لم يأخذ خبر صدور فيلم جديد للمخرج الإيطالي "جوزيبي تورناتوري" حقه مقارنة بتاريخ الرجل الحافل بالأفلام الرائعة، فانتهى عام 2016 واقترب العام الجديد من الانتصاف ولم يشعر كثيرون بوجود فيلم "المُراسلة La Corrispondenza".
المُطالِع لمسيرة جوزيبي تورناتوري يجد تكرار تيمة "رسائل ما بعد الموت" بداية من فيلمه الأيقوني "سينما باراديسو Cinema Paradiso"
يبدأ فيلم المراسلة "La Corrispondenza" راصدًا علاقة عاطفية بين رجل يَكُبُر امرأة شابة في السن، هذا الفارق الذي لم يتطرق له الفيلم كثيرًا بل تعامل معه بطبيعية شديدة، وكانت هذه أولى نقاط اختلاف الفيلم في رومانسيته عن باقي الأفلام الرومانسية، فجوزيبي تورناتوري، الذي يؤلف ويخرج أفلامه، لم يُقِر طبيعية العلاقة بمشاهِد حادة، بل أقرها بسلاستها ومرورها دون صخب، وهذه هي النقطة الأولى التي تجذبك لفيلم كهذا.
تدور الأحداث سريعة لتكتشف لُب القصة الأصلي الذي تدور حوله القصة؛ الرجل يموت، لكنه مستمر في إرسال الرسائل المكتوبة والمرئية عبر كل الوسائل المتاحة للمراسلة، هذا الرجل يريد أن يظل حيًا بعد موته.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Holy Motors" ومحاولة خلق الجمال
المُطالِع لمسيرة جوزيبي تورناتوري يجد تكرار تيمة "رسائل ما بعد الموت" بداية من فيلمه الأيقوني "سينما باراديسو" (Cinema Paradiso)، الحائز على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 1990. الشخصية تموت لكنها تُرسِل شيئًا ما يجعلها حية في نظر باقي الشخصيات ولدى المشاهد، هذا ما يستفيض فيه جوزيبي تورناتوري في فيلمه الجديد فيجعله محوره الأساسي.
البطل في فيلم "La Corrispondenza" يعتمد على جميع من يعرفهم في إيصال رسائله للبطلة بعد موته، مع إتاحة الفرصة لها بوقف كل هذا إن أرادت، هنا، ومع مرور الوقت على المُشاهِد أن يضع نفسه مكان البطلة، وتبدأ التساؤلات في الولوج لعقله.
فالكثير يفكر في مثل هذه الفكرة المجنونة، لكن أثرها هو ما لم نفكر فيه، ماذا لو أصاب الآخرين الضيق والممل من استمرار تواجدك بعد الموت؟ هل سيصفك الآخرون بالأنانية لإصرارك على الوجود وعدم ترك حياة من تحبهم؟ هل تفضل أن تموت مرة واحدة ولا يراك بعدها أحد، أم تفضل أن تموت أكثر من مرة، لكن المرة الثانية تكون من ملل تكرار رسائلك وتركها؟
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Holy Motors" ومحاولة خلق الجمال
أسئلة عديدة تعصف بذهن المُشاهِد في منتصف فيلم "La Corrispondenza"، ونعتقد أن هذه الأسئلة هي أبرز ما قدمه الفيلم على الإطلاق، فالفيلم الذي يجعلك تقف لبرهة وتتساءل يكون قد أوصل رسالته لك حتى وإن لم يكن ضمن قائمتك المفضلة في نهاية الأمر.
فيلم "المُراسلة" محاولة جميلة من المخرج العبقري تورناتوري، وفكرة ظلت مسيطرة على رأسه لـ26 عامًا، منذ عرض "سينما باراديسو"
لكن يظل الممثل القدير القدير جيرمي آيرونز نقطة قوة في الفيلم، إذ أدّى الرجل معظم مشاهده يطالعنا عبر فيديو من حاسوب أو عبر الهاتف النقال، وهذا يحتاج جهدًا مضاعفًا لتوصيل الإحساس للمشاهِد.
فيلم "المُراسلة" محاولة جميلة من المخرج العبقري جوزيبي تورناتوري، وفكرة ظلت مسيطرة على رأسه لـ26 عامًا، منذ عرض "سينما باراديسو". ربما لم يحالفه الحظ جماهيريًا ونقديًا هذه المرة، وربما طغيان الجو الحداثي وظهور التكونولوجيا بشكل كبير في الفيلم قد أثر على رونقه، لكن يكفيه مشهد النهاية الذي يعطينا فيه بطل الفيلم ظهره ليبدأ حديثًا مُطوَّلًا من جانب واحد، كالمعتاد طوال أحداث الفيلم، تسمعه كأنك تسمع جوزيبي تورناتوري يتحدث، كأنك ترى باقي أفلامه عابرة أمامك. ثم ينتهى الفيلم بسلام، يجعلك تستمتع به إن كنت تراه في هدوءٍ وسكينة.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "21 غرام".. الألم الذي نتوه هربًا منه
فيلم "طعم الإسمنت" أفضل وثائقي في مهرجان فيزيون دو رييل