تبدأ أولى لقطات الفيلم بمشاهدة قط لحادثة اغتصاب في منزل سيدة من الطبقة البرجوازية الفرنسية، وبعدها يلوذ الفاعل بالفرار. بهذا الفعل المليء بحبس الأنفاس يفتتح المخرج الهولندي، بول فيرهوفن، عمله الأخير "هي"، الحاصل على جائزة "غولدن كلوب" منذ أيام، مسترجعًا مقدمات لأعمال سابقة، منها "غريزة أساسية" بالاشتراك مع شارلون ستون ومايكل دوغلاس.
في "Elle" (هي) يبتعد بيرهوفن عن هوليوود، ويقدم عملًا إشكاليًا جديدًا بطاقم فرنسي، معتمدًا في البطولة على الفرنسية، إيزابيل أوبير (ميشيل)، الحاصلة على جائزة الـ"غولدن كلوب" لأفضل ممثلة أجنبية، والتي تلعب دور سيدة مطلقة، تتعرض للاغتصاب في منزلها، وأثناء العشاء مع أصدقائها، وزوجها السابق، تقول لهم "أعتقد أنني تعرضت للاغتصاب" ببرود شديد أمام النادل.
في فيلم "Elle" (هي) يبتعد بيرهوفن عن هوليوود، ويقدم عملًا إشكاليًا جديدًا بطاقم فرنسي معتمدًا في البطولة على إيزابيل أوبير
ترفض أوبير الذهاب للشرطة، وتقرر أن تكتشف الفاعل بنفسها دون مساعدة أحد، حيث تصف دورها في العمل بأن البطلة تتكبد "المصائب بنوع من الشجاعة والقوة، وبإرادة ألا تتحول لضحية"، والذي نراه معكوسًا في سيناريو العمل، ابنة لقاتل متسلسل وهناك شكوك عن مشاركتها لوالدها في جريمته، ووالدة لديها علاقات غرامية مع الشباب، وابن ضعيف الشخصية، و"هي" ذاتها تملك الكثير من العلاقات الجنسية في مسيرتها، آخرها مع زوج صديقتها في العمل، التي كان لها علاقة معه لليلة واحدة فقط.
تقرر أوبير أن تقيم حفل عيد الميلاد في منزلها، وتدعي إليه جميع أصدقائها وزوجها السابق مع صديقته الحديثة ناتج عن الشعور بالغيرة اتجاهها، يظهر واضحًا خلال العشاء، وفي الوقت نفسه تقوم بمغازلة جارها لوران لافيتي (باتريك) من تحت الطاولة بالأقدام، لتكتشف بعد أيام أثناء دفاعها لمحاولة اعتصاب ثانية أن الفاعل ليس إلا "باتريك" ذاته، الرجل الكاثوليكي المتزوج من امرأة متدينة.
قبل أن تعرف "ميشيل" الفاعل، كان فيرهوفن يقوم باسترجاع مشهد الاغتصاب من زوايا مختلفة، وفي كل مرة يظهر جانب آخر للحادثة التي استبقها في المرة الثانية بمعاتبتها للقطة أنها لم تفعل شيئًا لإنقاذها. تستمر الحياة بعدها مع أوبير، صاحبة شركة لتصميم الألعاب الإلكترونية، كأن شيئًا لم يكن، وعندما يحصل لها حادث أثناء قيادتها لسيارتها تتصل بـ"باتريك" لنجدتها.
تنفهم أكثر تصرفات "ميشيل" في العمل المقتبس عن رواية "أوه..." للفرنسي فيليب جيان، عندما نعرف خلال السرد عن حياتها يوم كانت صغيرة، ومشاركتها لوالدها بعد أن قتل 27 شخصًا من الحي بحرق منزلهم، إذ إن الاغتصاب يصبح معكوسًا بعد أن تبدي رغبتها بممارسة الجنس بفعله للتجربة، ويتحول جارها الذي يستخدم العنف معها أداة تستخدمها لتحقيق ذلك.
بطلة فيلم "هي" إيزابيل أوبير الحاصلة على الـ"غولدن كلوب" لأفضل ممثلة أجنبية تلعب دور سيدة مطلقة تتعرض للاغتصاب في منزلها
بهذه البساطة يقدم بيرهوفن رؤية مختلفة للاغتصاب، ويحوله لتجربة جنسية جديدة تمكنت أوبير من أدائها بشكل ملفت، عكست من خلاله شخصية المرأة القوية حتى في تعاملها مع المصممين في شركتها حين تطلب منهم أن يكون في اللعبة حضور للعنف، الدماء، الوصول للذة الجنسية لحظة الموت، لذا ليس غريبًا أن نراها مع هذا الكم الهائل من الأحداث في حياة "ميشيل" أن تذهب لممارسة الجنس بهذه الطريقة التي قد تجعل المتفرج حائرًا في مراحل معينة.
اقرأ/ي أيضًا: 12 فيلمًا سيحب مشاهدتها كل مهندس
في بعض المشاهد من الممكن أن يجد المتفرج تعقيدًا بالقصة، لكن حدة التوتر يزداد شبقها عندما يقوم ابنها بقتل "باتريك" في محاولة لإنقاذ والدته من الاغتصاب لأنه لا يعرف أصل الحكاية، بعدها تكتشف أن زوجته المتدينة تعرف بقصتهما، تقول لها: "أنا مسرورة لأنك أعطيته ما يريده.. على الأقل لفترة قصيرة"، حديثٌ يثير الكثير من التساؤلات عن هذه العلاقات الإشكالية المطروحة في عمل تنتصر فيه الجريمة، مثل أعمال "غريزة أساسية"، أو "فتيات الاستعراض" وغيرها لهذا الرجل بيرهوفن.
بهذه السيرة المشبعة بالتناقضات، والأفعال المضطربة، نُشاهد "هي" بجدليتها لتعاطيها مع الأحداث، واستطاعتها إدارة حياتها بمفهومها الخاص عن الحب، الجنس، العمل، شخصية استثنائية لامرأة قوية، تمكنت إيزابيل أوبير أن تقدم عملًا مميزًا لها خلال العام الفائت، مع الطائر الهولندي بول بيرهوفن، يثير الكثير من الشكوك حول أمور يبدو الجزم بأمرها حتميًا، لأن في نهاية الفيلم لن يجد المتفرج نفسه سوى صامت مع ابتسامة طويلة.
اقرأ/ي أيضًا: