24-يونيو-2018

من الفيلم

في فيلمه "Every Day" يفتح المخرج الأمريكيّ مايكل سوسكي (1973) عدسته في المساحة التي تفصل بين عالمين، الواقع والفنتازيا، ليضعنا أوّلًا إزاء حكاية تأرجحت بينهما في بداياتها، قبل أن يتداخلا في بعضهما البعض، ليضعنا سوسكي مجدّدًا أمام حكاية تبدو للمشاهد واقعية، رغم درايته المُسبقة بأنّها عكس ذلك. جاءت هذه الواقعية نتيجة السياق الذي قُدِّمت فيه الحكاية، والشكل الذي صوِّرت فيه أيضًا، ذلك أنّهما جعلا منها حكاية حب صرفه، بمشاهد بصرية لافتة، تتكشّف عن اعتناء واضح بالمحتوى الجمالي، وتصرف المشاهد عن الالتفات إلى حقيقة أنّه أمام حكاية غير واقعية، بجوانب فنتازيّة لا تُصدّق.

يفتح المخرج الأمريكيّ مايكل سوسكي عدسته في المساحة التي تفصل بين عالمين، الواقع والفنتازيا

بدورها، جعلت حكاية الحب هذه من فيلم Every Day فيلمًا روحيًا وتأمّليًا، إذ إنّ علاقة الحب التي جمعت الفتاة ريانون (أنجوري رايس) بشابٍّ متحوّل، كانت علاقة روحية أكثر منها جسدية، ذلك أنّ هذا الشابّ كان يستيقظ صباحًا، كلّ يوم، ليجد نفسه في جسد وحياة شخص آخر، ذكرًا أو أنثى. وتاليًا، نحن إزاء شخصية منتزعة، بطريقة ما، لا واقعية طبعًا، من جسدها وواقعها وحياتها المجهولة، لتُرمى، يوميًا، في حياة شخص آخر لا تعرفه، تعيش يومه كاملًا، قبل أن تنتقل في الثانية عشر منتصف الليل إلى جسد شخصٍ آخر. وهذا ما يجعل العلاقة بين هذين الشابّين روحية، إذ إنّ الجسد، غير الثابت والمتغيّر يوميًا، لا مكان لهُ سوى أنّه يدلّ على شغل الشاب حيزًا ماديًا في هذا العالم.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "M.I.A. A Greater Evil".. لماذا تركتمونا؟

يفتتح مايكل سوسكي فيلم Every Day هذا بمشهد استيقاظ جوستن (جاستيس سميث)، صديق ريانون قبل أن يدخل الشاب المتحوّل حياتها. المفاجأة هنا أنّ جوستن صباح ذلك اليوم لم يكن جوستن نفسه، بل كان الشاب المتحوّل الذي استيقظ ليجد نفسه في جسد وحياة الأخير، والتي كانت ريانون حينها جزءًا منها. أي أنّ علاقة ريانون بهذا الشاب بدأت، دون أن تعرف، عبر جوستن الذي فاجأها ذلك اليوم بتصرّفاته غير المعهودة. سوف يتكرر مشهد الافتتاح هذا خلال فيلم Every Day، حين يستيقظ الشاب المتحوّل في مكان مختلفٍ عن سابقه، يُلقي نظرةً على كفّيه ليتأكد من جنسه، ثمّ يضبط المنبه على الساعة 11:50 مساءً، أي قبل عشر دقائق من مغادرته الجسد الذي يتقمّصه بغير إرادته إلى جسدٍ آخر.

النهار الذي أمضاه الشاب المتحوّل، في جسد جوستن، برفقة ريانون، كان كفيلًا ليقع في حبّها ويبدأ بالتقرّب منها بأشكالٍ مختلفة، إذ يظهر في اليوم التالي بجسد شابّة تطلب من ريانون مرافقتها، وبعدها بجسدٍ شابٍّ يُراقصها في سهرة تحضرها برفقة جوستن، قبل أن يغادر المكان مسرعًا حين انتبه إلى الوقت. وهكذا إلى أن اعترف لها بحقيقة الأمر الذي لم تصدّقه ريانون في البداية.

استيقاظ الشاب بجسد وحياة ريانون سوف يكون نقطة التحول الرئيسية في فيلم Every Day، حيث تأخذ العلاقة بينهما، أي بعد خروجه من جسدها، شكلًا جديدًا يصل شيئًا فشيئًا إلى الحب بعد انفصالها عن جوستن، بطريقة مفاجأة ومُحيّرة. هكذا، سوف يمضيان جلّ أوقاتهما معًا، تحكي له عن حياتها ويفعل هو الأمر ذاته. وتاليًا، تنتشلنا هذه العلاقة من الحيرة التي أصابتنا قبل بدايتها لجهة التحوّل المستمرّ الذي يعيشه الشاب، وتقمصه لأجساد الآخرين، وتضعنا أمام حكاية حب صاخبة يعيشها الاثنان معًا، بمشاهد ولقطات مبهرة، تتخللها موسيقى تصويرية تؤدي الغرض المطلوب منها، أي لفت انتباه المشاهد واهتمامه، بعيدًا عن الجانب الفنتازي للحكاية. ويمكن القول أنّ هذه المشاهد واللقطات والعلاقة بأكملها، تحمل من الدهشة أضعاف ما تحمله فكرة أن يعيش إنسان ما في هذا الكوكب في أجساد الآخرين، بعيدًا عن جسده وحياته الشخصية.

يُمكننا اعتبار فيلم "Every Day" مدوّنة سردية تسعى إلى التنويه بأهمية العلاقة الروحية ومتانتها

اقرأ/ي أيضًا: فيلم Hereditary.. خيال الرعب يتفوق على مشهديته

يُمكننا اعتبار فيلم "Every Day" مدوّنة سردية تسعى، بطريقة مبهرة، أكانت مباشرة أم مواربة، مقصودة أو غير مقصودة، إلى التنويه بأهمية العلاقة الروحية ومتانتها، دون الاكتراث بالجسد وشكله. وهذه نقطة مهمة تُحسب للفيلم، إلى الاعتناء بالمحتوى الجمالي والفني.

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "الجميع يعلم" لأصغر فرهادي.. ما المسكوت عنه؟

فيلم "The Greatest Showman".. رهان خائب على متعة تائهة