليا، ففي إيطاليا، كما يُقال في الفيلم، لا يهم إذا كنت أنانيًا طالما تمتلك شخصية قوية على أرضية الملعب.
وفي الأخير، "أن تكون زلاتان" فيلم وثائقي يقدم "تاريخًا" مثيرًا للاهتمام لكل متابعي الكرة ومحبي النجم السويدي على وجه الخصوص، ولكن صانعي الفيلم كان يمكنهم اعتماد بناء سينمائي مختلف لجعل حكايته أكثر تميزًا وحميمية.
سيحصل المُشاهد على شيء أشبه بصورة فوتوغرافية لنجم كروي صاحب شخصية مميزة، ولكن سيخيب أمل كل من يتصوّر أن الفيلم سيتيح له النفاذ إلى بواطن تلك الشخصية المغلقة على نفسها.
وفي حين ينجح الفيلم في الإمساك باهتمام المُشاهد من البداية إلى النهاية؛ سيشعر المرء بأن ما يشاهده هو "بورتريه مُهذّب" لإبراهيموفيتش، كفرد وكلاعب كرة قدم.
اقرأ/ي أيضًا: