- ملحوظة: المقال يحتوي حرقًا لأحداث الفيلم
حين نقول إن فنانًا أو كاتبًا يُكرر نفسه، نرمي عادة إلى الانتقاص منه، لكن ذلك لا يصح، في أغلب الأحوال، مع المخرج والكاتب والممثل الأمريكي وودي آلن (1935). هو يحكي لنا نفس الحكاية، بحماسة أول مرة، ونحن، في تواطؤ لذيذ، نتلقفها منه كأنها ساخنة وصابِحة.
أن نكرر أنفسنا ونصير مبعث شفقة وسخرية، أو أن نكرر أنفسنا ونكسب تواطؤ الآخرين؛ هل ثمة في الحياة خيار ثالث؟
من فيلم لآخر، يقول آلن: أنا أحب الجاز والفلسفة ونيويورك ولا أكف عن السخرية من الآخرين ونفسي ويهوديتي. و"يهودية آلن ليست ثقافية أو تاريخية؛ بل شخصية، متجذرة في البيئة الخاصة التي تربَّى فيها، الكتلة المدنية الأمريكية من مهاجري أوروبا الشرقية اليهود"، كما يلخص الأمر ريتشارد برودي (ذي نيويوركر، 14/7/2016).
يحكي وودي آلن لنا نفس الحكاية، بحماسة أول مرة، ونحن، في تواطؤ لذيذ، نتلقفها منه كأنها ساخنة وصابِحة
لكنه، في كل مرة، يختار ثيابًا جديدة للقول نفسه. ليس أن المسألة كلها شكلية، ولا أنه ثمة أزمة أصلًا في أن تكون كذلك -فمن يُجادل الآن منطلقًا من ثنائيات الشكل والجوهر، أو القعر والسطح؟-، وإنما المسألة أن يرى نفسه/قوله في هذه الثياب. وهو ما حدث في فيلمه الأخير: كافيه سوسايتي (2016).
بوبي (جيسي آيزينبيرغ) شابٌ من أسرة يهودية يترك العمل مع والده مُرمم المجوهرات المتواضع في برونكس (ببلدة نيويورك سيتي)، ويرحل إلى هوليوود، حيث خاله فل (ستيف كاريل)، الذي ينتمي إلى مجتمع الصفوة الهوليودية.
ما من سبب واضح وراء رحيله، وما من خطة واضحة أمامه. هو يريد أن يعمل، أي شيء، ويعرف عن نفسه أنه سريع التعلُّم. يُقدمه الخال إلى نجوم هوليوود، وأيضًا إلى فوني (كرستين ستيوارت)، الموظفة التي سيضع على عاتقها مهمة استقباله.
تتكون أسرة بوبي من أب يواصل نعت الخال فل بأنه "ليس يهوديًا حقيقيًا"؛ وأم لا تكف عن الرطن باليديشية والدفاع عن أخيها متهمةً زوجها بمحدودية الذكاء وقلة الدين، ما يجعله آخر من يحق له تحديد من هو اليهودي الحقيقي؛ وأخت متزوجة من مثقف شيوعي سلمي، لديه إيمان راسخ بقيم الحوار والحس الإنساني؛ وأخ يقوم بتجارات غير مشروعة وأعمال مروعة، لا سيما القتل، مستخفيًا في ناديه الليلي.
اقرأ/ي أيضًا: 9 أفلام عربية مرشحة لأفضل فيلم أجنبي بالأوسكار
ليس الأمر على ما قد يبدو عليه من درامية. فقد طرح آلن ذلك كله في إطار السخرية والفكاهة والتهكم المعهود منه، أو كما يقول بوبي، "الحياة عبارة عن كوميديا، لكن خطّها كاتب كوميديا سادي".
في هوليوود الثلاثينيات، سيجوب كل من بوبي وفوني الشوارع، متحدثين عن الحياة التي يمكن للمرء أن يحلم بها في قلب مركز صناعة الأفلام في الولايات المتحدة، وعن التطلعات البرجوازية التي تسقط على الطريق، ضمن الفرجة على مساكن نجوم السينما والذهاب إلى دور العرض والبارات الرخيصة.
وسرعان ما ستقود شوارع المجاورة لبوبي إلى محبة فوني، التي ستخبره بأنها على علاقة مع شخص آخر، سيعرف لاحقًا أنه خاله، فيل.
يقول وودي آلن: أنا أحب الجاز والفلسفة ونيويورك ولا أكف عن السخرية من الآخرين ونفسي ويهوديتي
مكسور القلب، سيترك بوبي هوليوود، ويذهب للعمل في النادي الليلي لصالح أخيه، بن (كوري ستول)، في نيويورك. هناك، سيتعرف إلى نجوم مجتمع، وساسة، ومجرمين بياقات بيضاء، ورجال أعمال، ومضاربين، كما سيتعرف إلى فيرونيكا (بليك لايفلي)، التي ستصبح زوجته. "هل تحبين موسيقى الجاز؟"، كان هذا هو أول سؤال يطرحها عليها بوبي.
ستكتشف الشرطة جرائم بن، وسيحكم عليه بالإعدام. الأسوأ، بالنسبة إلى عائلة يهودية، أنه سيتحول، في السجن، إلى المسيحية.
"الأم: قاتل أولًا، ومتحول إلى المسيحية ثانيًا. ما الذي اقترفته لأستحق ذلك كله؟ أيهما أسوأ؟
الأب: لقد أوضح لكِ الأمر. ليس لدى اليهود حياة أخرى.
الأم: جميعنا يخشى الموت، يا مارتي! إلا أننا لا نتخلى عن الدين الذي ولدنا عليه.
الأب: أنا لا أخشى الموت.
الأم: أنت أغبى من أن تُقدِّر تبعات الأمر.
الأب: لم أقل إن الأمر يروقني. سأقاوم الموت بكل ما أملك. لكن حين يأتي ملك الموت ليقبض روحي، سأرحل. سأحتج. سألعن. هل تسمعينني؟ سأذهب محتجًا.
الأم: لمن ستحتج؟ بحق الجحيم، ما الذي أنت مقدم على فعله؟ هل ستكتب خطابًا إلى التايمز؟
الأب: سأحتج في صمت".
اقرأ/ي أيضًا:
تارانتينو: لا أعتزم الاستمرار في إنتاج الأفلام
فيلم "أن تكون زلاتان"..صورة لإبراهيموفيتش في شبابه
فيلم Wings of Desire.. فيندرز والاحتفاء بالحياة